لا يمتدح الرجل بأكبر من نسبة القوة إليه كيفما كان مذهبه في تفسيرها، ولا يعير بأكثر من اتهامه بالضعف كيفما كان مذهبه في تفسيره، والرجل يشتد حنقه للاعتداء على عرض؛ لأنه دليل على استضعافه ووهن جانبه، فقد كان الرجل يحمي النساء من قديم الزمن؛ لأنه أقوى منهن، وكان المنتصر في عهد القبائل لا يعتز بقوته ويؤيد ظفره وتمام غلبته بأقهر من سبي نساء القبيلة المغلوبة، وقد كان النساء يعجبن بالرجل بقدر حظه من الصفات اللازمة لحمايتهن كالنخوة والبسالة والفروسية والبطش والقوة، فكان ميل المرأة إلى غير رجلها أو إغواء امرأة في حوزة رجل اتهاما له في ذات رجوليته؛ ولذلك تشتد الغيرة على العرض في الأقوام الذين تنحصر صفات الرجولية بينهم في هذه المزايا الجسدانية، ولذلك أيضا كانت الأم أكثر إغضاء عن زلة فتاتها من أبيها، وبعض قبائل البجاة تغض عن المعتدي على عرضها متى خرج من غير باب الخص؛ لأنهم يعتبرون ذلك إقرارا منه بالعجز عن مواجهتهم بالعدوان.
ثمرات اليراع
ألا لا تعدن اليراعة آلة
تسوق لك الرزق الذي بت راجيا
يراع الفتى عود تعرى لحاؤه
ولا يثمر العود الذي عاد عاريا
منظر على غير مرسح
كان صاحب هذه اليوميات في فندق (كتراكت) بأسوان حينما شاهد المنظر المحكي في هذه القطعة: نزلت بذلك الفندق بين السائحات في الشتاء الماضي فتاة كانت موضع إعجاب كل من رآها، وامتازت بشعرها الضافي الطويل على غير المألوف في نساء الغرب، وكأنها أرادت أن تداعب عشاق جمالها الكثيرين، فبرزت يوما في شرفة غرفتها بإزار النوم وهي تمشط شعرها وقد جلل ظهرها وجانبا من صدرها، ونادت بالغلام فأعطته مظلة تظاهرت كأنها تريد أن توصلها إلى أمها، وأشارت له إلى سيدة في ردهة الفندق، فجعل الغلام يغدو ويروح ويعرض المظلة على سيدة بعد أخرى وهو ناظر إلى جهتها وهي تشير إليه، فاستلفتت هذه الحركة إليها الجالسين، فما كادت تتحول إليها أنظارهم حتى انفتلت إلى داخل الغرفة وأومأت إليهم برأسها من وراء الستار كما يفعل الممثلون، وتركتهم يضحكون ويصفقون كأنهم يستعيدون هذا المنظر الشائق:
أشرقت من جوانب القصر كالزه
رة لاحت من جانب الأفق سرا
صفحة غير معروفة