ولم يتسلم عبد الوارث ميراثه عن أبيه، ولم يكن قليلا، ولكن عبد الهادي قام على هذا الميراث خير قيام، وراح ينميه لحساب أخيه، ورفض أن يحتسب من ميراث أخيه مأكله وملبسه، مرتئيا أن هذا واجب عليه حتى وإن كان الأخ غنيا.
وكان الحاج رافع، حين تزوج فائقة أم عبد الوارث، رأى أن يرضي ابنه الأكبر بعمارتين باعهما له وسجلهما باسمه، ولم يكن عبد الهادي محتاجا لهاتين العمارتين حتى يرضى؛ فلم يكن غاضبا حتى يحتاج إلى إرضاء. •••
نذر عبد الهادي أن يقيم مسجدا لوجه الله إذا استجاب الله دعاءه ومن عليه بمولود. وإن للسماء أسرارها. وحملت زوجته حميدة. وقبل أن تلد كان عبد الهادي قد بدأ يضع الأساس للمسجد وهو يقول إنه مسجد لله، وسواء عندي أن تمت الولادة أم لم تتم، قد نذرت أن أبنيه إن أنجبت وقد أخطأت؛ فإن علي ما دمت قادرا أن أبنيه، أنجبت أو لم أنجب.
وحين قدم إبراهيم عبد الهادي النقيب كان المسجد قد تم بناؤه، وأقيمت الأفراح خيرات على الفقراء والمعوزين.
وقرت عينا عبد الهادي واطمأن قلب حميدة، واكتملت في البيت سعادة كانت ناقصة وأذن لها الله أن تكتمل. •••
شب إبراهيم فتيا بهي الطلعة، مكتمل الرجولة، زكي الفؤاد، في سمته عند الناس قبول، لا يراه الرائي إلا انشرح قلبه لمرآه، على فمه ابتسامة كأنها بطاقة من الحب تركها محب هناك عن عمد، وفي جبهته إشعاعة سلام كأنها دعوة ود لا كدر فيها ولا مغاضبة.
وأجمع الناس على حبه مع أن الناس لا تجمع على شيء.
ناس المهدية، مثلهم مثل سائر الناس، فيهم الطيب الشريف وبينهم المجرم الخبيث. والخير في حياتنا نادر والشر على الناس غالب، ولكن ليس هناك إنسان كل ما فيه شر، وحتى أهل الطيبة والورع قد تجد جانبا منهم لا يرضيك؛ فإنه لا كمال إلا للنبي.
كان أهل الخير وأهل الشر جميعهم يحبون إبراهيم؛ لأنه كان لا يتيح فرصة لأحد أن يتصل به إلا بالحب.
شخصية توشك أن تكون بعيدة عن أبناء الحياة، كان إبراهيم ...
صفحة غير معروفة