كلمة اللجنة التيمورية
الأسرة التيمورية ومكانتها في العلم والأدب والمعرفة
خيال الظل
التماثيل والصور عند العرب
كلمة اللجنة التيمورية
الأسرة التيمورية ومكانتها في العلم والأدب والمعرفة
خيال الظل
التماثيل والصور عند العرب
خيال الظل واللعب والتماثيل المصورة عند العرب
خيال الظل واللعب والتماثيل المصورة عند العرب
تأليف
أحمد تيمور باشا
العلامة المحقق المغفور له أحمد تيمور باشا.
المغفور له إسماعيل تيمور باشا.
القصصي المشهور والأديب الكبير المغفور له المرحوم محمد تيمور بك.
الكاتب المتفنن والقصصي العصري والأديب الكبير الأستاذ محمود تيمور (عضو مجمع اللغة العربية).
كلمة اللجنة التيمورية
خيال الظل واللعب والتماثيل المصورة عند العرب
كان الجانب الأكبر من حياة المغفور له العلامة «أحمد تيمور باشا» وقفا على البحث والمطالعة، والتنقيب عن كنوز المخطوطات النفيسة في اللغة والأدب والتاريخ وعلوم العرب وفنونهم المختلفة، ثم العناية بتنقيتها من شوائب النسخ والتحريف والتصحيف، والعكوف على صقلها وتجليتها مرتبة منسقة، بدقة العالم وفطنته وأمانته، وألمعية الأديب وحساسيته وقدرته على إتقان عرض فكرته.
من أجل ذلك كان نشر «المؤلفات التيمورية» رسالة من أعلى الرسالات وأنفعها للمكتبة العربية الحديثة، ولا تزال الكتب التي نشرتها اللجنة المضطلعة بهذه الرسالة موضع الرعاية الكريمة والعناية العظيمة من أكابر العلماء والأدباء، وجمهرة المثقفين وهواة الاطلاع. •••
وهذا كتاب تيموري جديد تضيفه اللجنة - ولها أن تفخر - إلى ما أخرجت للناس من فيض إنتاج ذلك العلامة الفذ وذخائره الممتازة، لقومه الناطقين بالضاد.
ومن حق التاريخ على اللجنة، ومن حق العلامة المؤلف عليها كذلك أن تصرح لقراء هذا الكتاب بأنه من بين المؤلفات التيمورية العديدة قد امتاز بأنه لم يعد ابتداء ليكون كتابا بالمعنى المفهوم للكتاب، ولكنه بحوث متفرقة للمؤلف، أعد كل بحث منها وسجله بخطه على حدة، أو ضمن تعليقاته وحواشيه على صفحات المؤلفات التي ضمتها مكتبته الحافلة، ونشر في حياته بعض هذه البحوث في كبريات المجلات العلمية والأدبية المشهورة في عصره، فجاءت اللجنة فجمعتها وألفت ما بينها، فإذا هي بعد ذلك ليست كتابا واحدا فحسب، ولكنها كتب كثيرة في كتاب! •••
وأول هذه الكتب كتاب «خيال الظل»، فيه يتحدث المؤلف البحاثة الخبير عن «صفة اللعب بالخيال»، ويذكر المراجع القديمة والحديثة التي ذكرته وعرفت به وأرخت له، ويسجل طرائف مما قيل فيه، وفي لاعبيه، ومحبيه، ثم يسجل ملخصات دقيقة وافية لاثنتي عشرة قصة من قصصه الرائعة منذ أول العهد بخيال الظل بين الفنون المستحدثة إلى العهد الذي لخصها فيه.
وهذه القصص الاثنتا عشرة كل منها قصة ولعبة، فبأيتهما شئت سمها، وهي لعبة علم وتعادير، ولعبة التمساح، ولعبة أبي جعفر، والشوني، والأولاني، والحجية، والحمام، ولعبة التياترو، والقهوة، والشيخ سميسم، ولعبة العجائب، وحرب السودان.
وقد رسم المؤلف الكبير أهم الخطوط الرئيسية لمشاهد كل قصة، وأهدافها ومراميها، ولأبطالها ذكورا وإناثا، وما يدور فيها على الألسن المختلفة اللهجات من عظات بينات، ونقدات وملاحظات، ومضحكات ومبكيات.
أليس في بعض هذا كله ما يصلح لأن يكون كتابا وأي كتاب؟! •••
وفي بحث آخر للمؤلف تقرأ تاريخا وافيا دقيقا، وتسجيلا جليلا للعب أخر، كانت ممارستها من العادات المرعية عند العرب في جاهليتهم وبعدها، كهولا وشبابا، بنين وبنات.
ومع هذا البحث الفريد المفيد ملحقات عن التماثيل والصور التي اتخذها العرب للعبادة، أو اللهو، أو لتزيين ما شيدوا من قصور، وما أعدوا من مجالس للسماع والاستمتاع بما آل إليهم من نعيم دنيوي عظيم.
وتتوالى الملحقات ببحث الصور والتماثيل، فملحق عن التماثيل الجماعية، وآخر عن التماثيل الفردية، وثالث لتماثيل الزهور، أو الحيوانات الخيالية، أو الطيور المغردة، ورابع عن عجائب الحيل الهندسية، وخامس عن المصنوعات السحرية ... إلى ملحقات كثيرة طريفة أخرى عن غرائب التحف والأدوات والآلات المهداة إلى ملوك العرب الأولين، ثم إلى الخلفاء الأمويين والعباسيين والفاطميين، وحكام الأندلس فردوس العرب المفقود!
وكل ملحق من هذه الملحقات المفيدة كتاب! •••
وقد تفضل العالم الأديب الفنان الدكتور حسين فوزي، الوكيل الدائم لوزارة الإرشاد القومي، فراجع أصول هذا المؤلف التيموري الجديد، لتحقيق الغاية السامية التي قصد إليها مؤلفه؛ من تسجيل لآثار العرب، وإشادة بما بلغت حضارتهم من تقدم وازدهار.
ولئن كانت لجنة نشر المؤلفات التيمورية قد سرها وأعجز شكرها ما أسبغ على رسالتها من عطف وتأييد، فليس من شك في أن قراء هذا الكتاب في مصر والأقطار العربية كلها أجدر بتقدير هذا الفضل، وأقدر على شكر هذا الصنيع الجميل الجليل.
وقد رأت اللجنة أن تقدم بين يدي الكتاب بموجز عن تاريخ الأسرة التيمورية، والنابغين النابهين من أبنائها، وفي مقدمتهم مؤلف الكتاب وأنجاله الكرام.
وإن اللجنة ليسرها أن تعرب عن شكرها الصادق العميق لكل من تفضلوا بمشاركتها في أداء رسالتها، ضارعة إلى الله العلي القدير أن يجزل مثوبتهم.
عن اللجنة
عبد السلام شهاب
الأسرة التيمورية ومكانتها في العلم والأدب والمعرفة
قل في النابهين الممتازين من رجالات مصر في عصرها الحديث من اكتمل له - بجانب سجاياه الذاتية الحميدة، وتبريزه في مختلف الميادين العلمية والأدبية والاجتماعية - مثل ما اتفق للعالم الأديب العظيم المغفور له «أحمد تيمور باشا» مؤلف هذا الكتاب؛ من الانتماء إلى أصول عريقة زكية، خالدة بأمجاد الآباء والأجداد، ومن فروع طيبة تنتمي إليه، وكانت خير خلف لخير سلف، وبها وعلى هدى إنتاجها الغزير اتصلت طرائق مجد الأسرة التيمورية، طارفها وتليدها، وامتدت إلى ما شاء الله من غايات ساميات بعد غايات ساميات!
كان أول عهد الأسرة بمصر، وعهد مصر بها، حينما أقبل عميدها الأول «إسماعيل تيمور» فيمن أقبلوا من تركيا إلى مصر مع محمد علي، لرأب ما انصدع من الحكم العثماني في مصر، ووضع حد لمطامع المماليك ومؤامراتهم الدموية المتواصلة للاستئثار بالحكم والسلطان.
ولئن كان «محمد علي» قد استطاع أن يثب بمكانته من جندي في جيش السلطان العثماني إلى منصب «والي مصر» بإرادة شعبها، ثم استهوته شياطين الأثرة والسيطرة وحب الذات فكفر بأنعم الشعب المصري، وأعلن نفسه وأفراد أسرته من بعده ملوكا جبارين، يسخرون الشعب في تثبيت دعائم سلطانهم، ويستأثرون من دونه بخيرات البلاد؛ فقد حرص «إسماعيل تيمور» على أن يختط لنفسه وأسرته خطة أسمى وأنبل، وأبقى أثرا ونفعا، فأبى بعد أن بلغ مرتبة القيادة في الجيش أن يجرد سيفه في غير ما يطمئن إليه قلبه وضميره، واكتفى من سلطان الحكم بتولي بعض المناصب الإدارية في الأقاليم، حيث كان مثلا يذكر فيشكر للحاكم العادل القدير.
صورة تذكارية من أيام الصبا للعلامة المحقق المغفور له أحمد تيمور باشا وأنجاله إسماعيل ومحمد ومحمود.
وكذلك كان شأنه في منصب رياسة الديوان الخديوي في عهد إسماعيل؛ إذ وقف كل جهده في القصر على التلطف لكبح جوامح الرغبات الخديوية الاستبدادية، ومحاولة وضع حد لمغامرات الخديو المالية، وتبصيره بحاجات الشعب الحقيقية. وفي الوقت ذاته، نأى بجانبه عن دسائس القصر، ومخالطة الأمراء ورجال الحاشية، ومن إليهم من النفعيين والانتهازيين المتزلفين، وآثر على صحبتهم صحبة الكتب التي أولع باقتنائها، وكانت له في داره نعم الجليس الأنيس. •••
ولم يكن عجبا أن ينشأ أحمد تيمور وشقيقته عائشة على مثل هذا الخلق المتأصل في نفس والدهما إسماعيل تيمور، فكان تحصيل العلم والمعرفة والانتفاع والنفع بهما غايتهما الكبرى.
وسجل التاريخ لعائشة التيمورية ما سجل من مآثر ومفاخر، ليس أكبرها أن نثرها وشعرها أول ما عرفت مصر من الأدب النسوي في العصر الحديث.
أما أحمد تيمور فكان له دور أكبر وأخطر، وأجدر بأن يكون مثلا وقدوة لكل طموح إلى معالي الأمور عازف عن لغو الحياة وملهياتها المختلفات.
فقد نشأ في بيت والده، وعنه أخذ حب الحق والخير والعلم والأدب، ثم انتقل بعد وفاة والده إلى دار شقيقته، وكان زوجها المرحوم «محمد توفيق بك» من المحبين للعلم والمعرفة، وعنده من الكتب شيء كثير في مختلف العلوم والفنون، فانطبع حب اقتناء الكتب في نفس «أحمد تيمور» منذ ذلك الحين.
ولما بلغ أشده واستوى، وأسند إليه منصب في الحكومة، ما لبث قليلا حتى عاف ذلك العمل الرتيب الممل، فتركه غير آسف إلى الإشراف بنفسه على الأرض التي أورثها له أبوه، وإلى استكمال تعليمه، وإتقان اللغة العربية فضلا عن الفرنسية والتركية.
واختار لنفسه أساتذته فأحسن الاختيار، وحسبك أن من بينهم: الشيخ رضوان المخللاتي، والشيخ حسن الطويل، والشيخ الشنقيطي، والشيخ محمد عبده.
وكانوا له أساتذة وأصدقاء، وكانت داره ناديا جامعا نافعا، يلقون فيه المحاضرات والدروس، ويعقدون مجالس للبحث والمناقشة وتبادل الآراء والأفكار. وفي هذه الدار، ألقى الإمام محمد عبده محاضراته المشهورة عن الإسلام، بدعوة من أحمد تيمور.
وما أكثر الندوات التي عقدت بالدار، وشهدها واشترك فيها مشاهير العلماء والأدباء، أمثال: البارودي، وصبري، والحسيني، والزرقاني، والسمالوطي، والهوريني!
على أن ذلك كله لم يشبع طموح أحمد تيمور ورغبته الدائمة في الاستزادة من العلم، فاتصل بكثيرين من العلماء الأعلام والقادة العظام في خارج مصر واستفاد منهم كثيرا، ولا شك أنهم استفادوا منه الكثير. •••
ولما اتسعت مكتبته الخاصة، وكثر ما ضم إليها من نوادر المخطوطات، ونفائس المؤلفات، اتخذ لها دارا خاصة في الزمالك، ولم يزل يتعهدها بالتنمية حتى صارت بحق المكتبة المصرية الثالثة في مصر، بعد دار الكتب ومكتبة الأزهر.
وقد زودها بكثير من الصور «الفوتوغرافية» التي التقطها وأعدها بنفسه للمشاهد الأثرية والتاريخية التي درست معالمها بعد ذلك، كالقناطر التي كانت على الخليج
1
قبل ردمه في القاهرة، وبذلك أدى خدمة جليلة للتاريخ.
وفي المكتبة عدا ذلك مجموعة من صور أساطين الإسلام، أمثال: صلاح الدين الأيوبي، وجمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، وعبد القادر الجزائري ... وغيرهم.
ولئن كان أحمد تيمور لم يخرج في حياته كتابا لنفسه، فما كان ذلك إلا عن تواضع كريم منه، وإيثار للتريث والتثبت، وللانصراف إلى البحث والدرس والكتابة، حتى لقد ترك من مؤلفاته المخطوطة عشرات من أنفس ما كتب الكاتبون.
وشاء الله إلا أن تظهر هذه الكتب بعد وفاة صاحبها سنة 1945، فقيض لذلك لجنة نشر المؤلفات التيمورية، وقيض للجنة رئيسا خبيرا قديرا، بلغ المكانة القصوى بين رجالات العلم والقلم، هو الأستاذ الكبير خليل ثابت. وقد وفقت اللجنة حتى الآن إلى نشر كثير من تلك المخطوطات العلمية والتاريخية واللغوية والأدبية، ولا يزال لديها الكثير مما هي بسبيل نشره منها، كتابا بعد كتاب.
وكما ورث أحمد تيمور حب العلم والأدب وأهلهما عن والده إسماعيل تيمور، أورث ذلك أولاده الثلاثة: إسماعيل، ومحمد، ومحمود.
وقد بلغ المرحوم إسماعيل تيمور مرتبة كبيرة في وظائف القصر، وكان إلى ذلك عالما أديبا محبا ومقدرا للعلماء والأدباء، وبقي كذلك إلى أن اختاره الله إلى جواره.
وكان محمد تيمور أول رائد لفن التمثيل والتأليف له من بين أبناء السراة المصريين، ولولا المنية عاجلته في ريعان شبابه لكان لذلك الفن على يديه شأو بعيد المنال الآن.
أما محمود تيمور - أصغر أنجال الفقيد - فهو الآن أحد «الخالدين» المختارين لعضوية مجمع اللغة العربية، كما أنه يواصل إنتاجه القصصي والأدبي الغزير، الذي عقد له لواء الزعامة بين كتاب القصة العربية الحديثة، وترجم منه الكثير إلى اللغات الأجنبية، غربية وشرقية، فكان ذلك فخرا باقيا لكل مصري وكل عربي، وأنه قبل ذلك وبعد لفخر أكبر وأبقى للأسرة التيمورية ذات التاريخ، والفضل على التاريخ.
