بما أن الطفل لا يستطيع التغلب على أبيه، يتخيل صانع الأسطورة نضجه بما يكفل له القيام بذلك. باختصار، لا تعبر الأسطورة عن الهدف الفرويدي للنصف الأول من الحياة، بل عن هدف الطفولة المستدام الذي يمنع المرء من تحقيقه.
ومن غير ريب، إن إشباع الرغبة الأوديبية رمزي أكثر منه حرفيا، مستتر أكثر منه علنيا، غير واع أكثر منه واعا، عقلي أكثر منه بدنيا، وغير مباشر أكثر منه مباشرا. ومن خلال التوحد مع البطل المحدد، يمثل صانع الأسطورة أو قارئها في عقله أفعالا لا يجرؤ على القيام بها في العالم الواقعي. حتى إن الأفعال الأوديبية للبطل «المحدد» تعد مستترة؛ إذ إن النمط البطولي يعمل على المستوى الظاهر أو بالقرب منه، وليس على المستوى المستتر. في المقابل، تحقق الأسطورة إشباعا ما، بل تحقق أفضل إشباع ممكن في ضوء الصراع بين دوافع وأخلاقيات الشخص المضطرب انفعاليا. ويقارن رانك بين هذا الشخص المضطرب انفعاليا، الذي قمع دوافعه ومن ثم يحتاج إلى التنفيس عنها بصورة غير مباشرة، وبين «الشخص المنحرف جنسيا»، الذي يحقق دوافعه ومن ثم لا يحتاج على الأرجح إلى وسيلة وسيطة مثل الأسطورة لإشباع رغباته.
جاكوب أرلو
تغير الاتجاه السائد في التحليل النفسي كثيرا منذ ظهور كتاب رانك «أسطورة ميلاد البطل». ويرى المحللون النفسيون المعاصرون مثل الأمريكي جاكوب أرلو (1912-2004) أن الأسطورة تسهم في التطور الطبيعي للأشخاص، وليس في ترسيخ الاضطراب الانفعالي، وقد أرشدهم في هذه الرؤية تطور علم نفس الأنا، الذي وسع نطاق التحليل النفسي من الشخصية غير الطبيعية إلى الشخصية الطبيعية. وفي رأي هؤلاء، تساعد الأسطورة على النضج بدلا من البقاء طفلا، كما هي حال بيتر بان. وتحث الأسطورة على التكيف مع العالمين الاجتماعي والمادي بدلا من الهروب الطفولي منهما. وبينما لا تزال الأسطورة تعمل على إشباع رغبات الهو (ذلك الجزء من العقل الذي تنشأ منه الدوافع الغريزية)، فإنها تؤدي بصورة أكبر وظائف الأنا؛ الدفاع والتكيف، والأنا العليا؛ نكران الذات. إضافة إلى ذلك، تفيد الأسطورة الجميع من منظور أتباع فرويد المعاصرين، ولا تقتصر فقط على المضطربين انفعاليا. وباختصار، ينظر أولئك إلى الأسطورة بصورة إيجابية بدلا من النظر إليها بصورة سلبية مثل أتباع فرويد الكلاسيكيين. ونقلا عن أرلو:
يسهم التحليل النفسي إسهاما أكبر في مجال دراسة الميثولوجيا من [مجرد] إظهار الرغبات، من خلال الأساطير، التي تدور في تفكير المرضى اللاواعي. وتعتبر الأسطورة نوعا خاصا من الخبرة الجماعية، فتمثل شكلا خاصا من أشكال الخيال المشترك، كما تعمل على جذب الفرد لإقامة علاقات مع أعضاء جماعته الثقافية بناء على حاجات مشتركة بعينها. ومن ثم، يمكن دراسة الأسطورة من وجهة نظر وظيفتها في تحقيق التكامل النفسي، فيما يتعلق بكيفية أداء دورها في إبعاد مشاعر الذنب والقلق، وكيف تمثل وسيلة للتكيف مع الواقع ومع الجماعة التي يعيش الفرد بين أفرادها، وكيف تؤثر في تبلور الهوية الفردية وتشكيل الأنا العليا. (أرلو، «علم نفس الأنا ودراسة الميثولوجيا»، ص375)
وبينما تشبه الأساطير الأحلام في رأي أتباع فرويد الكلاسيكيين، فإنها لا تشبه الأحلام من منظور أتباعه المعاصرين. وفيما لا تزال الأحلام تعمل على إشباع الرغبات، فإن الأسطورة تعمل على إنكار الرغبات أو التسامي بها. ويرى أتباع فرويد الكلاسيكيون أن الأساطير تعد أحلاما عامة، غير أنها في منظور أتباعه المعاصرين تعمل على التآلف مع الآخرين «نظرا لأنها» عامة.
برونو بتلهايم
في كتابه الأكثر مبيعا، «استخدامات السحر»، يتفق المحلل الفرويدي المعروف برونو بتلهايم (1903-1990)، نمساوي المولد وأمريكي الإقامة، مع أرلو في كثير من أطروحاته، بيد أن كتابه يدور حول الحكايات الخرافية «وليس» حول الأساطير، التي يضعها في مقابل الحكايات الخرافية بطريقة مثيرة ويفسرها بطريقة فرويدية كلاسيكية. ويميل أتباع فرويد الكلاسيكيون إلى النظر إلى الأساطير والحكايات الخرافية باعتبارها متشابهة، مثلما يعتبرون الأساطير والأحلام متشابهة. وبينما يضع أتباع فرويد المعاصرون الأساطير في مقابل الحكايات الخرافية، فإنهم يفضلون الأساطير عنها، حيث يرون أن الأساطير تخدم الأنا أو الأنا العليا، بينما تخدم الحكايات الخرافية الهو. (ولا يستثنى من أتباع فرويد الكلاسيكيين في تشبيه الأساطير بالحكايات الخرافية إلا عالم الأنثروبولوجيا المجري جيزا روهيم [1891-1953]، الذي يضع الأساطير في مقابل الحكايات الخرافية، أو الحكايات الشعبية، بطريقة تنبئ عن أسلوب أرلو في مقاربته لاحقا.)
يفعل بتلهايم عكس ما يفعله أرلو تماما. فمما لا شك فيه أنه لا يعتبر الأساطير إشباعا للرغبات، غير أنه يكرر أطروحات أرلو، فيرى أن:
الأساطير عادة ما تقحم متطلبات الأنا العليا في صراع مع الأفعال التي يحركها جزء الهو، ومع رغبات الأنا لحفظ النفس. (بتلهايم، «استخدامات السحر»، ص37)
صفحة غير معروفة