وتشمل تحليلات التغيير في الفصول 4-7 شتى المجالات والمؤسسات، إلى جانب عينات تفصيلية من الخطاب. ومن القضايا المثارة في الفصل الرابع قضية الأسلوب الذي تتبعه أجهزة الإعلام في تغيير الحد الفاصل بين المجالين العام والخاص للحياة الاجتماعية، ولا يقتصر ذلك على مادة الخطاب الإعلامي، مثل تناول بعض جوانب الحياة الخاصة باعتبارها أخبارا (جماهيرية)، بل يتجلى أيضا على مستوى التناص من خلال مزج الممارسات الخطابية للمجال الخاص بالممارسات الخطابية في المجال العام، ومن نتائج هذا أن بعض الأجهزة الإعلامية تستخدم صورا نمطية من الكلام الشائع. ومن القضايا الأخرى قضية الضغط الذي تتعرض له المرافق الخدمية حتى تعامل خدماتها باعتبارها سلعا، والمستفيدين بها باعتبارهم مستهلكين، وهو ما يتضح في الممارسات الخطابية الخاصة بتقديم المعلومات والإعلانات. وأنا أناقش في الفصل الخامس بعض صور التغيير في الهويات الاجتماعية للعاملين المهنيين وعملائهم، وفي طبيعة التفاعل بينهم، مركزا على الأطباء والمرضى. وأنا أقول: إن ضروب التغير في الهوية والعلاقة بين الطبيب والمريض تتحقق على مستوى الخطاب في الابتعاد عن المقابلات الطبية الرسمية والاقتراب من جلسات إسداء المشورة القائمة على المحادثة، وهي التي قد تتضمن الممارسات الخطابية لتقديم المشورة وإدراجها في نظم الطب التقليدية. ويتضمن الفصل السادس عينات من كتيبين عن رعاية الحوامل، وهي تمثل صورا متضادة للتعامل مع الحوامل، وأناقش بعد ذلك «هندسة» التغير الدلالي في إطار محاولة إحداث تغير ثقافي، مشيرا بصفة خاصة إلى الخطب التي ألقاها أحد الوزراء في حكومة تاتشر حول التسليع ومزج تقديم المعلومات بالإعلان، وكان يتناول في هذه الحالة قضية التعليم، ضاربا المثل بإحدى اللوائح الجامعية.
ومن أهداف هذا الكتاب إقناع القراء أن تحليل الخطاب عمل ممتع لمن يقوم به، وتوفير الموارد التي يحتاجونها للقيام به. وهكذا فإن الفصل الأخير في الكتاب، الفصل الثامن، يجمع أطراف المادة التي سبق عرضها في الفصول 3-7 في شكل مجموعة من الخطوط الإرشادية اللازمة للقيام بتحليل الخطاب. وتتناول هذه الإرشادات جمع النصوص وكتابتها وتشفيرها، واستعمال النتائج والتحليل أيضا.
الفصل الأول
مداخل تحليل الخطاب
هدفي في هذا الفصل أن أصف بإيجاز عددا من المداخل المطبقة في الآونة الأخيرة وحاليا في تحليل الخطاب، باعتبار ذلك سياقا وأساسا لتفصيل القول في مدخلي في الفصول 3-8، لقد أصبح تحليل الخطاب اليوم مجالا دراسيا بالغ التنوع، حيث نجد مداخل منوعة في كل مبحث من عدد من المباحث (وبعض جوانب هذا التنوع مذكورة في فان دييك، 1985م، أ)، وهكذا فإن استقصاء المداخل في هذا الفصل يقوم بالضرورة على الاختيار؛ إذ اخترت عددا من المداخل التي تجمع، إلى حد ما، بين التحليل الدقيق للنصوص اللغوية وبين التوجه الاجتماعي للخطاب، ويتفق هذا مع هدفي في الفصول اللاحقة لتحقيق جمع فعال ويقبل التطبيق بين التحليل النصي وطرائق التحليل الاجتماعي الأخرى، كما أنني تعاملت مع المداخل بصورة انتقائية، مركزا على جوانبها التي تقترب أكثر من غيرها من أولوياتي في هذا الكتاب.