خيال الظل
كان للناس شغف بالخيال - خيال الظل - في مصر حتى أوائل القرن الرابع عشر الهجري، فكانت له سوق نافقة في الأعراس، قل أن يقام عرس لا يلعب الخيال في إحدى لياليه، وكانت له قهاو يلعب فيها، إلى أن اخترع الإفرنج «الصور المتحركة»، وكثرت أماكن عرضها في مصر، فأكب الناس عليها وهجروا أماكن الخيال فأبطلت، واقتصر على اللعب به في الأعراس على قلة، حتى قل المشتغلون به، وكاد يدرس فيما درس من الأشياء القديمة، وآخر من أدركناه قيما بالفن على الطريقة القديمة مع الإجادة في تحرير الأزجال وإتقان صور الشخوص «الحاج حسن القشاش»، ثم قام من بعده ولده الأسطى درويش.
صفة اللعب بالخيال
يتخذون له بيتا مربعا يقام بروافد من الخشب، ويكسى بالخيش أو نحوه من الجهات الثلاث، ويسدل على الوجه الرابع ستر أبيض، يشد من جهاته الأربع شدا محكما على الأخشاب، وفيه يكون ظهور الشخوص. فإذا أظلم الليل دخل اللاعبون هذا البيت، ويكونون خمسة في العادة؛ منهم غلام يقلد النساء، وآخر حسن الصوت للغناء. فإذا أرادوا اللعب أشعلوا نارا قوامها القطن والزيت تكون بين أيدي اللاعبين، أي بينهم وبين الشخوص، ويحرك الشخص بعودين دقيقين من خشب الزان، يمسك اللاعب كل واحد بيد، فيحرك بهما الشخص على ما يريد.
وتتخذ الشخوص من جلود البقر، وهي في الغالب جلود تعمل منها أعكام للعشبة التي تأتي من السودان ليتداوى بها، فيشتري بعضها لاعبو الخيال من التجار، ويصورون منها ما يشاءون من الشخوص، ثم يصبغونها بالأصباغ على ما تقتضيه ألوان الوجوه والثياب، وأجسام الحيوان وجذوع الأشجار وأوراقها وثمارها وأحجار المباني وغير ذلك، بحيث إذا عرضت «الصور» أمام ضوء النار المشتعلة ظهرت زاهية بهية لشفوف تلك الجلود.
ولنشرع ببيان اللعب المعروفة في هذا العهد،
1
لعبة لعبة على سبيل الإجمال، مبتدئين بما يقال ويفعل في الاستفتاح.
الاستفتاح
الاستفتاح: يظهر فيه شبه عقد على أعمدة، دقيق الصنعة، معلق به قناديل وثريات، يسمونه «القوصرة»، ويظهر به من الشخوص الشخص المسمى ب «المقدم»؛ فيستفتح اللعب بإنشاد رجل فيه مديح نبوي وتحية للحاضرين، ووصف للقوصرة، وما فيها من الثريات ودقيق الصناعة. وأشهر أزجال الاستفتاح زجل اعتادوا إنشاده في ليالي الأعراس، أوله: قبل ما نبدي ...
ولهم استفتاحات غير ذلك.
مراجع قديمة وحديثة
وقد ورد حديث خيال الظل في كثير من الكتب والمراجع القديمة والحديثة، نذكر منها:
مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق، ج2 ص33 بالحاشية.
نسبة خيال الظل لجعفر الراقص والكلام في ذلك.
المقتبس، ج1 ص435، 436: خيال جعفر الراقص ... إلخ.
رسملي عثمانلي تاريخي، ج2 ص33 بالحاشية: خيال الظل عند العثمانيين.
المغرب، 418 تاريخ، ص121: بيتان في «خيالي».
ابن رابية، حرف (الراء): «رئيس المجنبظين».
المجموع، رقم 776 شعر أول، ص184: دور من زجل «تعادير في البيمارستان».
فض الختام عن التورية والاستخدام، للصفدي آخر، ص24، 25: بيتان فيهما جعفر، وبعدهما للمؤلف أنه مخترع الخيال الراقص.
وفي ديوان سبط ابن التعاويذي قصيدة، قيل إنه حضر مع جماعة في بستان جعفر الراقص بالجانب الغربي ببغداد، فلما خرج كتبها على حائط بركة في البستان، وهذه القصيدة للعلامة صلاح الدين بن أيبك الصفدي، ننقلها فيما يلي عن كتاب «الحسن الصريح في مئة مليح»، الذي كتبه بخطه سنة 738ه، وهو محفوظ بدار الكتب المصرية:
بستان جعفر مثله
في ظرفه وشمائله
والبركة الفيحاء تخ
جل من نداه ونائله
فيه الأنابيب التي
تنهل مثل أنامله
يا حبذا ولع النسي
م ببانه وخمائله
وترسم الدولاب في
غدواته وأصائله
والماء كالحيات بي
ن مروجه وجداوله
والغيم قد صدقت كوا
ذب برقه ومخايله
والروض قد جاءتك أن
فاس الصبا برسائله
والغصن كالنشوان يع
ثر في فضول غلائله
ولرب يوم قد وهب
ت الحق فيه لباطله
وشريت عاجل ما احتضر
ت من الشرور بآجله
فتشابهت حسنا أوا
خر يومنا بأوائله
وقال في مليح مخايل:
هويت خياليا حكى الغصن قده
إذا ما انثنى هاجت عليه البلابل
أراق دم العشاق سيف جفونه
ومن بعد ذا أضحى عليهم يخايل
وقال فيه أيضا:
مخايل قد بدت عليه
مخايل البدر في الكمال
تريك باباته فنونا
تروق في الحسن والجمال
فقد غدا وصله يقينا
أحسن ما كان في الخيال
وفي كتاب «سلك الدرر» بيتان في خيال الظل وما قيل في معناه، نسبهما إلى الإمام الشافعي، وهما:
رأيت خيال الظل أكبر عبرة
لمن هو في علم الحقيقة راقي
شخوص وأشباح تمر وتنقضي
وتفنى جميعا والمحرك باقي
السلطان شعبان وخيال الظل
يقال إن خيال الظل لعبة هندية قديمة، وأقدم ما وصل إليه علمنا عن اشتغال العرب بها أنها كانت من ملاهي القصر بمصر مدة الفاطميين. وكان لسلاطين مصر ولع بخيال الظل حتى حمله السلطان شعبان معه لما حج سنة 778ه مع ما حمله من الملاهي، فأنكر الناس عليه ذلك كما في «درر الفرائد المنظمة» للجزيري.
القاضي الفاضل يصف خيال الظل
أخرج السلطان الملك الناصر صلاح الدين من قصور الفاطميين من يعاني «خيال الظل» ليريه للقاضي الفاضل، فقام عند الشروع فيه، فقال له الملك: «إن كان حراما فما نحضره»، وكان حديث عهد بخدمته قبل أن يلي السلطنة، فما أراد أن يكدر عليه، فقعد إلى آخره فلما انقضى قال له الملك: كيف رأيت ذلك؟ فقال: رأيت موعظة عظيمة؛ رأيت دولا تمضي، ودولا تأتي، ولما طوى الإزار طي السجل للكتب إذا المحرك واحد.
الظاهر جقمق يحرق شخوص خيال الظل
ذكر السخاوي في «التبر المسبوك» أن الظاهر جقمق أمر سنة 855ه بإبطال اللعب بخيال الظل، وإحراق شخوصه، وكتب على اللاعبين العهود بألا يعودوا إليه. ولعله فعل ذلك لما كان بلغه مما يقع في مجتمعاته من المفاسد.
وورد هذا الخبر في «ابن إياس»، ج2 ص33.
إنعام السلطان سليم على مخايل
ذكر ابن إياس في حوادث سنة 923ه ما نصه:
وفيه أشيع أن السلطان سليم
2
شاه لما كان بالمقياس، أحضر في بعض الليالي «خيال الظل»، فلما جلس للفرجة قيل إن المخايل صنع صفة باب زويلة وصفة السلطان طومان باي لما شنق عليه وقطع به الحبل مرتين، فانشرح ابن عثمان لذلك، وأنعم على المخايل في تلك الليلة بثمانين دينارا، وخلع عليه قفطانا مخملا
3
مذهبا، وقال له: «إذا سافرنا إلى إسطنبول فامض معنا حتى يتفرج ابني على ذلك.»
لعبة علم وتعادير
هي أشهر اللعب وأطولها، وكانوا يلعبونها في القهاوي، مقسمة على سبع ليال، فتستغرق الأسبوع، ولكنهم يختصرونها في الأعراس بحذف الأزجال والألعاب، فيلعبونها في ليلة واحدة، وفيها الشخوص نحو 160 قطعة من إنسان وحيوان وأشجار وأثمار ومبان. وملخصها أن تاجرا من بغداد يسمى «تعادير» يسافر إلى الشام فيصادف بها «علم»، وهي فتاة قبطية بنت الراهب «منجى» تسكن مع أبيها وأخيها في دير، فيشغف بها حبا ويحتال حتى يجتمع بها، ويظهر لها ولهه، عارضا عليها الإسلام ليتزوج بها، فتأبى فيشرع في الاحتيال عليها، وتأخذ هي في مكايدته ومعاكسته فيما يحاوله من الاتجار، وتدخله مرة الدير وتدعي عليه السرقة، فيحكم بقطع يده ثم يبرأ، وينشئ بستانا قبالة الدير تقربا إليها، ثم يحرقه من إغاظته منها، فيحكم عليه بالجنون، ويؤخذ إلى البيمارستان فيمكث فيه سبع سنوات حتى يعيي داؤه الأطباء، فيستحضرون له طبيبا من بغداد اسمه الحكيم «كامل»، فيعالجه ويشفى على يديه. وبعد خروجه يعود إلى مغازلة «علم»، فيجد أباها مات. وينتهي أمرهما إلى أن تسلم ويتزوج بها، بعد أن يهدم الدير ويبني لها قصرا مكانه، وينقل إليه الجهاز قطعة قطعة.
و«للمقدم والرخم» ألاعيب في هذه اللعبة، وفيها عرض ما يباع في مصر من بطيخ على جمل، وقفص دجاج على رأس امرأة أو على ظهر حمار، وفيها صورة الدير والقصر والبستان. ويزعم اللاعبون أن التاجر كان اسمه في اللعب القديم عمر فغيره المصريون إلى «تعادير».
ولهذين الشخصين شأن كبير في كثير من الألعاب الأخرى، ويكون الجد غالبا من شأن المقدم والهزل للرخم. ولذلك يصورونه محدودب الأنف، معقوف اللحية إلى الأعلى، عظيم المؤخر.
لعبة التمساح
تحتوي على اثني عشر شخصا: المقدم، والرخم، والزبرقاش، ورئيسه، وزوجته، وولده، وبربريان، ومغربيان، والتمساح، والسمك.
وخلاصة القصة أن الزبرقاش كان رجلا فلاحا غير مفلح، يطرده أبوه فيعالج الارتزاق بصيد السمك، ولكن لجهله بالصناعة يضيع منه سنارتان، فيظهر له المقدم ويتناشدان الأزجال، ثم يرشده للمعلم منصور - ويلقبونه بشيخ المعاش - ليعلمه الصيد، فيذهب إليه، ويشرع في تعليمه، ثم يصادف الزبرقاش تمساحا فيبلعه إلى نصفه، ويظهر الرخم للبحث عنه لأنه صاحبه، فيتناشدان الأزجال، ثم يحضر له بربريين يساومهما على إخراجه من فم التمساح فيشرعان في ذلك، فيلتهم التمساح أحدهما ويبقى الآخر يبكي صاحبه، وقبل ذلك تكون زوجة الزبرقاش حضرت بولده، وأخذت في البكاء عليه. ثم يظهر مغربيان فينهيان المشكل بأن يصيدا التمساح ويخرجا الزبرقاش والبربري، وتنتهي اللعبة.
ولهذه اللعبة قيمة عند عشاق الخيال والمشتغلين به؛ لقدم عهدها وجزالة ما يقال فيها من الأزجال في تحاور شخوصها.
لعبة أبو جعفر
تحتوي على نحو خمسين قطعة، أهمها جميعا شخصان؛ شخص طويل وهو أبو جعفر ويلقب ب «عمروس»، وآخر قصير وهو «الإبس» أو «القبس» ويلقب ب «زعرب»، وهما عدوان يكيد كل واحد منهما للآخر، وتقع بينهما منازعات إلى أن يقتل الإبس أبا جعفر، فيصنعون له جنازة، كما يفعل بمصر، فيها الكفارة والقراء.
وللمقدم والرخم فيها ألعاب، وتنشد فيها أزجال جميلة.
لعبة الشوني
4
فيها من الشخوص: الريس، وشولح؛ وهو النوتي، وخمسة ركاب: فلاح اسمه الكتاتني، وابنه النتن، وزوجته خمرانة، وتركي يقال له «الجندي»، و«بربري»، و«مغربي».
وتبدأ اللعبة بصورة المركب وغناء الملاحين، وينشد شولح النوتي زجلا طويلا، ثم يحضر الركاب واحدا فواحدا بالشاطئ الآخر يطلبون الركوب، فيأمر الريس شولح بحملهم، فيحملهم الواحد بعد الآخر سباحة، وكلما انتهى من واحد ظهر الآخر على الشاطئ. وتكون لهم مع الريس وشولح محاورات مضحكة، يتكلمون فيها بلهجاتهم المعروفة؛ فالفلاح وزوجته ينطقان كما ينطق أهل الريف، و«الجندي» يرتضخ لكنة أعجمية، وكذلك البربري والمغربي لكل منهما لهجة خاصة. ثم تقع بين الجمع بعد ركوبهم في المركب محاورات ومنازعات، وتظهر براعة اللاعبين في تقلب تلك اللهجات.
لعبة الأولاني
يظهر فيها مركب صغير للصيد، ويظهر المقدم ثم يأتيه تركي يطلب منه خفارة النيل من صيادي السمك لأنهم يسرقون سمكه، فيعتذر إليه بأن الخفارة ليست صناعته، ولكنه يحضر له بربريا حاذقا فيها فيتولى الخفارة، ثم يتفق مع الصيادين ويبيح لهم الصيد، فيستاء «الجندي» ويغضب منه، ويبطل الخفارة، ويأخذه إلى داره، وينتهي أمرهما بأن يلعبا «الضامة»، فيغلب البربري سيده، فيضربه من غيظه، فيمسك البربري كرسيا على كرسي ويضعهما على خوان، ويرفع الجميع ويضرب بها التركي فيخمد أنفاسه.
لعبة الحجية
5
تحتوي على نحو 80 قطعة مما يكون في الحج؛ من ضوية، وطبالين، وجمال، وتختروانات، وغير ذلك مما يلزم من الأدوات والشخوص، ويكون بين المسافرين رجل مصاب بعلة بين فخذيه، يخرج عليه بدويان فيظنان علته مالا يخفيه؛ اسم أحدهما «عجوة» والآخر «بزابيز»، وتقع لهما مضحكات، ثم ينكشف أمره لهما فيطلقانه.
ومن شخوص هذه اللعبة رجل مغربي، يغني أزجالا جميلة على الرباب.
