37

خلاصة المختصر ونقاوة المعتصر

محقق

أمجد رشيد محمد علي

الناشر

دار المنهاج

الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٢٨ هجري

مكان النشر

جدة

ثم ذكر رضي الله عنه ورحمه أنه خرج عن عزلته وخلوته إلى نفع الناس وإرشادهم ؛ لما رأى من ضعف إيمان أصناف الخلق لأسباب كثيرة ، فقال بعد كلام طويل : ( فشاورت في ذلك جماعة من أرباب القلوب والمشاهدات ، فاتفقوا على الإشارة بترك العزلة والخروج من الزاوية ، وانضاف إلى ذلك منامات من الصالحين كثيرة متواترة تشهد بأن هذه الحركة مبدأ خیر ورشد قدرها الله سبحانه على رأس هذه المئة ، فاستحكم الرجاء ، وغلب حسن الظن بسبب هذه الشهادات ، وقد وعد الله سبحانه بإحياء دينه على رأس كل مئة ، ويسر الله الحركة إلى نيسابور للقيام بهذا المهم في ذي القعدة سنة تسع وتسعين وأربع مئة ، وكان الخروج من بغداد سنة ثمانٍ وثمانين وأربع مئة ، وبلغت العزلة إحدى عشرة سنة)(١).

قال الفارسي بعد سرد رحلاته وعلو علمه وجاهه : ( وتفكر في العاقبة ، وما يجدي وما ينفع في الآخرة ، فابتدأ بصحبة الفارَمَذي(٢) وأخذ عنه استفتاحَ الطريق ، وامتثل ما كان يشير به عليه من القيام بوظائف العبادات ، والإمعان في النوافل ، واستدامة الأذكار ، والجد والاجتهاد ؛ طلباً للنجاة ، إلى أن جاز تلك العقبات وتكلف تلك المشاق ) اهـ(٣)

ثم رجع بعد ذلك إلى بغداد وعقد بها مجلسَ الوعظ ، وحدّث بكتاب ((الإحياء))، ثم عاد إلى خُراسان ودرّس بالمدرسة النظامية(٤) ، ثم رجع إلى طوس ، واتخذ مدرسةً للفقهاء وخانقاه للصوفية بجانب داره ، ووزع أوقاته على وظائف من ختم القرآن ومجالسة أرباب القلوب ، والتدريس لطلبة العلم ، وإدامة الصلاة والصيام وسائر العبادات ، وكان في آخر أمره مقبلاً على حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم ومجالسة أهله ، ومطالعة (( الصحيحين)).

فكان هذا حاله رضي الله تعالى عنه إلى أن انتقل إلى رحمة ربه تعالى ورضوانه.

(١) المرجع السابق ( ص ٧٦ - ٨١ ).
(٢) ستأتي ترجمته في شيوخ الغزالي .
(٣) الطبقات الكبرى (٢٠٩/٦) .
(٤) اسم المدرسة التي بخراسان ، منسوبة إلى بانيها الوزير نظام الملك آنف الذكر.

37