ومن الممكن تقسيم المداخل المستقصاة إلى مجموعتين وفقا لطبيعة توجهها الاجتماعي إلى الخطاب، مميزا بين «المداخل غير النقدية» والمداخل «النقدية»، ولكن مثل هذا التقسيم ليس مطلقا، فالمداخل النقدية تختلف عن المداخل غير النقدية في أنها لا تقتصر على وصف الممارسات الخطابية، بل تبين أيضا كيف يتشكل الخطاب بفعل علاقات السلطة والأيديولوجيات، والآثار البناءة للخطاب في الهويات الاجتماعية، والعلاقات الاجتماعية، ونظم المعرفة والعقيدة، وإن لم يكن أيهما واضحا في العادة للمشاركين في الخطاب. فأما المداخل التي وصفتها بأنها غير نقدية أساسا فتتضمن الإطار اللازم لوصف خطاب قاعة الدرس عند سنكلير وكولتارد (1975م)؛ والعمل «الإثنومنهجي» في مجال «تحليل المحادثة»؛ ونموذج الخطاب العلاجي عند لابوف وفانشيل (1977م)، إلى جانب مدخل حديث لتحليل الخطاب، وضعه باحثان في علم النفس الاجتماعي هما بوتر ووذريل (1987م)، وأما المداخل النقدية التي أدرجتها فهي: «اللغويات النقدية» عند فاولر وآخرين (1979م) والمدخل الفرنسي لتحليل الخطاب الذي بناه بيشوه على أساس نظرية الأيديولوجيا عند ألتوسير (بيشوه، 1982م). ويختتم الفصل بملخص للقضايا الرئيسية في تحليل الخطاب، وهي المستخلصة من هذا الاستقصاء، والتي سوف تمثل نقطة انطلاق إلى عرض مدخلي الخاص في الفصل الثالث. (1) سينكلير وكولتارد
عمل سنكلير وكولتارد (1975م) وكذلك كولتارد (1977م) على وضع نظام وصفي عام لتحليل الخطاب، ولكنهما قررا التركيز على قاعة الدرس؛ لأنها حالة ثابتة الشكل، ومن المحتمل أن تخضع ممارسة الخطاب فيها لقواعد واضحة، ويقوم نظامهما الوصفي على وحدات يفترض أن ترتبط فيما بينها بالعلاقة نفسها مثل الوحدات في الأشكال المبكرة للنحو المنهجي (هاليداي، 1961م): والوحدات مرتبة بمعيار طبقي، بمعنى أن الوحدات الأعلى طبقة تتكون من الوحدات في الطبقة الأدنى، وهكذا، ففي النحو، تتكون الجملة من عبارات، وهي تتكون من مجموعات، وهلم جرا. وعلى غرار ذلك نجد أن خطاب قاعة الدرس يتكون من خمس وحدات ذات طبقات تنازلية - الدرس، والتعامل، والتبادل، والخطوة، والفعل - بمعنى أن الدرس يتكون من تعاملات، تتكون كل منها من مبادلات، وهلم جرا.
ولا يكاد سنكلير وكولتارد يذكران شيئا عن «الدرس»، ولكنهما يقولان بأن «التعامل» ذو بناء واضح، فالتعاملات تتكون من مبادلات، وهي تفتح وتغلق بما يسميانه «مبادلات الحدود» التي تتكون على الأقل من «خطوات إطارية»، إلى جانب خطوات أخرى أو من دونها، فعلى سبيل المثال يقول المعلم: «والآن، قلت في نفسي فلنعمل اليوم على حل ألغاز ثلاثة»، وهذه الجملة تتضمن خطوة إطارية («والآن») وخطوة «تركيزية» تقول للتلاميذ موضوع التعامل المتوقع. وعادة ما تقع بين مبادلات الحدود سلسلة من المبادلات «الإخبارية» أو «التوجيهية» أو «الرامية إلى تلقي المعلومات»، وفي هذه السلسلة تقع مقولات وطلبات (أو أوامر) على الترتيب، وتطرح الأسئلة، عادة، من جانب المعلم.
فلننظر في بناء نمط من أنماط المبادلة، وهي المبادلة الرامية إلى تلقي المعلومات، وتتكون في العادة من ثلاث خطوات: «البداية» و«الرد» و«رد الفعل». مثلا:
المعلم :
صفحة غير معروفة