216

خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر

الناشر

دار صادر

مكان النشر

بيروت

وَقد ذكره البديعي فِي ذكرى حبيب فَقَالَ فِي تَرْجَمته طَار صيت فَضله فِي الْبِلَاد وسرى كَلَامه مسرى الْأَرْوَاح فِي الأجساد وَمَا سفرت رقة النسيم إِلَّا عَن خلقه الْكَرِيم وَمن قَاس جود وَكَرمه بكعب وحاتم فقد ظلمه وَأما اللُّغَة فقد فصل مجملها وَفرق معضلها وانتقد جوهري نظره صِحَاح ألفاظها وَأظْهر بفائق فكره غلط حفاظها فالقاموس جدول كِتَابه والعباب سيف عبابه وَمن وقف فِي اللُّغَة على كِتَابه الفاخر علم مِنْهُ كم ترك الأول للْآخر كَمَا قَالَ هُوَ
(لَا تقل للأوائل الْفضل كم من ... أوّل فَضله نبا عَن أخير)
وَإِذا قرنت بَدَائِع نظمه ونثره بِكَلَام كل متقدّم من شعراء الشَّام إِلَى عصره كَانُوا المذانب وَهُوَ الْبَحْر وَالْكَوَاكِب وَهُوَ الْبَدْر هَذَا وكل إطناب فِي مدحه إيجاز وكل حَقِيقَة لَهُ من الْمَدْح فِي غير مجَاز ثمَّ ذكر ابْتِدَاء أمره كَمَا ذكرت وَأورد لَهُ شَيْئا كثيرا من شعره وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ من نَوَادِر الْأَيَّام وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة خمس وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي فِي شَوَّال سنة ثَلَاث وَخمسين وَألف وَدفن بمقبرة الفراديس وَكَانَ يَوْم مَوته ماطرًا جدا فَقَالَ الْأَمِير المنجكي يرثيه
(قلت لما قضى ابْن شاهين نحبا ... وَهُوَ مولى يُشِير كل إِلَيْهِ)
(رحم الله سيدًا وعزيزًا ... بَكت الأَرْض وَالسَّمَاء عَلَيْهِ)
أَحْمد بن شمس الدّين الصفوري الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي الْمَعْرُوف بالبيضاوي نزيل الْمدرسَة الحجازية بِدِمَشْق الْفَاضِل الْعَالم المؤرخ ولد بقرية صفورية وَقدم إِلَى دمشق وَهُوَ فِي سنّ الكهولة وَقَرَأَ على الشَّيْخ مُحَمَّد الْحِجَازِي وَولده عبد الْحق وخدمهما مُدَّة طَوِيلَة وَكَانَ منعزلًا عَن النَّاس منكفًا عَن مخالطتهم رَأْسا وَله تلامذة يأْتونَ إِلَيْهِ ويقتبسون مِنْهُ وَله ملكة فِي الْعُلُوم واطلاع زَائِد على علم التَّارِيخ والوقائع وَكتب كتبا كَثِيرَة بِخَطِّهِ وضبطها بضبطه وَلم يتَزَوَّج فِي عمره قطّ وَكَانَت وَفَاته بِدِمَشْق فِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بمقبرة الفراديس وَسبب مَوته أَنه كَانَ ممتحنًا بغلامين أَحدهمَا من أَبنَاء غوطة دمشق وَالْآخر من أَبنَاء دمشق وَقد أقرأهما الْعَرَبيَّة وَالْفِقْه وبرعا وَكَانَ الْغُلَام الأول لَهُ بعض أقَارِب فِي قريته فاتفق أَنهم زاروا قريبهم عِنْد صَاحب التَّرْجَمَة لَيْلَة دوران الْمحمل لأجل التفرج وَأَقَامُوا عِنْدهم إِلَى نصف اللَّيْل ثمَّ قَامُوا إِلَى الْبَيْضَاوِيّ والغلامين وهم نيام وقتلوهم وَأخذُوا جَمِيع مَا كَانَ فِي الْمَكَان من مَال وَكتب وَأَسْبَاب وقفلوا الْبَاب وَسَارُوا وَلم يشْعر

1 / 217