جنبا إلى جنب مع المختصرين القديمين
Mrs (مسز أي السيدة)، و
Miss (مس أي الآنسة)، باعتبارها بدائل يمكن الاختيار من بينها. وهكذا يصبح اختيار «مز» «فعلا سياسيا» بمعنى أنه قد يؤدي في معظم المجالات إلى تهميش صاحبته. والصراع حول هذه الأشكال مستمر، وعلى الرغم من أن إضفاء الديمقراطية على الممارسات الخطابية المتعلقة بالجنسين عملية أبعد ما تكون عن السلاسة والتعميم، فإن عدم التناظر بين الجنسين في الخطاب قد سلب وضعه الطبيعي وأصبح إشكالية ذات نطاق لا يستهان به. (2) التسليع
التسليع يعني أن بعض المجالات والمؤسسات الاجتماعية التي لا تعمل بإنتاج سلع بالمعنى الاقتصادي الضيق للبضائع المعدة للبيع، تخضع رغم ذلك لتنظيمها وتصويرها في إطار إنتاج السلع وتوزيعها واستهلاكها. ولم يعد من المستغرب، على سبيل المثال، أن نسمع أن بعض القطاعات الفنية والتعليمية، مثل المسرح وتعليم اللغة الإنجليزية يشار إليها باسم «الصناعات» التي تعمل بإنتاج وتسويق وبيع سلع ثقافية أو تعليمية إلى «عملائها» أو «مستهلكيها»، وليس التسليع عملية جديدة بالمعنى المفهوم، ولكنها اكتسبت أخيرا قوة وكثافة جديدتين باعتبارها جانبا من جوانب «ثقافة المبادرة (والهمة التجارية)» (كيت وأبركرومبي، 1990م)، وقد أشار ماركس نفسه إلى تأثير التسليع في اللغة، فالإشارة إلى الأشخاص باعتبارهم «الأيدي العاملة» في السياقات الصناعية، على سبيل المثال، جزء من النظر إليهم بصفتهم سلعا مفيدة في إنتاج سلع أخرى، أي باعتبارهم قوة عمل مجسدة. أما من حيث نظم الخطاب فلنا أن نتصور أن التسليع استعمار لنظم الخطاب المؤسسية، وللنظام المجتمعي للخطاب بصفة أعم، من جانب أنماط خطابية مرتبطة بإنتاج السلع، وسوف أشير إلى نماذج من التعليم والخطاب التعليمي.
ومن معالم الخطاب التعليمي المعاصر المنتشرة على نطاق واسع معاملة المناهج أو البرامج الدراسية باعتبارها سلعا أو منتجات يجري تسويقها على الزبائن، والمقتطف الذي استعملته في الفصل السادس مثال لهذا النمط:
عادة ما يكون منتج الإعداد المهني برنامجا، ومن ثم فإن تصميمه وتنفيذه عناصر رئيسية في عملية التسويق، ويجب أن تتمثل نقطة انطلاقه في احتياجات الذين يمكن أن يصبحوا زبائن وعملاء له والفوائد التي ينشدونها (وحدة التعليم المستمر، 1987م، 51).
والرسالة الموجهة إلى مصممي البرامج والمعلمين صورة تطبيقية مفصلة للقاعدة التسويقية التي تقول: «قدم إلى الزبائن ما يريدون»، وأمثال هذه الصياغات تتسبب في النقل المجازي لمفردات السلع والأسواق إلى نظام الخطاب التعليمي، ولكن الاستعارة في بريطانيا المعاصرة ليست مجرد زخرفة بلاغية، بل إنها البعد الخطابي لمحاولة إعادة هيكلة الممارسات التعليمية استنادا إلى النموذج السوقي، وقد تكون لها (كما يتضح من هذا المقتطف) آثار ملموسة في تصميم المناهج وتدريسها، وفي الجهد والأموال المبذولة في التسويق، وهلم جرا.
ولكن الخطاب التعليمي «المسلع» عادة ما يتضمن من التناقض الذاتي قدرا أكبر مما يوحي به هذا الكلام. ونحن نجد لمحة من هذا التناقض في الجمع بين «الزبائن» و«العملاء» في المقتطف الوارد أعلاه، وهو ما يشي بغموض واسع الانتشار حول من سوف تباع لهم السلع التعليمية أو «الحزم» المغلفة المشار إليها. تراها سوف تباع إلى طالب العلم أم إلى الشركات التي يعمل فيها طلاب العلم حاليا؟ أو ربما التحقوا بالعمل بها في المستقبل؟ هذه الشركات يمكن اعتبارها فعلا «عملاء» بالمعنى المباشر الذي يفيد تحمل نفقات الدورة التدريبية للمتعلم، ومن ثم فإن الصورة المبنية لطلاب العلم صورة متناقضة، إذ يرسم لهم من ناحية دور إيجابي، أي دور الزبون الفطن، أو الزبون الذي يدرك ما «يحتاج» إليه ويتمتع بالقدرة على اختيار المناهج التي تفي باحتياجاته، ويرسم لهم من ناحية أخرى دور سلبي، وهو كون أمثالهم عناصر أو أدوات في عمليات الإنتاج (وهو ما يشبه تعبير «الأيدي العاملة» في مثال ماركس) إذ يستهدفون للتدريب على اكتساب «مهارات» أو «قدرات» معينة، من خلال مناهج ترمي إلى تحقيق «أهداف تحصيل» محددة، تصل إلى ذروتها برسم صور للدارسين، وجميعها يتخذ صورة مهارات مخصصة ومحددة بدقة. لقد انتشر اليوم هذا الإطار وانتشرت هذه المصطلحات على نطاق واسع، خصوصا في التعليم السابق للتدريب المهني، ولكن هذه تستخدم أيضا، على سبيل المثال، في «تقرير كوكس» عن تعليم الإنجليزية في المدارس (وزارة التعليم والعلوم 1989م). والوجود المتزامن للصورتين السلبية والإيجابية للدارس تسهل التلاعب بالأشخاص من خلال التعليم، وذلك بأن تكتسي مظهرا يمكن وصفه بأنه نبرات الحديث الفردية والاستهلاكية.