لعبة الحمام
تنكشف عن صورة حمام على بابه «بلانة» تنتظر قدوم «علم» للاستحمام، فيظهر رجل مغربي يأخذ في مغازلتها، وتقع بينهما منازعات ينشدان فيها الأزجال، ثم تحضر «علم» في موكب زفاف فتستحم استعدادا للزواج، ثم تعود بالموكب وتنتهي اللعبة.
لعبة التياترو
من اللعب المستحدثة في العهد الأخير، وفيها شكل بهلوان يلعب على الحبال، وغير ذلك في عرس «تعادير وعلم».
وقد يفردونها باللعب لمن يريد، والأكثر إدماجها والتي سبقتها في لعبة «علم» عند إطالتها ولعبها على ليال في القهاوي.
لعبة القهوة
تبدأ بمنظر قهوة يجتمع فيها رجلان: أحدهما زير نساء اسمه «حردان»، والآخر يميل إلى الأحداث اسمه «قراميط».
ويشرع قراميط في مغازلة صبي القهوة، بينما يغازل حردان خليلة تحضر له. ثم تقع بين الرجلين منازعات ينشدان فيها الأزجال، وينتصر كل واحد منهما لطريقته، وتنتهي بأن يهتدي قراميط ويعدل عن طريقته ويأخذ في مغازلة النساء، فتوقعه المصادفات في زوجة صاحبه حردان فيخاللها، وتلبسه من ثياب زوجها، فيراها عليه المقدم، ويعرف أنها ثياب حردان، فينصح له بأن يراقب زوجته، وتنتهي المراقبة بأن يمسكه عندها وهو متنكر، ويزعم قراميط أنه فران أتى لحمل العجين إلى الفرن، ثم يخرج من غير أن يعرفه حردان، ويستاء هذا من زوجته، فيحملها إلى أهلها. وبعد ذلك يدعى الثلاثة؛ المقدم وحردان وقراميط، إلى دار أبي المرأة لمعرفة سبب خصام الزوجين، ويشرع كل واحد يقص قصة غريبة وقعت له، إلى أن تنتهي النوبة أخيرا إلى قراميط فيقص قصته مع المرأة دون ذكر الأسماء، وتنتهي اللعبة بالفراق.
وهذه اللعبة مما يتحاشون لعبها في الأعراس، لما فيها من المجون والألفاظ المخلة بالآداب.
لعبة الشيخ سميسم
وهو رجل من أصحاب الطريق، اعتاد نصب خيمته كل عام في مكان، فتظهر امرأة اسمها «جازية حرير» تشتري هذا المكان وتمنع الشيخ من نصب خيمته، فيسترضيها فلا ترضى إلا أن يتزوجها، ويكون لها ولد اسمه «عبد الله» فتدعي أن أباه قد مات، وتحضر الشهود بذلك، فيأبى هو أولا لقبحها، ثم يرضى أخيرا لأجل المصلحة فيتزوجها، ويكون وسيطه في ذلك المقدم، والرخم فراش العرس الذي يقام لهما، ثم يظهر زوجها أبو عبد الله ويشكوهما. ويكون في هذه اللعبة شيخ حارة، وجند من الشرطة، وضابط ترفع إليه الشكوى. وهي مبنية على الزجل.
لعبة العجائب
وكانت قديما تسمى لعبة «الغراف»؛ لأن مبناها على رجل صياد اسمه «الغراف» يصيد السمك من البحر، وينشد في ذلك الأزجال نادبا سوء حظه في الصيد تارة، ومثنيا تارة. ثم يظهر له من عجائب البحر، وأصناف السمك شيء كثير، ويظهر المقدم لمعاكسته في الصيد، فيسلط عليه غلاما يسرق منه السمك، إلى أن يصطاد سمكة كبيرة يريد المقدم مشاركته فيها فيأبى، فيغري به جماعة من الأوباش يضربونه حتى يموت، وتنتهي اللعبة. ومبناها في الأكثر على الأزجال.
لعبة حرب السودان
وهي مما أحدث بعد فتح السودان عقب دولة المهدي والتعايشي، وفيها تمثل وقائع هذا الفتح.
التماثيل والصور عند العرب
صناعة التماثيل من فروع التصوير، ولا ريب في وجودها عند العرب بدليل وجود الأصنام، وما لهج به شعراؤهم من تشبيه النساء بالدمى؛ وهي الصور من العاج وغيره. وقد كانت أصنامهم بالغة في الكثرة مبلغا لا يستهان به، فكان منها حول الكعبة المعظمة يوم فتح مكة ثلاثمئة وستون صنما، على ما رواه البخاري وغيره من المؤرخين، عدا ما كان منتشرا في أماكن أخرى من هذا البلد وسائر أماكن الجزيرة، بل بلغ من استهتارهم بعبادتها أن كل حي من أحيائهم كان فيه صنم، وغلا كثيرون منهم فاتخذوا لهم أصناما خاصة في دورهم.
ذكر ابن الكلبي في كتاب «الأصنام» أنه كان لأهل كل دار من دور مكة صنم في دارهم يعبدونه، فإذا أراد أحدهم السفر كان آخر ما يصنع في منزله أن يتمسح به، وإذا قدم من سفره كان أول ما يصنع إذا دخل منزله أن يتمسح به أيضا. ولا يخفى أن مثل هذه الكثرة يستبعد معها أن تكون تلك الأصنام جميعها مجلوبة إليهم؛ لما في بلادهم من مشاق النقل ووعورة المسالك.
ومما ذكروه أن بعض هذه الأصنام كانت تماثيل لقوم صالحين أقيمت لهم في مجالسهم، وسميت بأسمائهم، فلما طال العهد بأصحابها وتنوسي أمرها اتخذت آلهة تعبد من دون الله، كما هو الشأن في تماثيل ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، التي وقعت للعرب من أصنام قوم نوح،
1
قال الطبري: إن سواعا كان ابن شيث، وإن يغوث كان ابن سواع، وكذلك يعوق ونسر، كما هلك الأول صورت صورته وعظمت لموضعه من الدين، فلم يزالوا هكذا حتى خلفت الخلوف، وقالوا: ما عظم هؤلاء آباؤنا إلا لأنها ترزق وتنفع وتضر، واتخذوها آلهة.
2
وفي كتاب الحج من «صحيح البخاري» عن ابن عباس: «أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم
لما قدم، أي دخل مكة، أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة، فأمر بها فأخرجت، فأخرجوا صورة إبراهيم وإسماعيل في أيديهما الأزلام، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : قاتلهم الله! أما والله لقد علموا أنهما لم يستقسما بها قط. فدخل البيت فكبر في نواحيه ولم يصل»، وقد رواه أيضا في غزوة الفتح. وقال ابن حجر في «فتح الباري» في شرح هذا الحديث من باب الغزوة المذكورة ما نصه: «وقع في حديث جابر عن ابن سعد وأبي داود أن النبي
صلى الله عليه وسلم
أمر عمر بن الخطاب وهو بالبطحاء أن يأتي الكعبة فيمحو كل صورة فيها، فلم يدخلها حتى محيت الصور، وكان عمر هو الذي أخرجها. والذي يظهر أنه محا ما كان من الصور مدهونا - مثلا - وأخرج ما كان مخروطا.»
وفي معجم البلدان لياقوت أنهم لما بنوا قصر غمدان باليمن، جعلوا في أعلاه مجلسا بنوه بالرخام الملون، وصيروا على كل ركن من أركانه تمثال أسد من شبه - أي نحاس - كأعظم ما يكون من الأسد، فكانت الريح إذا هبت إلى ناحية تمثال من تلك التماثيل، دخلت من خلفه وخرجت من فيه فيسمع له زئير كزئير السباع.
هذا ما كان من خبر التماثيل عند العرب في الجاهلية. فلما جاء الإسلام، وفتحوا المدائن، ومصروا الأمصار، وبنوا القصور، وغرسوا الحدائق، واستبحروا في المدنية، نشأ بينهم اتخاذ التماثيل للزينة في القصور والبرك، وتفننوا في عملها من الحجر والرخام والجص، والذهب والفضة وغيرهما، ومنها تمثال الرجل النافخ في البوق في إحدى جنان إشبيلية.
وجاء في حرف الدال من «معجم البلدان» لياقوت: «دار الشجرة: دار بالدار المعظمة الخليفية ببغداد، من أبنية المقتدر بالله، وكانت دارا فسيحة ذات بساتين مونقة. وإنما سميت بذلك لشجرة كانت هناك من الذهب والفضة، في وسط بركة كبيرة مدورة، أمام إيوانها وبين شجر بستانها، ولها من الذهب والفضة ثمانية عشر غصنا، لكل غصن منها فروع كثيرة مكللة بأنواع الجوهر على شكل الثمار، وعلى أغصانها أنواع الطيور من الذهب والفضة، إذا مر الهواء عليها أبانت عن عجائب من أنواع الصفير والهدير. وفي جانب الدار عن يمين البركة تمثال؛ خمسة عشر فارسا على خمسة عشر فرسا، ومثله عن يسار البركة، قد ألبسوا أنواع الحرير المدبج مقلدين بالسيوف، وفي أيديهم المطارد، يتحركون على خط واحد، فيظن أن كل واحد منهم إلى صاحبه قاصد.»
ومن كل ذلك ترى أنهم لم يكتفوا بتصوير التماثيل فحسب، بل احتالوا على تحريكها بقوة الماء أو اللوالب المدبرة بصنوف الحيل، وجعلوا على أفواه ما صوروه الصفارات تدفع فيها الريح أو الماء، فتحاكي صوت ذي الروح.
وقد طالت أيديهم في غير ذلك من الصنائع، كالبناء والنحت والنجر والنسخ، كما أحكموا صنع الآلات الفلكية وغيرها، واحتالوا على جر الأثقال ورفع الماء وتسخيره في إدارة الساعات والدواليب وما شاكلها، وكذلك أتقنوا صنع آلات القتال، كالمكاحل والمدافع وقوارير النفط والدبابات والكباش الناطحة للحصون.
لعبة البنات
وكان للعرب تماثيل خاصة بصغارهم يسمونها ب «الجواري» و«البنات»، كما في قول امرئ القيس:
عهدتني ناشئا ذا غرة
رجل الجمة ذا بطن أقب
أتبع الولدان أرخي مئزري
ابن عشر ذا قريط من ذهب
وهي إذ ذاك عليها مئزر
ولها بيت جوار من لعب
وفي القاموس: «البنات: التماثيل الصغار يلعب بها.»
والعامة في مصر الآن تسمي أمثال هذه التماثيل ب «العرايس» - بالياء - لأنهم لا يهمزون مثله، وواحدتها عروسة.
وجاء في «ربيع الأبرار» للزمخشري، في حديث عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت:
قدم رسول الله
صلى الله عليه وسلم
من غزوة «تبوك» وفي سهوتي ستر، فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لي، فقال: ما هذا؟ قلت: بناتي، ورأى بينهن فرسا له جناحان، فقال: ماذا أرى وسطهن؟ قلت: فرس، قال: وما هذا الذي عليه؟ قلت: جناحان، قال: فرس له جناحان! قلت: أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة؟ فضحك حتى بدت نواجذه.
ويؤخذ من هذا الحديث عدم استنكار ما اتخذ من التماثيل لغير العبادة، أي للهو واللعب، وإن شدد بعض الفقهاء فحرمها على الصغار أيضا، كما فعل ابن العماد في آداب الأكل، فقال استطرادا:
قال الحليمي: وامنع طفلة لعبا
وهو الصحيح فقم بالمنع واكتفل
أبو سعيد له التجويز قد نسبوا
بعلة قد وهت عن رتبة العلل
لعبة الكرج
ومن تماثيل اللهو واللعب «الكرج»، بضم الكاف وفتح الراء المشددة، معرب كره بالفارسية، وهو تمثال مهر من خشب يلعب به، قال جرير:
لبست سلاحي والفرزدق لعبة
عليها وشاحا كرج وجلاجله
وقال:
أمسى الفرزدق في جلاجل كرج
بعد الأخيطل ضرة لجرير
وفي «الروض الأنف» في ذكر «مخنثي المدينة»: «ربما لعب بعضهم بالكرج». وفي «مراسيل أبي داود» أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - رأى لاعبا يلعب بالكرج، فقال: «لولا أني رأيت هذا يلعب به على عهد النبي
صلى الله عليه وسلم ، لنفيته من المدينة». قلنا: لأن اللعب بمثله غير لائق بالرجال، ومنه قيل للمخنث كرجي.
وذكر ابن خلدون في فصل «صناعة الغناء» من مقدمته، أن الكرج جعل أيام بني العباس من آلات الرقص، ونص عبارته:
وأمعنوا في اللهو واللعب، واتخذت آلات الرقص في الملبس والقضبان والأشعار التي يترنم بها عليه، وجعل صنفا وحده. واتخذت آلات أخرى للرقص تسمى بالكرج؛ وهي تماثيل خيل مسرجة من الخشب، معلقة بأطراف أقبية تلبسها النسوان، ويحاكين بها امتطاء الخيل، فيكررن ويفررن ويتناقفن، وأمثال ذلك من اللعب المعدة للولائم والأعراس، وأيام الأعياد ومجالس الفراغ واللهو.
سوق للعب الأطفال
وفي باب «أحكام الحسبة» من «الأحكام السلطانية» للماوردي، ما يدل على اتخاذهم سوقا خاصة ببيع لعب الأطفال، فقد جاء فيه ما نصه:
وأما اللعب فليس يقصد بها المعاصي، وإنما يقصد بها إلف البنات لتربية الأولاد، وفيها وجه من وجوه التدبير، تقارنه معصية بتصوير ذوات الأرواح ومشابهة الأصنام، فللتمكين منها وجه، وللمنع منها وجه. وبحسب ما تقتضيه شواهد الأحوال يكون إنكاره وإقراره. وقد دخل النبي - عليه الصلاة والسلام - على عائشة، رضي الله عنها، وهي تلعب بالبنات، فأقرها ولم ينكر عليها.
وحكي أن أبا سعيد الإصطخري، من أصحاب الشافعي، تقلد حسبة بغداد في أيام المقتدر، فأزال سوق الداذي
3
ومنع منها، وقال: «لا يصلح إلا للنبيذ المحرم»، وأقر سوق اللعب ولم يمنع منها، وقال: «قد كانت عائشة - رضي الله عنها - تلعب بالبنات بمشهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم
فلا ينكره. وليس ما ذكر من اللعب بالبعيد من الاجتهاد ، وأما سوق الداذي فالأغلب من حاله أنه لا يستعمل إلا في النبيذ، وقد يجوز أن يستعمل نادرا في الدواء وهو بعيد؛ فبيعه عند من يرى تحريمه جائز لجواز استعماله في غيره، ومكروه اعتبارا بالأغلب من حاله. وليس منع أبي سعيد منه لتحريم بيعه عنده، وإنما منع من المظاهرة بإفراد سوقه والمجاهرة ببيعه.»
إلى آخر ما ذكره.
