الأسطورة والمجتمع
برونيسلاف مالينوفسكي
بينما تتعامل الأسطورة في رأي تايلور وفريزر بصورة حصرية، أو شبه حصرية، مع الظواهر المادية - الفيضان، المرض، الموت - فإنها تتعامل في رأي برونيسلاف مالينوفسكي مع ظواهر اجتماعية كالزواج والضرائب والطقس، كما ناقشنا في الفصل
الرابع . فالأسطورة هنا لا تزال تعمل على مصالحة البشر مع منغصات الحياة، ولكنها المنغصات التي «يمكن» التخلص منها، غير أنها بعيدة كل البعد عن المنغصات غير القابلة للتغيير. وهنا، أيضا، تحث الأساطير على القبول المذعن لمنغصات الحياة من خلال اقتفاء أثر هذه المنغصات - أو على الأقل هذه الأشياء المفروضة - وصولا إلى ماض عتيق، ومن ثم منحها سلطة التقاليد:
تبدأ الأسطورة في الظهور عندما يتطلب الطقس أو الاحتفاء أو القاعدة الاجتماعية أو الأخلاقية؛ تبريرا وضمانا على عراقتها وحقيقتها وقداستها. (مالينوفسكي، «الأسطورة في علم النفس البدائي»، ص107)
وتقنع الأسطورة المواطنين بالانصياع إلى المراتب الاجتماعية من خلال الإعلان عن عراقة هذه المراتب ومن ثم استحقاقها. فتجعل الأسطورة التي تتمحور حول الملكية البريطانية المؤسسة قديمة قدر الإمكان، بحيث يصير أي تقليل من شأنها أو الحط منها حطا من قدر التقاليد نفسها. وفي إنجلترا المعاصرة يجري الدفاع عن صيد الثعالب باعتباره جزءا من الحياة الريفية لفترة طويلة. فيأتي في الأساطير الاجتماعية أشياء من قبيل، «افعل هذا لأن هذا ما كان يجري عمله دوما.» في حالة الظواهر المادية، المستفيد من الأسطورة هو الفرد. وفي حالة الظواهر الاجتماعية، الطرف المستفيد هو المجتمع نفسه.
شكل 8-1: برونيسلاف مالينوفسكي، نحو عام 1935.
1
إن القول بأن الأسطورة تتبع أصل الظاهرة يعني القول بأن الظاهرة تفسر هذه الظواهر. عندما يشير مالينوفسكي، إذن، في معرض هجومه على تايلور ، إلى أن البدائيين «لا يريدون «تفسير» أي شيء يحدث في أساطيرهم، وجعله «مفهوما»» يؤكد مالينوفسكي بالفعل على أن الأساطير لا تعتبر تفسيرات في حد ذاتها، مثلما يعتبرها تايلور. في المقابل، يجب أن تظل الأساطير تفسيرات؛ إذ إن من خلال تفسير الظواهر فقط تؤدي الأساطير وظيفتها التوفيقية.
لا يبين مالينوفسكي أبدا ما إذا كان الحداثيون، فضلا عن البدائيين، يمتلكون أساطير أم لا؛ ففي ظل توفير العلم الحديث مزيدا من التحكم في العالم المادي أكثر من العالم البدائي، هناك بالطبع أساطير حديثة أقل تدور حول الظواهر المادية. وفي حال عدم وجودها، لا تزال هناك أساطير حديثة تدور حول الظواهر الاجتماعية. وإذا لم تكن هذه الأساطير موجودة هي الأخرى، ستحل الأيديولوجية محلها.
صفحة غير معروفة