11

خلاف الأمة في العبادات ومذهب أهل السنة والجماعة

محقق

عثمان جمعة خيرية

الناشر

دار الفاروق

سنة النشر

١٤١٠ هجري

مكان النشر

الطائف

رزقٍ وما أريد أن يُطْعِمُونِ. إن الله هو الرزّاق ذو القوةِ المتينَ﴾. [سورة الذاريات، الآيات : ٥٦-٥٨] .

وبهذا النفي في أول الآية الكريمة والاستثناءِ في آخرها يحصرُ الله تعالى مهمة الإِنس والجن ويقصرُها على وظيفة واحدة ومسؤولية واحدة هي عبادة الله تعالى وحده ، فليس لهم وراء ذلك وظيفة أو غاية ، وما ينبغي أن يكون !

فكيف يستطيع الإنسان أن يكون دائماً في عبادة الله تعالى ، فلا تنقضي لحظة من لحظات حياته - بعد التكليف - إلا وهو في عبادة ؟ وكيف يستطيع أن يقوم بهذا التكليف الرباني ؟

* هنا نجد أنفسنا أمام فهم صحيح للعبادة كما أرادها الله تعالى ، لا تقتصر على ركعات خاشعة يؤديها المسلم خمس مرات في اليوم والليلة، ولا على أيام من العام يصومها المسلم طاعة لله سبحانه ، ولا على جزء من المال يدفعه زكاة يطهّر به نفسه وماله ، ولا على حج البيت الحرام عند الاستطاعة . فإن هذه العبادات كلَّها لا تستغرق من حياة الإِنسان إلا جزءاً يسيراً ، فهل يترك سائر أيام حياته وساعاتها دون عبادة ، فيخالف - عندئذ - أمر الله تعالى، وهو سبحانه لم يخلقه إلا للعبادة ؟

إن المسلم يستطيع أن يجعل حياته كلها في الساعات الأربع والعشرين في اليوم والليلة عبادةٌ لله تعالى وحده ، إذ أن الإِسلام قد أسبغ على جميع أعمال الإِنسان صفة العبادة إذا قصد بهذه الأعمال وجه الله ومرضاته ، وقام بها على الوجه المشروع الموافق للسنة ، وكانت في سبيل تحقيق أهدافها المقصودة المشروعة . فالزارع والصانع والتاجر ، والطبيب والمهندس والعامل ، والموظف ، والمعلم والتلميذ .. وغيرهم من أصحاب الأعمال تعتبر أعمالهم عبادة إذا قصد بها كلّ منهم نَفْعَ عباد الله ، والاستغناء عن الحاجة إلى الناس ، وإعالة العيال ، تحقيقاً لأمر الله سبحانه وتعالى وخضوعاً له ، والتزاماً وتحقيقاً لمقاصد الشريعة التي أنزلها الله تعالى لمصالح الناس ، وليقوموا جميعاً بالحق والقسط .

11