وأشار إلى الندماء، أن ينظموا، على أسلوبه، ففعلوا واحدًا بعد واحد إلى أن انتهت النوبة إلى شريف في البين، فقال:
أشهى إلى النفس من الخبز
فأمر الصاحب: أن تقدم له مائدة (١):
ويفهم من هذه القصة أن الشاعر لم يشبه العالم بالخبز، إلا لأنه يريد خبزًا، فأظهر مطلوبه بذلك التشبيه المقلوب، ولهذا سمى الخطيب هذا الغرض: إظهار المطلوب.
٣ - التجريد:
لعل أول من عقد للتجريد بابًا: هو أبو الفتح ابن جنى "في الخصائص (٢)،؛ فقد ذكر فيه أنه فصل من فصول العربية طريف، وأن أبا علي الفارسي ﵀ كان مولعًا به؛ ولكنه لم يفرد له بابًا. وأنه استطاع أن يستشف معناه من خلال ألفاظ أبي علي؛ وأن معناه - عند أبي علي - هو: "أن العرب قد تعتقد في الشيء من نفسه معنى آخر؛ كأنه حقيقته ومحصوله؛ وقد يجري ذلك إلى ألفاظها لما عقدت عليه معانيها، وذلك نحو قولهم: لئن لقيت زيدًا، لتلقين منه الأسد. ولئن سألته لتسألن منه البحر، فظاهر هذا: أن فيه من نفسه أسدًا وبحرًا، وهو عينه الأسد، والبحر، لا أن هناك شيئًا منفصلًا عنه، وممتازًا منه.
وعلى هذا جاءت مخاطبة الإنسان نفسه حتى كأنها تقاوله أو تخاطبه: