باستخدام مصطلحات وينيكوت، يعتبر اللعب نشاطا «انتقاليا»، إذ يوفر انتقالا من مرحلة الطفولة إلى مرحلة النضوج، من العالم الداخلي للخيال إلى الواقع الخارجي، ومن العالم الخارجي المعروف إلى العالم الخارجي المجهول. ومثلما يتعلق الطفل بشيء مادي - دمية - لخلق عالم آمن يمكنه لاحقا من استكشاف العالم الخارجي بثقة، يتعلق الشخص الناضج بشيء داخلي - هواية، مجال اهتمام، قيمة، أو أسطورة - يمكنه لاحقا من التعامل مع عالم أكثر اتساعا. مثلما يعرف الطفل أن الدمية ليست أمه لكنه لا يزال يتعلق بها كما لو كانت كذلك، يدرك الشخص البالغ أن الأسطورة لا تعتبر واقعا لكنه لا يزال يتمسك بها كما لو كانت كذلك. وبذلك تعتبر الأسطورة «تخيلا».
مما لا شك فيه أن الأساطير لا يجري التعامل معها جميعا على أنها تخيلات؛ إذ يمكن اعتبار بعض الأساطير حقائق لا مراء فيها، مثل الأساطير التي تدور حول النهاية الوشيكة للعالم. ويمكن بالتأكيد النظر إلى الأساطير بالطريقتين معا، مثل الإيمان بالتقدم، والأيديولوجيات، ورؤى العالم مثل الماركسية. وباعتبارها تخيلا، تعمل هذه الأساطير بمنزلة «المرشد» في العالم أكثر من «تقديم الوصف له».
تنتمي أسطورة «من الأسمال إلى الثروة» إلى هذا النوع من الأساطير - إذا جاز وضع مجرد معتقد في مصاف الأساطير. ومما لا شك فيه، يمكن اعتبار المعتقد رأيا متحجرا - ومن قبيل المفارقة أنه يعد كذلك في جميع أنحاء العالم كما في أمريكا نفسها - وبذلك يمكن أن يؤدي المعتقد إلى الإحباط والاتهام المضاد إن لم يثمر عن نتائج طيبة. في المقابل، يمكن الاعتقاد في الأسطورة باعتبارها «تخيلا»؛ لا كتوصيف زائف للحياة الأمريكية بل كتوصيف مأمول لها. وينظر إلى أمريكا هنا «كأنها» ملاذ للفرص. ويتمثل المثال المعاصر على هذه الأسطورة في أنتوني روبنز، وهو نموذج لأنجح رجل مبيعات. تتمثل خرافته في قصة؛ قصة صعوده من الفشل إلى النجاح. فما الذي يمنع الآخرين من النجاح، في رأي روبنز؟ عدم المحاولة.
لا مراء، لا تزال أسطورة روبنز تدور حول العالم الاجتماعي وليس العالم المادي. الأفضل، إذن، هي السير الذاتية لأولئك الذين يتمتعون بقدرات تشبه قدرات الآلهة؛ أي المشاهير. فهم من يقود الحملات للقضاء على الفقر والعنصرية والآفات الاجتماعية الأخرى، وليس ذلك فقط؛ بل للقضاء على التلوث، والحد من ظاهرة الاحترار العالمي، وإنقاذ الأنواع البيولوجية. فيستطيع المشاهير القيام بأشياء فشلت أمم بأسرها، بل فشلت الأمم المتحدة، في تحقيقها.
يعتبر نجوم هوليوود هم أعلى المشاهير مقاما. وعلى غرار المفهوم الشائع للإله الموجود في هوميروس والكتاب المقدس العبري، لا يرى أحد نجوم هوليوود شخصيا، وعندما ينظر إليهم عبر الشاشة، فإن حجمهم يكون كبيرا للغاية، ويستطيعون فعل أي شيء، والتخفي، كما يجري تخليدهم في أفلامهم. ويمتلك نجوم هوليوود صفات مثيرة جدا تصل لحد اعتبارها خارقة: فهم لا يتميزون بالشجاعة فحسب بل لا يخافون، ولا يتميزون بالعطف فحسب بل يصلون لمرتبة القداسة، ولا يتميزون بالقوة فحسب بل بالمقدرة، ولا يتميزون بالحكمة فقط بل بالعلم بكل شيء.
وربما يعترض أحد المتشككين بقول إن الآلهة تعتبر آلهة في السر والعلن، وبأن نجوم الأفلام ليسوا سوى نجوم على الشاشة فقط وليسوا سوى بشر خارجها. في المقابل، لا يميز معظم المعجبين بين أي من ذلك؛ إذ يتوقع المعجبون توفر الصفات في الشاشة وخارجها. في حقيقة الأمر، يفترض أن يمثل نجوم الأفلام أنفسهم على الشاشة، «يمثلون» ما سيفعلونه في المواقف التي هم فيها. ولكن يشعر المعجبون بالإحباط عندما يعلمون بأن «الحياة الحقيقية» لممثليهم المفضلين تبعد كثيرا عن أدوارهم، وهو ما ينطبق حرفيا على ميل جيبسون الذي لا يتميز في الواقع بالطول الفارع. وذات مرة اضطر روبرت ميتشوم أن يحذر معجبيه بألا يتوقعون منه وضع أي استراتيجية عسكرية. واضطرت جريتا جاربو إلى الانعزال بعيدا بعد الكبر للاحتفاظ بصورتها الشابة في أذهان المعجبين. ولا يستطيع الممثلون المثليون في هوليوود الإعلان عن هويتهم الجنسية، خوفا من ألا يجري الاستعانة بهم في أدوار غير مثلية؛ كما أن توم كروز ملزم من الناحية المهنية بمقاضاة كل من يصفه بأنه مثلي.
ربما يقال إنه حيثما تولد الآلهة، تصنع نجوم الأفلام. غير أنه من المعروف كيف يصبح الأمر خاضعا لتقلبات المزاج ليصبح المرء نجم أفلام. في المقابل، يعتقد معظم المعجبين مما لا يدع مجالا للشك أن نجوم الأفلام يولدون، لا يصنعون. فعندما رؤيت لانا تيرنر تشرب لبنا مخفوقا في صيدلية شواب في شارع هوليوود بوليفارد، اكتشفت، ولم تخترع.
وربما يقال أيضا إن نجوم الأفلام لا يستطيعون فعل ما يريدون، على عكس الآلهة. في المقابل، يفترض معظم المعجبين أن النجوم محصنون ضد القوانين التي تنطبق على الجميع؛ بناء عليه، يشعر المعجبون بالصدمة عندما يتعرض نجومهم المفضلون للقبض عليهم لتناولهم المخدرات (روبرت داوني الابن)، أو السرقة من المتاجر (وينونا رايدر)، أو ممارسة الجنس مع الأطفال (مايكل جاكسون).
ومن دارج القول أن نجوم الأفلام المعاصرين ينتمون إلى طيف أوسع من أنواع الشخصيات هذه، وأنهم أضداد أبطال قدر كونهم أبطالا. ولا يزال نجوم الشباك - رجالا أم نساء على حد سواء - يظهرون على الشاشة على نحو مناسب للدور الذي يؤدونه؛ وبذلك فإن المظهر، لا القدرة على التمثيل، هو الذي يضع النجوم في مرتبة نجوم الشباك.
إن المصطلحات المستخدمة للتعبير عن إعجاب الناس بالنجوم تعبر عما نطرحه، مثل «تأليه» النجوم و«عبادتهم». ويطلق على أعظم الممثلين «آلهة». ولأنهم «نجوم»، يلمعون في سماء عالية بعيدة عنا، وبذلك «يتيم» المعجبون بهم.
صفحة غير معروفة