والخطاب التعليمي المسلع تسوده المفردات الخاصة بالمهارات، وهي لا تقتصر على كلمة «المهارة» وحسب، والكلمات المتصلة بها مثل «المقدرة» و«الكفاءة»، بل صياغة كاملة لعمليات التعلم والتعليم القائمة على مفاهيم المهارة، والتدريب على اكتساب المهارات، واستخدام المهارات، ونقل المهارات وهلم جرا (انظر كتاب فيركلف «تحت الطبع»، ب). ويعتبر مفهوم المهارة عاملا مهما في تمكين الصورتين المتناقضتين للمتعلم من التعايش دون عدم اتساق ظاهر؛ لأن المفهوم يتفق فيما يبدو مع النظرة الفردية والذاتية للتعلم، وفي الوقت نفسه مع النظرة الموضوعية للتدريب. ويتجلى هذا الازدواج الدلالي في تاريخ المفهوم داخل الخطاب التعليمي المحافظ المنتمي إلى المذهب الإنساني الليبرالي، وفي التاريخ الدلالي لكلمة «المهارة» نفسها. فمفهوم المهارة تترتب عليه من ناحية معينة معان فردية إيجابية؛ فالمهارات صفات عالية القيمة في الأفراد، ويختلف الأفراد في أنماط مهاراتهم ودرجاتها، ويتمتع كل فرد بحرية تشذيب مهاراته أو إضافة مهارات جديدة إلى ما لديه (وأقول بالمناسبة: إن هذا المفهوم ديمقراطي أيضا، مما يعني أن كل فرد لديه طاقة على التعلم والتطور بشرط واحد، وهو حصوله على التدريب)، ويترتب على مفهوم المهارة من ناحية أخرى دلالات معيارية سلبية موضوعية؛ فجميع الأفراد يكتسبون بعض العناصر من مخزون اجتماعي مشترك من المهارات، من خلال إجراءات تدريب معيارية، كما إنه من المفترض إمكان نقل المهارات عبر مختلف السياقات والمناسبات والمستخدمين لها بأسلوب لا يكاد يتيح للطابع الفردي مساحة تذكر.
والمفردات الخاصة بالمهارة ذات أصول عريقة مبجلة في علم اللغة واللغويات التطبيقية، حيث تشيع الفكرة التي تقول إن استعمال اللغة يقوم على أسس مجموعات من «المهارات اللغوية» (مهارات الكتابة والقراءة والكلام والاستماع)، وتساعد هذه الصيغة على تسليع مضمون تعليم اللغات، بمعنى أنها تيسر تقسيمها إلى وحدات منفصلة، بحيث يمكن تدريس كل منها على انفراد وتقييم نتائجه، كما يمكن أن تباع وتشترى باعتبارها بضائع متميزة داخل الإطار المتنوع للسلع المتاحة في سوق التعليم. ولا تقتصر هذه الوحدات على كونها فئات المهارات الرئيسية الخاصة بالكتابة والقراءة والكلام والاستماع، بل إنها تمثل أيضا أجزاء مخصصة من كل مهارة. فمهارات الكلام يمكن تقسيمها إلى تقديم المعلومات، والتعبير عن الرأي، والمشاركة في مناقشة جماعية، ومن الممكن تقسيم كل جزء من هذه الأجزاء إلى أقسام فرعية، وهلم جرا (انظر مثلا قائمة مهارات الاتصال الخاصة بمشروع تدريب الشباب في وحدة التعليم المستمر، 1987م، 38). ومن شأن هذا، وفقا للجانب الذي يجري تأكيده من بين الجوانب المتناقضة للدارس، تسهيل أحد أمرين؛ إما التحديد الدقيق لجوانب النقص وتصحيحها، وإما تقديم ما يلزم لتلبية احتياجات المستهلك بأكبر قدر ممكن من التخصيص. وصياغة تعليم اللغة بمفردات المهارات تعني أيضا استنادها إلى نظرة معيارية (إلى حد كبير) إلى اللغة باعتبارها مجموعة من الممارسات المحددة (على نحو ما أقيم عليه الحجة في كتابي المقبل «ب»).
صفحة غير معروفة