لعبة الدوباركة
وذكر التنوخي في «نشوار المحاضرة» أن أهل بغداد كانت لهم لعبة على قدر الصبيان يسمونها «الدوباركة» وهي كلمة أعجمية، وكانوا يحلون هذه اللعبة في سطوحهم ليالي النيروز المعتضدي، ويلعبون بها ويخرجونها في زي حسن من فاخر الثياب، وحلي يحلونها بها كما يفعل بالعرائس، وتخفق بين يديها الطبول والزمور، وتشعل النيران، فقالت عائدة بنت محمد الجهنية - وكانت كاتبة فاضلة - تهجو أبا جعفر محمد بن القاسم الكرخي لما ولي الوزارة، وتعيبه بقصر قامته:
شاورني الكرخي لما بدا الن
يروز والسن له ضاحكة
فقال ما نهدي لسلطاننا
من خير ما الكف له مالكة؟
قلت له كل الهدايا سوى
مشورتي ضائعة هالكة
أهد له نفسك حتى إذا
أشعل نارا كنت دوباركه
تمثال اللعين أو النطار
ومما يشبه التماثيل ما كانوا يقيمونه في المزارع على هيئة الرجل لتفزيع الطير والوحش، ويسمونه باللعين، وبالرجل اللعين، وبالخيال، والضبغطرى، والمجدار، والنطار. قال الشماخ:
ذعرت به القطا ونفيت عنه
مقام الذئب كالرجل اللعين
وقال آخر:
أخ لا أخا لي غيره غير أنني
كراعي الخيال يستطيف بلا فكر
ولعل هذا النوع هو المقصود بقول القائل، وقد أورده السيرافي في شرحه لكتاب سيبويه:
تعال نصنع رجلا مثل عدي
نصنعه من الرقاع والعصي
وحكى ابن إياس في حوادث سنة 891ه، أن السلطان أمر بقتل شخص فأنزلوه من القلعة مسمرا على لعبة من الخشب، غريبة الهيئة تجر بالعجل، ولها حركات تدور بها.
غير أنه لم يفصح عنها أكانت من نوع التماثيل أم من غيرها.
وحكى أيضا أن أحد ملوك اليمن أهدى للسلطان الكامل الأيوبي شمعدانا
4
من نحاس من عمل الموقتين؛ إذا كان الفجر خرج منه شخص من نحاس لطيف الخلقة، وصفر كأنه ينبئ السلطان بالفجر ويحييه تحية الصباح، وقال إنه بقي في الخزائن إلى أيام الناصر محمد بن قلاوون ثم فقد.
صنم من عجوة جاع فأكله
من أغرب ما يذكر عن العرب في الجاهلية أنهم كانوا يعملون الأصنام من كل شيء، حتى إن بعضهم عمل صنمه من عجوة ثم جاع فأكله!
ومثله ما ذكره البيروني في «الآثار الباقية» عن صنم من «حيس»
5
اتخذه بنو حنيفة في الجاهلية قبل مسيلمة، فعبدوه دهرا، ثم أصابتهم مجاعة شديدة فأكلوه، ولم يبق هناك أثر لما صنعوه.
لعبة الدرقلة للصبيان
ويقال لها «الدركلة» أيضا، وهي لعبة يلعب بها الصبيان، وقيل هي لعبة للحبش كما جاء في المخصص والقاموس: الدركلة كشرذمة: لعبة للعجم، أو ضرب من الرقص، وهي حبشية.
وفي اللسان: الدركلة: لعبة يلعب بها الصبيان، وقيل هي للعجم، قال ابن دريد: أحسبها حبشية معربة، وقال أبو عمرو إنها ضرب من الرقص، وذكر الأزهري: قرأت بخط شمر قال: قرئ على أبي عبيد وأنا شاهد في حديث النبي
صلى الله عليه وسلم ، أنه مر على أصحاب الدركلة، وقال: «جدوا يا بني أرفدة حتى يعلم اليهود والنصارى أن في ديننا فسحة.»
لعبة دحندح لصبيان العرب
لعبة للصبيان يجتمعون لها فيقولونها، فمن أخطأ قام على رجل واحدة وحجل سبع مرات.
وحكى الفراء: تقول العرب: «دحامحا دعها معها»، وذكر الأزهري في الخماسي: دحندح: دويبة، وفي كتاب «ما يعول عليه»: «هوان دحندح» يقال: أهون من دحندح، قال حمزة: إن العرب تقول ذلك فإذا سئلوا ما هو، قالوا: لا شيء!
وقال بعض أهل اللغة: إنها من لعب صبيان العرب، تجتمع لها فيقولونها، فمن أخطأ قام على رجل، وحجل على إحدى رجليه سبع مرات.
لعبة الزدو فردا أو زوجا
الزدو - كالسدو - في اللسان وفي التهذيب: لغة في السدو، وهو لعب من الصبيان بالجوز، والمزادة موضع ذلك، والغالب عليه الزاي، يسدونه في الحفيرة، وزاد الصبي الجوز وبالجوز يزدو زدوا، أي لعب ورمى به في الحفيرة، وتلك الحفيرة هي المزادة. وفي مادة «سدى» منه: سدو الصبيان بالجوز، واستداؤهم: لعبهم به، وسدا الصبي بالجوزة: رماها من علو إلى أسفل.
وجاء في شرح القاموس، ونقلا عن التهذيب: الزدو لغة صبيانية، كما قالوا للأسد «أزد» وللسداد «زداد».
وقال ابن دريد: تخاسى الرجلان، أي لعبا بالزوج والفرد.
ويقال: خسا وزكا، أي فرد وزوج، قال الكميت:
مكارم لا تحصى إذا نحن لم نقل
خسا وزكا فيما نعد خلالها
وفي الحديث: «ما أدري كم حدثني أبي عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم
أخسا أم زكا»، يعني فردا أو زوجا.
لعبة عظم وضاح للصبية
واسمها في الأصل لعبة «القجقجة»، ثم أطلق عليها اسم «عظم وضاح»؛ لأن القاف والجيم لا يجتمعان في كلمة عربية أصيلة، كما جاء في القاموس. وفي مادة «وضح» أن لعبة «عظم وضاح» لعبة للصبية؛ إذ يأخذون عظما أبيض فيرمونه بالليل، ويتفرقون في طلبه. وفي حديث المبعث أن النبي
صلى الله عليه وسلم
كان يلعب وهو صغير مع الغلمان ب «عظم وضاح»، وهي لعبة لصبيان الأعراب، يعمدون إلى عظم أبيض فيرمونه في ظلمة الليل، ثم يتفرقون في طلبه، فمن وجده منهم فله القمر، قال: وسمعت الصبيان يصغرونه فيقولون: عظيم وضاح، وأنشدني بعضهم:
عظيم وضاح ضحن الليلة
لا تضحن بعدها من ليلة
قوله «ضحن» أمر من «يضح»، بتثقيل النون المؤكدة، ومعناه: أظهرن، كما تقول من الوصل صلن.
وذكر ابن قتيبة في تفسير حديث رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، أنه بينما كان يلعب وهو صغير مع الغلمان بعظم وضاح، مر عليه يهودي فدحاه، فقال: لتقتلن صناديد هذه القرية.
وقال: وعظم وضاح لعبة للصبيان بالليل؛ وهو أن يأخذوا عظما أبيض شديد البياض، يرمي به واحد من الفريقين، فمن وجده من أحدهما ركب أصحابه الفريق الآخر من الموضع الذي يجدونه فيه إلى الموضع الذي رموا عنه.
لعبة اللبخة «التحطيب»
هذه اللعبة تسمى عند عامة مصر ب «التحطيب»، وعند بعض العرب «اللبخة»، ومما قاله الشيخ الشعراني في طبقاته الكبرى المعروفة ب «لواقح الأنوار»، في ترجمة عثمان الحطاب المتوفى سنة نيف وثمانمئة، ما نصه: وكان شجاعا يلعب «اللبخة»، فيخرج له عشرة من «الشطار» ويهجمون عليه بالضرب فيمسك عصاه من وسطها، ويرد ضرب الجميع فلا تصيبه واحدة! هكذا أخبر عن نفسه في صباه.
ولعل «الحطاب» لقب بذلك لشهرته بلعبة التحطيب، أو لأنه كان يدأب في خدمة فقراء زاويته من إعداد للطعام وخياطة للثياب وغيرها، أو في جمع الحطب من البساتين، ونرجح الأول دون سائر ما كان يتولاه فيشتهر به.
رمانة من ذهب أحمر
جاء في المختار السائغ من ديوان ابن الصائغ الطبيب، أن أبا الحسن بن بشر بن عبدون الكاتب أخبره أنه رأى عند الأمير غازي بن أرتق
6
تمثال رمانة أهدي إليه، وهي من ذهب أحمر وميناء خضراء، مرصعة باللؤلؤ، وفي باطنها حب بلخش، ولها أربعة أبواب تفتح عن بيوت مملوءة طيبا، والبيوت وأنواعها خفية عمن يراها، وسأله وصفها فقال:
وخود تحيي الشرب بعد كئوسهم
برمانة من عسجد وزبرجد
مرصعة باللؤلؤ الرطب ظاهرا
وباطنها حب البلخش المنضد
وتخفي بيوتا أربعا
7
لا تنالها
لطافة حس العالم المتوقد
إذا فتحت أبوابها ظهرت بها
ودائع طيب في مخازن عسجد
وكانت كأفلاك السماء نجومها
ترى في بروج لا تبين لمهتد
تمثال أبي الهيجاء السمين
وذكر سبط ابن الجوزي في حوادث سنة 593ه من «مرآة الزمان»، وأبو شامة في «الذيل على الروضتين»، قدوم الأمير حسام الدين أبي الهيجا السمين
8
إلى بغداد، واحتفال الخليفة بلقائه، فحكيا عنه أنه كان ذا رأس صغير، وبطن كبير جدا يبلغ رقبة بغلته وهو راكبها، وأنه لما اجتاز بمحلة الحربية رآه كواز فضحك من هيئته، وعمل في ساعته كوزا من طين على صورته، وعمل أهل بغداد بعده كيزانا على هذه الصورة وسموها أبا الهيجاء السمين. وكانت وفاة هذا الأمير سنة 594ه.
ساعة الرشيد المائية
أهدى الخليفة العباسي هارون الرشيد إلى شرلمان ملك فرنسا ساعة مائية متقنة الصنعة إلى الغاية، تقسم الوقت إلى اثنتي عشرة ساعة، ولها كرات صغيرة من الصفر - أي النحاس - كلما انتهت ساعة سقط منها بعدد تلك الساعة على صنج قد وضع تحتها فيرن. وذكر بعضهم أنه كان فيها فرسان بعدد تلك الكرات يخرجون من اثنتي عشرة كرة، وأنها لما وصلت إلى فرنسا أكبر الفرنسيس أمرها وكان لها عندهم موقع إعجاب عظيم.
وفي الكلام على مالطة من «معجم البلدان» لياقوت، «وآثار البلاد» للقزويني، أن أحد المهندسين صنع لصاحبها القائد يحيى صورة تعرف منها أوقات النهار بالصنج، فقال فيها أحد الشعراء: «جارية ترمي الصنج» وأجاز آخر هذا المصراع بقوله: ... ... ...
بها النفوس تبتهج
كأن من أحكمها
إلى السماء قد عرج
فطالع الأفلاك عن
سر البروج والدرج
جوار من كافور وعنبر
في «أخبار مصر» لابن ميسر أن الأفضل بن أمير الجيوش وزير الفاطميين «كان له مجلس يجلس فيه للشرب، فيه صور ثماني جوار متقابلات: أربع منهن بيض من كافور، وأربع سود من عنبر، قيام في المجلس، عليهن أفخر الثياب وأثمن الحلي، وبأيديهن أحسن الجواهر، فإذا دخل من باب المجلس استوين قائمات!»
والظاهر أن العتبة كانت متحركة، وتحتها أسلاك متصلة بالجواري، فإذا وطئت جذبت رءوسهن بحيلة مدبرة وأبقتها منكسة هنيهة، ريثما يصل الرجل إلى صدر المجلس.
امرأة من جريد وقراطيس
لما زاد ظلم الحاكم بأمر الله الفاطمي، وكان سببا لإحراق مصر
9
عمل أهلها تمثالا لامرأة من جريد وقراطيس بخف وإزار، ونصبوه في طريق الحاكم، بعد أن وضعوا في يد المرأة رقعة كأنها ظلامة، فلما رآها الحاكم غضب لأنه كان قد منع النساء من الخروج في الطرق، وأخذ الورقة منها فإذا فيها ما استعظمه من السب، فأمر بالمرأة أن تؤخذ فوجدوها من جريد، وعلم أنها من عمل أهل مصر، فاشتد غضبه وأمر عبيده بإحراق المدينة، فأحرقوا ثلثها ونهبوا نصفها.
ذكر ابن الأثير في «الكامل»، في كلامه على قتل الحاكم بأمر الله وسيرته، أنه وقعت قصة مشابهة لها في مدة أبيه العزيز، ونص عبارته:
قيل إنه ولى عيسى بن نسطورس النصراني كتابته، واستناب بالشام يهوديا اسمه منشا، فاعتز بهما النصارى واليهود، وآذوا المسلمين، فعمد أهل مصر وكتبوا قصة جعلوها في يد صورة عملوها من قراطيس، وكتبوا فيها: «بالذي أعز اليهود بمنشا، والنصارى بعيسى بن نسطورس، وأذل المسلمين بك إلا كشفت ظلامتي!» وأقعدوا تلك الصورة على طريق العزيز والرقعة بيدها، فلما رآها أمر بأخذها، فلما قرأ ما فيها ورأى الصورة من قراطيس علم ما أريد بذلك، فقبض عليهما وأخذ من عيسى ثلاثمئة ألف دينار، ومن اليهودي شيئا كثيرا.
تماثيل من الحلوى
كان من عادة الفاطميين في مصر الإكثار من عمل الحلوى في الأسمطة على هيئة تماثيل، ذكر ناصر خسرو في رحلته «سفر نامه» لمناسبة المواسم والأعياد واتخاذها على أشكال شتى، أنه لما توصل إلى دخول الإيوان المقام به سماط عيد الفطر بمصر سنة 440ه، شاهد عليه تمثال شجرة من السكر تشبه شجر الأترج بأغصانها وأوراقها وثمارها.
وفي «خطط المقريزي» في ذكر سماط عيد الفطر، نقلا عن «التاريخ الكبير» للمسبحي، ما نصه: وفي آخر يوم منه - يعني شهر رمضان سنة ثمانين وثلاثمئة - حمل يانس الصقلبي، صاحب الشرطة السفلى، السماط وقصور السكر والتماثيل وأطباقا فيها تماثيل حلوى، وحمل أيضا علي بن سعد المحتسب القصور وتماثيل السكر.
وفي «طبقات الشافعية» للسبكي في ترجمة أبي علي الروذباري المتوفى سنة اثنين أو ثلاث وعشرين وثلاثمئة، وكان من أئمة الصوفية، أنه اشترى مرة أحمالا من السكر الأبيض، ودعا جماعة من صناع الحلوى فعملوا له من السكر جدارا عليه شرفات ومحاريب على أعمدة، ونقشوها كلها من سكر، ثم دعا الصوفية فهدموها وكسروها وانتهبوها.
وقال ابن جبير في رحلته في وصف أسواق مكة: «وأما الحلوى فتصنع منها أنواع غريبة من العسل والسكر المعقود على صفات شتى، يصنعون بها حكايات جميع الفواكه الرطبة واليابسة. وفي الأشهر الثلاثة رجب وشعبان ورمضان، تتصل منها أسمطة بين الصفا والمروة، ولم يشاهد أحد أكمل منظرا منها لا بمصر ولا بسواها، قد صورت منها تصاوير إنسانية وفاكهية، وجليت في منصات كأنها العرائس، ونضدت بسائر أنواعها المنضدة الملونة، فتلوح كأنها الأزاهر حسنا، فتقيد الأبصار وتستنزل الدرهم والدينار.»
سمك يسبح في عسل
وقال المتنبي، وقد أهدى إليه بعضهم تماثيل سمك من سكر ولوز تسبح في لجة عسل:
أهلا وسهلا بما بعثت به
إيها أبا قاسم وبالرسل
هدية ما رأيت مهديها
إلا رأيت العباد في رجل
أقل ما في أقلها سمك
يلعب في بركة من العسل
تماثيل فيل من حلاوة
وقال إبراهيم المعمار - المعروف بابن غلام النوري - في تمثال فيل من الحلوى:
قد صوروا الفيل الكبي
ر حلاوة وله طلاوة
ما قولكم في معشر
الفيل عندهم حلاوة؟!
حلوى «المشاش»: من العسل
وأنشد الثعالبي في «اليتيمة» للمأموني في مشاش الخليفة:
جمعت حباب الكأس حتى لحقته
فكونت منه في الإناء بدورا
فإن لمسته الكأس لمسا لكفه
رأيت الذي نظمت منه نثيرا
وأصل «المشاش»، بفتح أوله، لفظ فارسي، يطلق على حلوى تعقد من العسل.
ورأيت في كتاب «كنز الفوائد في تنويع الموائد» أنه نوع من الحلوى، يجعل مادة لعمل التماثيل، وخلاصة ما ذكره أنه جلاب - نوع من السكر - يعقد على النار، ويضرب بالمهراس حتى يفور، فيقلب على رخامة ويترك ساعة، ثم يلون بالأصباغ، قال: «وهذا الذي تعمل منه جميع التماثيل المختلفة.»
تماثيل القصور: أسد يرمي الماء
قال الوزير أبو جعفر الوقشي، وقد شرب على صهريج فاختنق الأسد الذي يرمي الماء، ونفخ فيه رجل أبخر فجرى:
ليث بديع الشكل لا مثل له
صيغت من الماء له سلسلة
يقذف بالماء على جنبه
كأنه عاف الذي قبله
ولعمري لقد أبدع الوزير في الوصف، فجعل اشمئزاز الأسد من تقبيل الرجل الأبخر علة لرميه بالماء على جنبه، كما يعاف المرء الشيء فيلوي وجهه عنه، ولولا اختناقه بشيء دخل في فيه مع الماء، ما تهيأ للوزير وصف هذا الشكل بمثل هذا التعليق المونق.
وخرج ابن قزمان شيخ الصناعة الزجلية بالأندلس إلى متنزه مع بعض أصحابه، فجلسوا تحت عريش، وأمامهم تمثال أسد من رخام يصب الماء على صفائح من الحجر، فقال على طريقتهم الملحونة - في الزجل - أي بتسكين أواخر الكلم:
وعريش قد قام على دكان
بحال
10
رواق
وأسد قد ابتلع ثعبان
من غلظ ساق
وفتح فمو بحال إنسان
به الفواق
وانطلق من ثم على الصفاح
وألقى الصياح
وشرب يوما أبو الحسن بن نزار مع أبي جعفر بن سعيد، في جنة بزاوية غرناطة، وفيها صهريج ماء قد أحدق به شجر النارنج والليمون، وعليه أنبوب ماء تتحرك به صورة جارية راقصة بسيوف، وبه أيضا رخام يجعل الماء على صورة خباء، فقال أبو جعفر يصف الراقصة:
وراقصة ليست تحرك دون أن
يحركها سيف من الماء مصلت
يدور بها كرها فتنضي صوارما
عليه فلا تعيا ولا هو يبهت
إذا هي دارت سرعة خلت أنها
إلى كل وجه في الرياض تلفت
وقال ابن نزار في خباء الماء:
رأيت خباء الماء ترسل ماءها
فنازعها هب الرياح رذاذها
تطاوعه طورا وتعصيه تارة
كراقصة حلت وضمت قباءها
وقد قابلت خير الأنام فلم تزل
لديه من العلياء تبدي حياءها
مملكة في حمام سيف الدين بدمشق
ومن الحمامات المصورة حمام سيف الدين بدمشق، وفيه يقول عمر بن مسعود الحلبي الشهير ب «المحار»
11
من قصيدة:
وخط فيها كل شخص إذا
لاحظته تحسبه ينطق
ومثل الأشجار في لونها
ولينها لو أنها تورق
أطيارها من فوق أغصانها
بودها تنطق أو تزعق
وهيئة الملك وسلطانه
وجيشه من حوله يحدق
هذا بسيف وله عبسة
وذا بقوس وبه يعلق
حكم التصاوير في الحمام
ووقفت في كتاب «حدائق التمام في الكلام على ما يتعلق بالحمام» لشهاب الدين أحمد بن محمد بن الحسن بن أحمد الخيمي الكوكباني، من علماء القرن الثاني عشر؛ على فصل يدل على أن تصوير جدران الحمامات لم يكن بالنادر المستغرب بينهم، بل كان كثير الشيوع، حتى لهج بإنكاره فريق من العلماء، وهو رأي المؤلف أيضا، ونص ما فيه:
قال الحكماء: وينبغي أن يكون مسلخ الحمام - أي مخلعه الذي تخلع فيه الثياب عن الأبدان - لطيف الصنعة، واسع الفضاء، وأن تكون فيه التصاوير من الصور اللطيفة الأنيقة كالأشجار والأزهار والأشكال الحسنة والعجائب من الأسلحة ونحوها؛ لأجل تحصيل الراحة بالنظر فيها عند الاتكاء وقد حلل الحمام القوى، لأن المسلخ إذا كان كذلك كان موافقا للقوى الثلاث لأن التحليل واقع فيها بما فيه مما ذكر ؛ فالأشجار ونحوها للنفسية، والأسلحة للحيوانية، والثمار للطبيعية. فلا شك في أن الحمام آخذ من القوى محلل بلا لبس، خصوصا إذا طال المقام فيه، والنظر في الأشياء المذكورة منعش مقو، هكذا قال الحكماء. والذي أقوله إنهم لو أرادوا بالأشكال الحسنة صور الحيوانات الممثلة في جدران الحمام، فذلك من المنكرات التي تجب إزالتها عند العلماء وأهل الورع، قال الإمام أحمد بن حنبل: إن الإنسان إذا دخل الحمام ورأى فيه صورة فينبغي أن يحكها فإن لم يقدر خرج.
وقال الإمام الغزالي - رضي الله عنه - في كتاب «إحياء علوم الدين»، عند ذكر منكرات الحمام، ما نصه:
منها الصور على باب الحمام أو داخل الحمام، فذلك منكر تجب إزالته على كل من يدخله إن قدر عليها، فإن كان الموضع مرتفعا لا تصل إليه يده فلا يجوز له الدخول إلا لضرورة، فليعدل إلى حمام آخر فإن مشاهدة المنكر غير جائزة، ويكفيه أن يشوه وجهها ويبطل به صورتها. ولا يمنع من تصوير الأشجار وسائر النقوش سوى صورة الحيوان.
وقال الإمام يحيى بن حمزة - رضي الله عنه - في كتاب «التصفية»، عند ذكر الخمس صور من منكرات الحمام، ما لفظه:
الصورة الأولى: ما يحصل من صور الحيوانات التي على جدر الحمامات وبيوتها الداخلة والخارجة، فإن ما هذا حاله يجب تغييره، ويكفي في تغييرها قلع رءوسها وفصلها وتشويه وجوهها بحيث تبطل صورتها، ولا يمنع من صور الأشجار وسائر النقوش فإنها مباحة، فإن لم يمكن تغييرها فإنه يعدل إلى حمام آخر فإن مشاهدة المنكر غير جائزة.
خزانة الجواهر الفاطمية
ذكر المقريزي أن خزانة الجواهر والطرائف والطيب الفاطمية كانت قائمة على أرجل تصور الوحوش والسباع، وكانت التماثيل المصنوعة من العنبر فيها كثيرة، تبلغ اثنين وعشرين ألف قطعة، أقل تمثال منها وزنه اثنا عشر منا، ومنها تمثال لطاووس من الذهب المرصع بنفيس الجوهر، وعيناه من الياقوت الأحمر، وريشه من الميناء المجرى بالذهب على ألوان ريش الطواويس، ومنها ديك من الذهب ذو عرف كبير مفروق، متخذ من الياقوت كأكبر ما يكون من أعراف الديكة ، وغزال مرصع بنفيس الجوهر ذو بطن أبيض منظوم بالدر الرائع، كما ذكر تمثال البستان المصنوع من الفضة المذهبة، والمتخذ طينه من الند، وثمر شجره من العنبر وغيره.
الأصنام والدمى
وقد اختلفوا في تعريف الأصنام، فقالوا: ما كان من حجارة تعبد فهي الأنصاب، فإذا كانت تماثيل فهي الأصنام والأوثان. وقيل: المعمول من خشب أو ذهب أو فضة على صورة الإنسان فهو صنم، وإذا كان من حجارة فهو وثن. وقيل: لا يقال وثن إلا لما كان من غير صخرة كالنحاس ونحوه، وقيل: الوثن الصنم الصغير، أو كل ما له جثة معمولة من جواهر الأرض، أو من الخشب أو الحجارة كصورة الآدمي، تعمل وتنصب فتعبد، والصنم الصورة بلا جثة. وقيل غير ذلك.
وقالوا في تعريف الدمية إنها الصنم. وقيل: الصورة من الرخام أو المنقشة من العاج ونحوه. وقيل: بل كل صورة من غير تقييد. وقد لهجت العرب بتشبيه النساء بها؛ لأنها يتنوق في صنعها ويبالغ في تحسينها. وفي شرح التبريزي على «الحماسة»، نقلا عن أبي العلاء، أنها قيل لها ذلك لأنها كانت في أول الأمر تصور بالحمرة، فكأنها أخذت عن الدم. وقالوا: البعيم كأمير: التمثال من الخشب أو الدمية من الصمغ.
وفي «الروض الأنف» للسهيلي، في ذكر «القليس» - وهو بيت للعبادة بصنعاء - أنه كان به صنمان من خشب؛ أحدهما تمثال رجل طوله ستون ذراعا، والآخر تمثال امرأة زعموا أنها امرأته، وكانوا ينسبون إليهما كل ما يصيبهم.
تماثيل على قبر حاتم طيئ
وفي «مروج الذهب» للمسعودي ما محصله أن قبر حاتم طيئ كان عن يمينه أربع جوار من حجارة، وعن يساره أربع، كلهن صواحب شعر منشور، ومحتجرات على قبره كالنائحات عليه، لم ير مثل بياض أجسامهن وجمال وجوههن، مثلتهن الجن على قبره ولم يكن قبل ذلك، فهن بالنهار كما وصفنا، فإذا هدأت العيون ارتفعت أصوات الجن بالنياحة عليه، فإذا طلع الفجر سكتت، وربما مر المار فيراهن فيفتتن بهن، فإذا دنا منهن وجدهن أحجارا.
قلنا: نسبته عمل هذه التماثيل للجن مبنية على ما كانت العرب تزعم، فقد كانت إذا رأت شيئا مستحسنا أو هالها عمله نسبته للجن، ورحم الله أبا العلاء حيث يقول:
وقد كان أرباب الفصاحة كلما
رأوا حسنا عدوه من صنعة الجن
التمثال الراقص
ومن بديع التماثيل المقرونة بحيلة صناعية، تمثال جارية لها شعر طويل، تدور على لولب، وإحدى رجليها مرفوعة، وفي يدها طاقة ريحان، فإذا وقفت حذاء إنسان شرب، ثم ينقرها فتدور، رآها المتنبي في مجلس بدر بن عمار، فقال مرتجلا:
وجارية شعرها شطرها
محكمة نافذ أمرها
تدور على يدها طاقة
تضمنها مكرها شبرها
فإن أسكرتنا ففي جهلها
بما فعلته بنا عذرها
وقال أيضا فيها:
جارية ما لجسمها روح
في القلب من حبها تباريح
في يدها طاقة تشير بها
لكل طيب من طيبها ريح
سأشرب الكأس عن إشارتها
ودمع عيني في الخد مسفوح
وقال أيضا، وقد شرب ودارت فوقفت حذاء بدر:
يا ذا المعالي ومعدن الأدب
سيدنا وابن سيد العرب
أنت عليم بكل معجزة
ولو سألنا سواك لم يجب
أهذه قابلتك راقصة
أم رفعت رجلها من التعب؟!
وقال أيضا فيها:
إن الأمير أدام الله دولته
لفاخر كسيت فخرا به مضر
في الشرب جارية من تحتها خشب
ما كان والدها جن ولا بشر
قامت على فرد رجل من مهابته
وليس تعقل ما تأتي وما تذر
وقال وقد سقطت في دورانها:
ما نقلت في مشينة قدما
ولا اشتكت من دوارها ألما
لم أر شخصا من قبل رؤيتها
يفعل أفعالها وما عزما
فلا تلمها على تواقعها
أطربها أن رأتك مبتسما
وأمر بدر بأن ترفع، فقال:
وذات غدائر لا عيب فيها
سوى أن ليس تصلح للعناق
إذا هجرت فعن غير اجتناب
وإن زارت فعن غير اشتياق
أمرت بأن تشال ففارقتنا
ولم تألم لحادثة الفراق
وفي بعض نسخ ديوان المتنبي أنه وصفها بشعر كثير وهجاها بمثله، ولكنه لم يحفظ.
وكانوا يقيمون التماثيل في البرك ويسلطون الماء عليها، فيصب منها إلى البركة، وفي أحد هذه التماثيل يقول عمر بن مسعود الحلبي المعروف ب «المحار»، وكان التمثال من نحاس على صورة شخص يخرج الماء من أعضائه:
وشخص على ساقه قائم
مشير بساعده الأيمن
له صورة حسنت منظرا
على بدن صيغ من معدن
يكاد يحدث جلاسه
ولكن به خرس الألكن
إذا بث من صدره سره
فتسبقه أدمع الأعين
ولم يبك حزنا على نازح
ولم يصب شوقا إلى موطن
صبور على الحر والبرد لم
يسر بحال ولم يحزن
ومما يلحق بهذه التماثيل ما كانوا يصورون به جآجئ السفن من أشكال الحيوان وجوارح الطير وغيرها، كما فعل الأمين بن الرشيد بتصويره حراقاته
12
الخمس بصورة الأسد والدلفين والعقاب والحية والفرس، وإنفاقه عليها مالا عظيما. وفيها يقول أبو نواس:
سخر الله للأمين مطايا
لم تسخر لصاحب المحراب
13
فإذا ما ركابه سرن برا
سار في الماء راكبا ليث غاب
أسدا باسطا ذراعيه يعدو
أهرت الشدق كالح الأنياب
لا يعانيه باللجام ولا السو
ط ولا غمز رجله في الركاب
عجب الناس إذا رأوك على صو
رة ليث يمر مر السحاب
سبحوا إذا رأوك سرت عليه
كيف لو أبصروك فوق العقاب
ذات زور ومنسر وجناحي
ن تشق العباب بعد العباب
تسبق الطير في السماء إذا ما اس
تعجلوها بجيئة وذهاب
وقال من أخرى:
قد ركب الدلفين بدر الدجى
مقتحما للماء قد لججا
14
لم تر عيني مثله مركبا
أحسن إن سار وإن عرجا
إذا استحثته مجاذيفه
أعنق فوق الماء أو هملجا
15
وقال من رجز:
ألا ترى ما أعطي الأمين
أعطي ما لم تره العيون
ولم تكن تبلغه الظنون
الليث والعقاب والدلفين
التماثيل في المغرب
فإذا تركنا المشرق وتماثيله، وأخذت بيدك لتشرف معي على الأندلس، موطن الحضارة العربية ومعهد التفنن والاختراع؛ لرأينا عجبا، واستجلينا بدعا، بل استنتجنا من خبر القوم في قصورهم وجنانهم أنهم كانوا أشد مغالاة بها، وأحرص على الاستكثار منها من أهل المشرق، وحسبنا ما أقامه الناصر من تماثيل الرخام وغيره بالزهراء، وما أقيم من التماثيل في حمراء غرناطة الباقية إلى اليوم تعارك الدهر.
قال المقري في «نفح الطيب»، في كلامه على قصور «الزهراء»:
إن أحمد البوناني جلب لعبد الرحمن الناصر من الشام، وقيل: من القسطنطينية، حوضا صغيرا أخضر، منقوشا بتماثيل الإنسان، لا تقدر له قيمة لفرط غرابته وجماله، فنصبه الناصر في بيت المنام في المجلس الشرقي بالزهراء المعروف بالمؤنس، وجعل عليه اثني عشر تمثالا من الذهب الأحمر، مرصعة بالدر النفيس الغالي مما عمل بدار الصناعة بقرطبة، وهي صورة أسد إلى جانبه غزال إلى جانبه تمساح، وفيما يقابله ثعبان وعقاب وفيل، وفي المجنبتين حمامة وشاهين وطاووس ودجاجة وديك وحدأة ونسر،
16
وكل ذلك من ذهب مرصع بالجوهر النفيس، ويخرج الماء من أفواهها.
من أعظم آثار الملوك
وقال في موضع آخر:
وفي صدر هذه السنة كمل للناصر بنيان القناة الغريبة الصنعة التي أجراها، وجرى فيها الماء العذب من جبل قرطبة إلى قصر الناعورة غربي قرطبة. في المناهر المهندسة وعلى الحنايا المعقودة يجري ماؤها بتدبير عجيب وصنعة محكمة، إلى بركة عظيمة عليها أسد عظيم الصورة، بديع الصنعة، شديد الروعة، لم يشاهد أبهى منه فيما صور الملوك في غابر الدهر، مطلي بذهب إبريز، وعيناه جوهرتان لهما وميض شديد، يجوز هذا الماء إلى عجز هذا الأسد فيمجه في تلك البركة من فيه، فيبهر الناظر بحسنه وروعة منظره، وثجاجة صبه، فتسقى من مجاجه جنان هذا القصر على سعتها، ويستفيض على ساحاته وجنباته، ويمد النهر الأعظم بما فضل منه! فكانت هذه القناة وبركتها والتمثال الذي يصب فيها من أعظم آثار الملوك.
فيل من فضة على شاطئ بركة
وكان في قصر المعتمد فيل من فضة على شاطئ بركة يقذف الماء، وهو الذي يقول فيه عبد الجليل بن وهبون من قصيدة:
ويفرغ فيه مثل النصل بدع
من الأفيال لا يشكو ملالا
رعى رطب اللجين فجاء صلدا
تراه قلما يخشى هزالا
وقال يحيى بن هذيل في غزالة من نحاس ترمي الماء في بركة:
عنت لنا من وحش وجرة ظبية
جاءت لورد الماء ملء عنانها
وأظنها إذ حددت آذانها
ريعت بنا فتوقفت بمكانها
حيت بقرني رأسها إذ لم تجد
يوم اللقاء تحية ببنانها
حنت على الندمان من إفلاسهم
فرمت قضيب لجينها لحنانها
لله در غزالة أبدت لنا
در الحباب تصوغه بلسانها!
ولما أراد أحد سلاطين مراكش في القرن الثاني عشر إبرام هدنة مع الإسبان، ندب لذلك السيد أحمد بن محمد بن غزال الفاسي، وبعثه سفيرا لملكهم سنة 1179ه، فكان مما شاهده ب «إشبيلية» ووصفه في رحلته «نتيجة الاجتهاد في المهادنة والجهاد»؛ دار عربية كبيرة كانت لم تزل قائمة على عهده، يقول في أثناء وصفه لها ولجنتها: «وبأعلى السور تصويرة آدمي، وبيده بوق متصل بفيه يزعق فيه، ولا يسكت إلا إذا انقطع الماء، وبهذا الروض عدة صهاريج استوعب جميعها تصاوير يدفق الماء من فيها.»
بركة عليها أشجار مذهبة
وقس على الأندلس سائر بلاد المغرب، وما كان في قصورها من الصور والتماثيل، كالدار التي بناها المنصور بن أعلى الناس
17
ببجاية، واتخذ في بستانها بركة عليها أشجار مذهبة ترمي أغصانها الماء، وعلى حافاتها أسود مذهبة قاذفة بالماء أيضا.
وفيها يقول ابن حمديس:
وضراغم سكنت عرين رياسة
تركت خرير الماء فيه زئيرا
فكأنما غشى النضار جسومها
وأذاب من أفواهها البلورا
أسد كأن سكونها متحرك
في النفس لو وجدت هناك مثيرا
إلى أن يقول في الأشجار:
وبديعة الثمرات تعبر نحوها
عيناي بحر عجائب مسجورا
شجرية ذهبية نزعت إلى
سحر يؤثر في النهى تأثيرا
إلى آخر ما قال في وصفها. وله من قصيدة أخرى يصف فيها بركة يجري إليها الماء من شاذروان من أفواه طيور وزرافات وأسود:
خصت بطائرة على فنن لها
حسنت فأفرد حسنها من ثان
قس الطيور الخاشعات بلاغة
وفصاحة من منطق وبيان
فإذا أتيح لها الكلام تكلمت
بخرير ماء دائم الهملان
إلى أن يقول:
وزرافة في الجوف في أنبوبها
ماء يريك الجري في الطيران
وكأنما ترمي السماء ببندق
مستنبط من لؤلؤ وجمان
في بركة قامت على حافاتها
أسد تذل لعزة السلطان
وهي طويلة، نكتفي منها بهذا المقدار.
تمثال جاريتين في تدمر بالشام
وروى ياقوت في «معجم البلدان»، في كلامه على آثار تدمر في الشام، أنه كان من جملة التصاوير التي بها صورة جاريتين من حجارة، فمر بهما أوس بن ثعلبة التيمي، صاحب قصر أوس بالبصرة، فاستحسنهما وقال:
فتاتى أهل تدمر خبراني
ألما تسأما طول القيام؟!
قيامكما على غير الحشايا
على جبل أصم من الرخام
فكم قد مر من عدد الليالي
لعصركما وعام بعد عام!
وإنكما على مر الليالي
لأبقى من فروع ابني سمام
ويروى عن الحسن بن أبي سرح عن أبيه قال: دخلت مع أبي دلف إلى الشام، فلما دخلنا تدمر ووقف على صورتين هناك، أخبرته بخبر أوس بن ثعلبة، وأنشدته شعره فيهما، فأطرق قليلا ثم أنشدني:
ما صورتان بتدمر قد راعتا
أهل الحجى وجماعة العشاق!
غبرا على طول الزمان ومره
لم يسأما من ألفة وعناق
18
فليرمين الدهر على نكباته
شخصيهما منه بسهم فراق
وليبلينهما الزمان بكره
وتعاقب الإظلام والإشراق
كي يعلم العلماء أن لا واحدا
غير الإله الواحد الخلاق
وقال محمد بن الحاجب يذكرهما:
أتدمر صورتاك هما بقلبي
غرام ليس يشبهه غرام
أفكر فيكما فيطير نومي
إذا أخذت مضاجعها النيام
أقول من التعجب أي شيء
أقامهما فقد طال القيام؟!
أملكتا قيام الدهر طبعا
فذلك ليس يملكه الأنام؟!
19
كأنهما معا قرنان قاما
ألجهما لدى قاض خصام
20
يمر الدهر يوما بعد يوم
ويمضي عامه يتلوه عام
ومكثهما يزيدهما جمالا
جمال الدر زينه النظام
وما تعروهما نكبات دهر
سجيته اصطلام واخترام
21
وقال أبو الحسن العجلي فيهما:
أرى بتدمر تمثالين زانهما
تنوق الصانع المستغرق الفطن
هما اللتان يروق العين حسنهما
يستعطفان قلوب الخلق بالفطن
حكم التصوير في الإسلام
في صحيح البخاري:
عن بسر بن سعيد، عن زيد بن خالد، عن أبي طلحة صاحب رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، قال: إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم
قال: إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه الصورة.
قال بسر: ثم اشتكى زيد فعدناه، فإذا على بابه ستر فيه صورة، فقلت لعبيد الله ربيب ميمونة زوج النبي
صلى الله عليه وسلم : ألم يخبر زيد عن الصورة يوم الأول؟ فقال عبيد الله: ألم تسمعه حين قال: إلا رقما في ثوب؟
وفي «الكامل» لابن الأثير، في حوادث سنة اثنتين وثلاثين للهجرة، أن عبد الرحمن بن ربيعة كان له سيف يسمى بالنون؛ ولذلك قيل له «ذو النون»، والظاهر أنه كان متخذا له مثال سمكة أيضا كسيف مالك بن زهير، فسمي بذلك.
وفي «الكامل» أيضا، في ذكر سلاح النبي
صلى الله عليه وسلم
أنه كان له ترس فيه تمثال رأس كبش، فكرهه لذلك.
وفي باب التصاوير من «صحيح البخاري» عن مسلم أنه قال:
كنا مع مسروق في دار يسار بن نمير، فرأى في صفته تماثيل، فقال: سمعت عبد الله قال: سمعت النبي
صلى الله عليه وسلم
يقول: إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون.
والمراد هنا بالتماثيل أيضا الصور المنقوشة بالدهان على جدران الصفة، على ما يفهم من شروح «صحيح البخاري».
من خطبة للإمام علي رضي الله عنه
ومن خطبة للإمام علي - رضي الله عنه - في وصف النبي، عليه الصلاة والسلام:
ويكون الستر على باب بيته فتكون فيه التصاوير، فيقول: يا فلانة - لإحدى زوجاته - غيبيه عني؛ فإني إذا نظرت إليه ذكرت الدنيا وزخارفها. فأعرض عن الدنيا بقلبه، وأمات ذكرها من نفسه، وأحب أن تغيب زينتها عن عينيه؛ لكيلا يتخذ منها رياشا.
وذكر العليمي في «المنهج الأحمد» عن أحمد بن علي العلثي، أحد الزهاد، أنه كان عفيفا لا يسأل أحدا شيئا، ويتقوت من عمل يده بتجصيص الحيطان، ويتنزه في صناعته عن عمل النقوش والصور، ثم ترك صناعته بسبب دخوله مرة دار السلطان للعمل مع الصناع، وكان فيها صور من الأسفيداج، فلما خلا كسرها كلها، فاستعظموا ذلك منه، وانتهى أمره إلى السلطان، وأخبروه بصلاحه فأمر بإخراجه ولم يعاقبه.
صور على الستور المنسوجة بالذهب
ذكر المقريزي في خططه، في الكلام على خزائن الفرش والأمتعة الفاطمية، أنه كان بها من الستور الحرير المنسوجة بالذهب على اختلاف ألوانها وأطوالها؛ عدة مئين تقارب «الألف» فيها صور الدول وملوكها والمشهورين فيها، مكتوب على صورة كل واحد اسمه ومدة أيامه وشرح حاله.
وفي مقدمة تاريخ مدينة السلام للخطيب في وصف ما هيأه المقتدر لملاقاة رسول ملك الروم: «كان عدد ما علق في قصور أمير المؤمنين المقتدر بالله من الستور الديباج المذهبة بالطرز المذهبة الجليلة المصورة بالجامات، والفيلة، والخيل، والجمال، والسباع، والطيور، والستور الكبار البصنائية،
22
والأرمنية، والواسطية، والبهنسية السواذج، والمنقوشة، والدبيفية المطرزة؛ ثمانية وثلاثين ألف ستر!»
وقال أبو العلاء المعري مما كتب على ستر فيه صور طيور:
الحسن يعلم أن من واريته
قمر تستر في غمام أبيض
غشي الطيور غوافلا فتحيرت
منه فلم تبرح ولم تتنفض
وقال المتنبي يصف سترا مصورا:
نافست فيه صورة في ستره
لو كنتها لخفيت حتى يظهرا
لا نترب الأيدي المقيمة فوقه
كسرى مقام الحاجبين وقيصرا
تماثيل الزهر والنور
لم يقتصر عرب الأندلس على اتخاذ التماثيل مما تتخذ منه عادة، بل تفننوا في التلاهي بصوغها من الزهر والنور أيضا، كما روي عن المنصور بن أبي عامر، وقد أراد امتحان بداهة صاعد اللغوي، فاستدعاه لمجلسه، وقد أعد طبقا عظيما جعل فيه سفائف
23
مصنوعة من أنواع النور، وصنع على السفائف مركبا من ياسمين فيه أمثال الجواري، وتحت السفائف بركة ماء قد ألقى فيها لؤلؤا مثل الحصباء، وطلب منه وصفها، فقال بديهة:
أبا عامر هل غير جدواك واكف؟
وهل غير من عاداك في الناس خائف؟
يسوق إليك الدهر كل غريبة
وأغرب ما يلقاه عندك واصف
وشائع نور صاغها صيب الحيا
عليها فمنها عبقر ورفارف
ولما تناهى الحسن فيها تقابلت
عليها بأنواع الملاهي الوصائف
كمثل الظباء المستكنة كنسا
تظللها بالياسمين السفائف
إلى آخر ما قال، وكان إلى ناحية تلك السفائف سفينة فيها جارية من النوار، تجذف بمجاذيف من ذهب لم يرها صاعد، فقال المنصور: أجدت إلا أنك لم تصف هذه الجارية، فقال:
وأعجب منها غادة في سفينة
مكللة يهفو إليها المهاتف
إذا راعها موج من الماء تتقي
بسكانها ما أنذرته العواصف
متى كانت الحسناء ربان مركب
تصرف في يمنى يديها المجاذف
ولم تر عيني في البلاد حديقة
تنقلها في الراحتين الوصائف
وكان «قصر الورد» يتخذ في مصر للخلفاء الفاطميين بالخاقانية، وهي قرية من قرى قليوب كانت من خاص الخليفة، وبها جنان كثيرة يغرس فيها الورد، وكانت من أحسن المتنزهات المصرية.
وكان هذا القصر من أيام الفاطميين المعدودة، يسير فيه الخليفة إلى تلك القرية، ويصنع له فيها قصر عظيم من الورد، ويخدم بضيافة عظيمة، على ما ذكره المقريزي في خططه.
بستان خمارويه
ومما يحسن الاستطراد إلى ذكره وإلحاقه بتماثيل الزهر ما كانت تزين به بساتين مصر، من النقش والكتابة بأنواع الرياحين، على ما هو مفصل في الخطط المذكورة
24
في الكلام على بستان خمارويه،
25
وقد آثرنا نقل وصف هذا البستان برمته؛ لما فيه من الدلالة على مبلغ القوم في مظهر من مظاهر حضارتهم، قال: «لما مات أحمد بن طولون، وقام من بعده ابنه خمارويه، أقبل على قصر أبيه وزاد فيه، وأخذ الميدان الذي كان لأبيه فجعله كله بستانا، وزرع فيه أنواع الرياحين وأصناف الشجر، ونقل إليه الودي
26
اللطيف الذي ينال ثمره القائم ومنه يتناوله الجالس من أصناف خيار النخل، وحمل إليه كل صنف من الشجر المطعم العجيب وأنواع الورد، وزرع فيه الزعفران، وكسا أجسام النخل نحاسا مذهبا حسن الصنعة، وجعل بين النحاس وأجساد النخل مزاريب
27
الرصاص، وأجرى فيها الماء المدبر، فكان يخرج من تضاعيف قائم النخل عيون الماء، فتنحدر إلى فساقي معمولة، ويفيض منها الماء إلى مجار تسقي سائر البستان، وغرس فيه الريحان على نقوش وكتابات يتعاهدها البستاني بالمقراض حتى لا تزيد ورقة على ورقة، وزرع فيه النيلوفر
28
الأحمر والأزرق والأصفر والجنوي العجيب. وطعموا له شجر المشمش باللوز وأشباه ذلك من كل ما يستظرف ويستحسن، وبنى فيه برجا من خشب الساج
29
المنقوش بالنقر النافذ ليقوم مقام الأقفاص، وزوقه بأصناف الأصباغ، وبلط أرضه، وجعل في تضاعيفه أنهارا لطافا، جداولها يجري فيها الماء مدبرا من السواقي من الآبار العذبة، ويسقى منها الأشجار وغيرها. كما سرح في البرج من أصناف القماري والدباسي
30
والنونيات، وكل طائر مستحسن حسن الصوت، وجعل فيه أوكارا من قواديس لطيفة ممكنة في جوف الحيطان لتفرخ الطيور فيها، وعارض لها عيدانا في جوانبه لتقف عليها إذا تطايرت حتى تجاوب بعضها بعضا بالصياح، وسرح في البستان من الطير العجيب كالطواويس ودجاج الحبش ونحوها شيئا كثيرا.
وعمل في داره مجلسا برواقه سماه بيت الذهب، طلى حيطانه كلها بالذهب المجاول
31
باللازورد المعمول في أحسن نقش وأظرف تفصيل، وجعل فيه على مقدار قامة ونصف صورا في حيطانه بارزة من خشب معمول على صورته وصورة حظاياه، والمغنيات اللاتي يغنينه بأحسن تصوير، وأبهج تزويق، وجعل على رءوسهن الأكاليل من الذهب الخالص الإبريز الرزين والكرازن
32
المرصعة بأصناف الجواهر، وفي آذانها الأجراس
33
الثقال الوزن المحكمة الصنعة، وهي مسمرة في الحيطان، ولونت أجسامها بأصناف أشباه الثياب من الأصباغ العجيبة! فكان هذا البيت من أعجب مباني الدنيا.»
بطيخة من الند عليها قلادة من لؤلؤ
ومما روي عن المتنبي أنه دخل على أبي العشائر الحسين بن علي بن حمدان، ورأى في يده بطيخة من ند في غشاء من خيزران، وعليها قلادة من لؤلؤ، فحياه بها وطلب منه تشبيهها، فقال:
وبنية من خيزران ضمنت
بطيخة نبتت بنار في يد
نظم الأمير لها قلادة من لؤلؤ
كفعاله وكلامه في المشهد
كالكأس باشرها المزاج فأبرزت
زبدا يدور على شراب أسود
وقال فيها ارتجالا أيضا:
وسوداء منظوم عليها لآلئ
لها صورة البطيخ وهي من الند
كأن بقايا عنبر فوق رأسها
طلوع رواعي الشيب في الشعر الجعد
زر ذهب في كرة عنبر
كان الملك العزيز بن صلاح الدين يميل إلى القاضي الفاضل في حياة أبيه، فاتفق أن العزيز هوي قينة شغلته عن مصالحه، وبلغ ذلك والده فأمره بتركها، ومنعها من صحبته، فشق ذلك عليه، وضاق صدره، ولم يجسر أن يجتمع بها، فلما طال ذلك بينهما سيرت له مع بعض الخدم «كرة عنبر»، فكسرها فوجد في وسطها زر ذهب، ففكر فيه، ولم يعرف معناه، واتفق حضور القاضي فعرفه الصورة، فعمل القاضي الفاضل في ذلك بيتين وأرسل بهما إليه، وهما:
أهدت لك العنبر في وسطه
زر من التبر دقيق اللحام
فالزر في العنبر معناهما
زر هكذا مستترا في الظلام!
فعلم العزيز أنها أرادت زيارته في الليل. وهذا وإن كان خارجا عما قصدناه، فقد ساقتنا المناسبة إلى ذكره.
في دار ابن زريك فارس المسلمين
ووصف عمارة اليمني في قصيدة له ستورا عليها تصاوير في دار «بدر بن زريك» فارس المسلمين، كما ذكر حريق منظرته على الخليج، قال:
34
ألبستها بيض الستور وحمرها
فأتت كزهر الروض أبيض أحمرا
فمجالس كسيت رقيما أبيضا
ومجالس كسيت طميما أصفرا
لم يبق نوع صامت أو ناطق
إلا غدا فيها الجميع مصورا
فيها حدائق لم تجدها ديمة
أبدا ولا نبتت على وجه الثرى
لم يبد فيها الروض إلا مزهرا
والنخل والرمان إلا مثمرا
والطير مذ وقعت على أغصانها
وثمارها لم تستطع أن تنفرا
وبها من الحيوان كل مشهر
لبس الوشيح العبقري مشهرا
35
لا تعدم الأبصار بين مروجها
ليثا ولا ظبيا بوجرة أعفرا
أنست نوافر وحشها بسباعها
فظباؤها لا تتقي أسد الشرى
وكأن صولتك المخيفة أمنت
أسرابها ألا تراع وتذعرا
وبها زرافات كأن رقابها
في الطول ألوية تؤم العسكرا
نوبية المنشا تريك من المها
روقا ومن بزل المهاري مشفرا
جبلت على الإقعاء من إعجابها
فتخالها للتيه تمشي القهقرى
صور على جدران الكعبة المشرفة
كانت الكعبة المعظمة مصورة الجدران في الجاهلية، فلما فتحت مكة المكرمة أزيلت تلك الصور. ذكر ابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة» أن النبي - عليه الصلاة والسلام - بعث عمر بن الخطاب ومعه عثمان بن طلحة، وأمره أن يفتح البيت فلا يدع فيه صورة ولا تمثالا إلا محاهما، فأزالهما عمر، وترك صورة إبراهيم - عليه السلام - فأمره بمحوها،
36
وقال: «قاتلهم الله جعلوه شيخا يستقسم بالأزلام!»
وذكر أيضا في رواية عن أسامة بن زيد أنه قال: دخلت مع رسول الله - صلى الله عليه وآله - الكعبة، فرأى فيها صورا، فأمرني أن آتيه في الدلو بماء، فجعل يبل الثوب ويضرب به الصور ويقول: «قاتل الله قوما يصورون ما لا يخلقون!»
وذكر العلامة ابن حجر في «فتح الباري شرح صحيح البخاري»، في شرح غزوة الفتح، ما يستفاد منه أن بقية بقيت من تلك الصور لخفائها على من محاها.
صورة مريم وعيسى عليهما السلام
وروي عن أبي عائذ في المغازي أن صورة عيسى وأمه - عليهما السلام - بقيتا حتى رآهما بعض من أسلم من نصارى غسان، فقال: «إنكما لببلاد غربة!» فلما هدم ابن الزبير البيت ذهبتا فلم يبق لهما أثر.
ثم روي بعد ذلك عن ابن جريح أن بعضهم أدرك في الكعبة تمثال مريم - عليها السلام - وفي حجرها ابنها مزوقا، وكان ذلك في العمود الأوسط الذي يلي الباب، ثم ذهب في الحريق.
ولعل المراد بالتمثال هنا الصورة المنقوشة لا المخروطة، بدليل قوله «مزوقا»، أي مصورا بالدهان.
صورة للشمس والهلال
عثر المنقبون من الإفرنج في آثار اليمن على نقوش في الجدران فيها صور أناس يمانين؛ بين رجالة، وفرسان، ومتقربين بالضحايا للأوثان.
وذكر الهمداني في «الإكليل» في كلامه على «رئام» أنه كان أمام قصر أحد ملوك اليمن حائط فيه بلاطة فيها صورة الشمس والهلال، فإذا خرج الملك ورآها كفر لها، بأن يضع راحته تحت ذقنه، ثم يخر بذقنه عليها.
وذكر في موضع آخر من هذا الكتاب قصرا كان بتدمر قديما، مصور الحيطان، وأورد قصيدة في وصفه تنسب للنابغة وليست له، ذكر فيها أنواع هذه الصور من فرسان مدججين، وصنوف من الحيوان كالثعالب، والفيلة، والأسود وغيرها، إلا أن التحريف الغالب عليها منعنا من إيرادها.
القصر الأبلق في دمشق
كان القصر الأبلق الذي بناه الظاهر بيبرس في مرجة دمشق، وقد وصفه ابن طولون في «ذخائر القصر في تراجم نبلاء العصر» فقال: «كان من عجائب الدنيا، يشرف على الميدان الأخضر شرقيه، أنشأه الملك الظاهر ركن الدين عقب رجوعه من حجته في المحرم سنة ثمان وستين وستمائة، كذا رأيت هذا التاريخ أعلى بابه الشمالي، وعلى أسكفته ضرب خيط من رخام أبيض، ووسطه مكتوب: «عمل إبراهيم بن غنائم المهندس»، وبابه الآخر ينفذ إلى الميدان، وفي واجهته البلقاء ثلاثون شباكا، سوى القماري، ووسطه قاعة بأربعة لواوين
37
قبلي وشمالي، في صدرهما شاذروانان، وغربي وشرقي في صدر كل منهما ثلاثة شبابيك، فالغربيات مطلات على الطريق الآخذ إلى الحمام وتربة الصوفية، والشرقيات مطلات على الميدان.»
حمام الشطارة بإشبيلية
كان بحمام الشطارة بإشبيلية صورة بديعة الشكل، جلاها لنا أحد شعراء الأندلس بقوله:
ودمية مرمر تزهو بجيد
تناهى في التورد والبياض
لها ولد ولم تعرف حليلا
ولا ألمت بأوجاع المخاض
ونعلم أنها حجر ولكن
تتيمنا بألحاظ مراض
دار الملك رضوان بحلب
كانت دار الملك رضوان بحلب، وفيها يقول الرشيد عبد الرحمن بن النابلسي، من قصيدة يمدحه بها سنة 589ه، ويذكر ما على جدران الدار من الصور:
دار حكت دارين في طيب ولا
عطر بساحتها ولا عطار
رفعت سماء عمادها فكأنها
قطب على فلك السعود يدار
وزهت رياض نقوشها فبنفسج
غصن وورد يانع وبهار
نور من الأصباغ مبتهج ولا
نور وأزهار ولا زهار
ومنها:
صور ترى ليث العرين تجاهه
فيها ولا يخشى سطاه صوار
وموسدين على أسرة ملكهم
سكرا ولا خمر ولا خمار
لا يأتلي شدو القيان رواجعا
فيها ولا نغم ولا أوتار
هذا يعانق عوده طربا وذا
دأبا يقبل ثغره المزمار
ثم لما تزوج بصفية ابنة عمه الملك العادل وأسكنها في هذه الدار، وقعت نار عقب العرس فاحترقت واحترق جميع ما فيها، ثم جدد عمارتها وسماها «دار الشخوص»؛ لكثرة ما كان من زخارفها.
قصر الرفرف بقبة الجبل
في خطط المقريزي أن الأشرف خليل بن قلاوون لما عمر «الرفرف» بقلعة الجبل جعله عاليا بحيث يشرف على الجيزة كلها، وبيضه، وصور فيه أمراء الدولة وخواصها، وعقد عليه قبة على عمد وزخرفها، وصار مجلسا يجلس فيه السلطان، إلى أن هدمه أخوه الناصر محمد سنة 712ه.
مسجد المتوكل في «سر من رأى»
جاء في مجلة «لغة العرب»
38
التي تصدر في بغداد، وصف للتنقيب الذي قام به الأستاذ هرتسفلد الألماني في آثار مدينة «سر من رأى» التي بناها المعتصم، ذكر فيه أنه عثر بين دفائن أطلالها على آثار المسجد الجامع الذي بناه المتوكل ، وشاهد في بقايا الدور غرفا وأبهاء زينت جدرانها بتصاوير شرقية، بين بارزة وغائرة في الجص، وصور ملونة للآدميين وغيرهم، بديعة المثال، حافظة لجدتها على غير الزمان.
وذكر ياقوت في «معجم البلدان» أن المتوكل بنى قصرا ب «سر من رأى» سماه ب «المختار»، كانت فيه صور عجيبة، منها صورة بيعة فيها رهبان، وأحسنها صورة «شهار البيعة»، وهو الذي قيل فيه:
39
ما رأينا كبهجة المختار
لا ولا مثل صورة الشهار
مجلس حف بالسرور وبالنر
جس والآس والغنا والزمار
40
ليس فيه عيب سوى أن ما في
ه سيفنيه نازل المقدار
صور أشجار وأمصار بالمسجد الأموي
وذكر المقدسي في «أحسن التقاسيم» أن جدران المسجد الأموي بدمشق كانت مكسوة بالرخام المجزع إلى قامتين، ثم بالفسيفساء الملونة المذهبة إلى السقف، وفيها صور أشجار وأمصار وكتابات على غاية الحسن والدقة ولطافة الصنعة، وقل شجرة أو بلد مذكور إلا وقد مثل على تلك الحيطان.
وحكى البدري في «نزهة الأنام في محاسن أهل الشام»، عن بعض المؤرخين، أن الرخام كان في جدران هذا المسجد سبع وزرات، ومن فوقه صفات البلاد والقرى، وما فيها من العجائب، وأن الكعبة المشرفة وضعت صفتها فوق المحراب، ثم فرقت البلاد يمينا وشمالا، وما بينها الأشجار المثمرة والمزهرة وغير ذلك. ولا نعلم إن كانت هذه الصورة من عمل صناع الروم الذين استجلبهم «الوليد» عند بناء المسجد، أم من عمل العرب الذين اشتركوا معهم في العمل فتكون داخلة فيما قصدناه.
ولبعض المحدثين قصيدة في وصف هذا المسجد، أوردها ابن عساكر في «تاريخ دمشق»، والنويري في «نهاية الأرب»، يقول فيها في وصف صورة:
إذا تفكرت في الفصوص وما
فيها تيقنت حذق واضعها
أشجارها لا تزال مثمرة
لا ترهب الريح في مدافعها
كأنها من زمرد غرست
في أرض تبر تغشى بفاقعها
فيها ثمار كأنها ينعت
وليس يخشى فساد يانعها
تقطف باللحظ لا بجارحة ال
أيدي ولا تجتنى لبائعها
تصوير مجالس الخلفاء العباسيين
مما يدل على أن مجالس الخلفاء كانت مصورة الجدران، ما حكاه ابن المخلطة في «العزيزي المحلي » عن «المهتدي بالله العباسي» وزهده وتقلله من الدنيا، ومخالفته من قبله من الخلفاء في أمور كثيرة ذكرها، وذكر منها أنه «عمد إلى الصور التي كانت في مجالس الخلفاء فمحاها، وأزال تلك الشخوص المشوهة في الحيطان وغيرها.»
وذكر أبو هلال العسكري في الباب العاشر من كتابه «الصناعتين»، في كلامه على ما ينبغي الاحتراز منه في مفتتح القصائد، أن المعتصم لما فرغ من بناء قصره بالميدان جلس فيه وجمع الناس من أهله وأصحابه، وأمر أن يلبس الناس كلهم الديباج، وجعل سريره في الإيوان المنقوش بالفسيفساء، الذي كان في صدره صور العنقاء، فجلس على سرير مرصع بأنواع الجوهر، وجعل على رأسه التاج الذي فيه الدرة اليتيمة، وفي الإيوان أسرة من آبنوس عن يمينه وعن يساره، من عند السرير الذي عليه المعتصم إلى باب الإيوان، فكلما دخل رجل رتبه هو بنفسه في الموضع الذي يراه، فما رأى الناس أحسن من ذلك اليوم. فاستأذنه إسحاق بن إبراهيم في النشيد فأذن له، فأنشده شعرا ما سمع الناس أحسن منه في صفته وصفة المجلس، إلا أن أوله تشبيب بالديار القديمة وبقية آثارها، فكان أول بيت منها:
يا دار غيرك البلى فمحاك
يا ليت شعري ما الذي أبلاك؟
فتطير المعتصم منها، وتغامز الناس وعجبوا كيف ذهب على إسحاق مع فهمه وعلمه وطول خدمته للملوك!
تماثيل من العنبر والمسك والكافور
في «لطائف المعارف» للثعالبي أن المتوكل لما أعذر
41
ابنه المعتز، احتفل في الدعوة وجلس بعد فراغ القواد والأكابر من الأكل، ومدت بين يديه مرافيع ذهب مرصعة بالجوهر، وعليها أمثلة من العنبر والند والمسك المعجون على جميع الصور.
وفي «أخبار مصر» لابن ميسر، في ذكر ما وجد من الذخائر في خزائن الأفضل بن أمير الجيوش، وزير الآمر الفاطمي بعد مقتله، أنه كان بينها «لعبة عنبر على قدر جسده برسم ما يعمل عليها من ثيابه لتكتسب الرائحة»، وهو من غريب ما يروى من ضروب التنعم والترفه.
وفي «مطالع البدور» وصف مفصل لهذا الإعذار، جاء فيه أن هذه التماثيل عملت من العنبر والمسك والكافور على مثل الصور، فمنها ما كان مرصعا بالجوهر مفردا، ومنها ما كان عليه ذهب وجوهر.
تماثيل لحيوانات خيالية
كان بعض العرب يتخذون حمالات الأزيار من التماثيل على صورة سلحفاة برأس أو برأسين، ويزخرفونها بالكتابات الكوفية وصور من الحيوانات خيالية، وكان من غرائبها
42
تمثال غول اتخذ مقرعة للباب الكبير بمسجد قجماس الإسحاقي بالقاهرة المعروف اليوم بجامع «أبي حريبة».
مصابيح مزخرفة بأنواع النبات والطيور
مما صنعه العرب في العصور الإسلامية ما يوجد بدار الآثار العربية بالقاهرة؛ من مجموعة من المصابيح الزجاجية المزخرفة، على بعضها أسماء صناعها، وفيها ما هو مصور بأنواع النبات والطيور، يندر وجود مثلها في دور الآثار، نذكر منها مشكاة عليها اسم السلطان محمد بن قلاوون وبين زخارفها كثير من صور الطيور المتقنة الرسم، ومشكاة بديعة التذهيب عليها صور طيور ومكتوبا عليها: «مما عمل برسم المقر العالي السيفي الملك الناصري»، وقطعة من كرة تعلق على المشكاة عليها صور طيور أيضا، وقطعة جام من غضار عليها عصابة من الكتابة الكوفية، وبأسفلها صورة تيسين يتناطحان، رمزا لما كان يهواه بعض الغزاة من الفرس، وإظهارا لأن القوة أساس عندهم لصاحب الحق بالغلبة أو التغلب على خصمه.
صورة مطربين على قمقم للعطر
ومن الأواني العربية المصورة المحفوظة بدار الآثار قمقم للعطر مكفت بالفضة، مكتوب عليه «يا فاعل الخير»، وعليه صورة جماعة يضربون على آلات الطرب.
والمراد ب «التكفيت»: تنزيل الذهب والفضة في النحاس ونحوه، كالتطعيم في الخشب، ويقال له «الكفت» أيضا، ولصانعه «الكفتي».
ومنه قول بعضهم:
لي كفتي سباني حسنه
لا أرى من حبه لي مخرجا
مد تبرا في حديد فحكى
قمرا طرز بالبرق الدجى
وقول آخر:
لله كفتي أطاع صبابتي
فيه الفؤاد وخالف اللواما
مد الشريط على الحديد فخلته
قمرا يطرز بالبروق غماما
وكلها ألفاظ مولدة. وكان لهذه الصناعة رواج بمصر ولأهلها اشتغال بها على ما في خطط المقريزي، وقد انقطعت الآن منها وبقيت منها بقية بالشام.
تنانير مصورة ومنقوشة بصور الفرسان
ومنها إناء نقش عليه اسم «محمد بن فضل الله »، أحد بني فضل الله العمري المشهورين بكتابة الإنشاء بمصر، وطرزت حافته بكتابة فيها ألقابه، يتخللها صور طيور، وإناء آخر عليه صورة فارس . وفيها غير ذلك من الأواني كالطاسات والصواني المصورة بأشكال الحيوان، والتنانير المنقوشة بصور الفرسان.
صور من خزائن بني أمية
ذكر الخالديان في كتاب «الهدايا والتحف» هدية أهداها ملك الهند للخليفة المأمون، فقابلها بهدية مثلها أرسل بها إلى هذا الملك، وهي كتاب اسمه «ديوان الأدب وبستان نوادر العقول»، ومعه تحف كثيرة قيمة فصلا ذكرها، منها مائدة جزع ثمينة، وجام زجاج فرعوني فتحته شبر، وفي وسطه صورة أسد أمامه رجل قد جلس على ركبتيه، وفوق السهم في القوس نحو الأسد. وكانت المائدة والجام مما أخذ من خزائن بني أمية.
43
تمثال المتجردة
مما يدل على أن أهل اليمن كانوا يقيمون بعض التماثيل على قواعد مرفوعة، أي على نحو ما تقام عليه اليوم، قول النابغة الذبياني في المتجردة امرأة النعمان:
قامت تراءى بين سجفي كلة
كالشمس يوم طلوعها بالأسعد
أو درة صدفية غواصها
بهج متى يرها يهل ويسجد
أو دمية من مرمر مرفوعة
بنيت بآجر يشاد وقرمد
قال شارحه الوزير أبو بكر البطليوسي: «يقول هذه المرأة مثل دمية بني لها بنيان مرتفع وحملت فيه، فهو أصون لها وأحفظ لجسمها.»
رمحان برأسيهما أهلة من ذهب
في خطط المقريزي و«صبح الأعشى» للقلقشندي أن الفاطميين كان لهم علمان دون لواءي الحمد، وهما رمحان برأسيهما أهلة من ذهب صامت، وفي كل واحد منهما سبع من ديباج أحمر وأصفر، وفي فمه طارة مستديرة تدخل فيها الريح
44
فيفتحان فيظهر شكلهما، يحملهما فارسان من صبيان الخاصة فيكونان أمام الرايات في المواكب.
أعلام يمنية مصورة على عرفات
في «صبح الأعشى» أن شعار سلطان اليمن كان وردة حمراء في أرض بيضاء، قال ابن فضل الله: «ورأيت أنا البيرق اليمني وقد رفع على عرفات سنة 738ه، وهو أبيض فيه وردات حمر كثيرة»، وفي كتاب «التراجم» عندنا
45
أبيات لابن حمديس من قصيدة في المديح، ذكر بها أعلاما مصورة كانت في جيش ممدوحه ، وهي، مع زيادات عليها من الديوان:
ومطلة في الخافقين خوافق
كقلوب أعداء ذوات وجيب
من كل منشور على أفق الوغى
وسطوره كالمهرق المكتوب
جاءت تتربه العتاق بنقعها
والريح تنفضه من التتريب
أو كل ثعبان يناط بقسور
بين البنود كمحنق وغضوب
صور خلعن على الموات فخيلت
فيها الحياة بسورة ووثوب
وفغرن أفواها رحابا عطلت
أشداقها من ألسن ونيوب
من كل شخص يحتسي من ريحه
روحا تحرك جسمه بهبوب
جمال من طين لمعالجة المس
من مزاعم العرب في جاهليتهم نوع من «تماثيل الجمال»، كانوا يعملونها من الطين، قال ابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة»: ومن أعاجيبهم أنهم كانوا إذا طالت علة الواحد منهم وظنوا أنه به مسا من الجن لأنه قتل حية أو يربوعا أو قنفدا؛ عملوا جمالا من طين وجعلوا عليها جوالق وملئوها حنطة وشعيرا أو تمرا، وجعلوا تلك الجمال في باب جحر إلى جهة المغرب وقت غروب الشمس، وتحايلوا على من به علة من مس الجن، فإذا ما أمسك بها ظنا منه أنها جمال حقيقية وحاول سحبها ليغنم ما تحمله من الجوالق، انهارت وسقطت بما عليها، فيحدث ذلك في نفسه رد فعل إثره، فيتسبب لصاحب العلة فزع شديد من هول ما شاهده، ويكون فيه شفاؤه وبرؤه. وهذه من مزاعم العرب في زمن جاهليتهم، وقد يتصادف غالبا نجاح هذه المزاعم التي يعتقدون صحتها، بل يكادون أن يجزموا بها كل الجزم لما سبق أن جربوه فأتى بما كانوا يتوقعون، وحقق ما كانوا يزعمون.
تمثال دجاجة من ذهب
كان بالمدرسة الجوهرية بدمشق مائدة من ذهب، عليها تمثال دجاجة من ذهب، وصيصان
46
من ذهب، في منقار كل واحدة لؤلؤة بقدر الحمصة، وفي منقار الدجاجة درة بقدر البندقة، وفي وسط المائدة سكرجة من زمرد سعتها مثل كفة الميزان التي للدرهم السوقي لا الكبير، مملوءة حبات من الدر، قيل إن «الملك الناصر» صاحب حلب أودعها لنجم الدين الجوهري فأكنزها بدهليز مدرسته، فوشى بها إلى الملك المنصور جارية من جواري الجوهري، وكان على جميع ما فوق المائدة شبكة من ذهب منسوج، صغيرة الأعين، حاوية صورا لكل ما في المائدة.
قلعة من خشب
وقال السخاوي في حوادث سنة 845ه من «التبر المسبوك»:
وحضر في رجب من الإسكندرية الرماة ومعهم صفة قلعة من خشب، فقدموها إلى السلطان، ورموا عليها بحضرته بقوس، فخرج منها صورة شخص بسيف وترس، فرمى عليه عبد صغير فضرب رقبته بسهم، فأمر السلطان بأن يخلع عليهم، ورسم لهم بجامكية،
47
وأن يعودوا إلى بلدهم.
تمثال «جعجرة» من العجين
قال صاحب «القاموس»: «كانوا يصنعونها على هيئة التماثيل من العجين ويسمونها بالجعاجر، فيجعلونها في الرب إذا طبخوه فيأكلونه، الواحدة «جعجرة» كطرطبة.» ومثلها مدائن العجين التي كانت تعمل في الأندلس يوم النيروز إلى بعض الأكابر، وعادتهم أن يصنعوا في مثل هذا اليوم مدائن من العجين لها صورة مستحسنة، فنظر أحدهم إلى صورة مدينة فأعجبته، فقال له صاحب المجلس: صفها وخذها، فقال:
مدينة مسورة
تحار فيها السحرة
لم تبنها إلا يد
عذراء أو مخدرة
بدت عروسا تجتلى
في درمك
48
مزعفرة
وما لها مفاتح
إلا البنان العشرة
ووقفنا في كتاب «المعيار»، وهو مجموع فتاوى مالكية، على سؤال يدل على أنهم كانوا يصنعون بالمغرب صور أيد من الشمع والحلوى والعجين، ونصه:
وسئل الأستاذ أبو إسحاق الشاطبي عن الأيدي التي يصنعها الشماعون من الشمع والفاند
49
وما يصنع منها من العجين؛ هل ذلك جائز أم داخل تحت الوعيد الذي ورد في المصورين؟
وقد أجاب بالجواز لأنها جزء من صورة لا صورة كاملة.
فارس على رأس القبة الخضراء
ذكر الخطيب في مقدمة تاريخ مدينة السلام في وصف قصر المنصور، قال: «كان في صدر قصر المنصور إيوان طوله ثلاثون ذراعا وعرضه عشرون ذراعا، وسقفه قبته، وعليه مجلس مثله فوقه القبة الخضراء وسمكه إلى أول حد، عقد القبة عشرون ذراعا، فصار من الأرض إلى رأس القبة الخضراء ثمانون ذراعا، وعلى رأس القبة تمثال فرس عليه فارس، وكانت القبة الخضراء ترى من أطراف بغداد.
وحدث القاضي أبو القاسم التنوخي، قال: سمعت جماعة من شيوخنا يذكرون أن القبة الخضراء كان رأسها صنم على صورة فارس في يده رمح.
وروى بعضهم خرافة عن هذا التمثال ملخصها أنه إذا استقبل جهة دل على خروج خارجي في تلك الجهة». ولكن ياقوت في «معجم البلدان» فند هذا الزعم بقوله: «ما هكذا ذكر الخطيب، بل إنه من المستحيل والكذب الفاحش، وإنما يحكى بمثل ذلك عن سحرة مصر وطلسمات بليناس التي أوهم الأغمار صحتها تطاول الأزمان وتخيل المتقدمين الذين ما كانوا بني آدم؛ لأن الملة الإسلامية تجل عن هذه الخرافات، فبان من المعلوم أن الحيوان الناطق الصانع لهذا التمثال لا يعلم شيئا مما ينسب إلى هذا الجماد ولو كان نبيا مرسلا، فلو كان كلما توجه إلى جهة خرج منها خارجي، لوجب أن لا يزال خارجي يخرج في كل وقت.»
ثم ذكر الخطيب أن رأس هذه القبة سقط سنة 329ه.
فارس على منارة مسجد
ذكر ابن الأنباري في «طبقات الأدباء» قال: «قال ابن عائشة: كنا نجلس مع سيبويه النحوي في المسجد، وكان شابا نظيفا جميلا، تعلق من كل علم بسبب، وضرب من كل أدب بسهم، مع حداثة سنه وبراعته في النحو، فبينما نحن ذات يوم إذ هبت ريح فأطارت الورق، فقال لبعض أهل الحلقة: انظر أي ريح هي؟ وكان على منارة المسجد تمثال فارس بفرسه وجميع آلاته من عقيق، فنظر ثم عاد فقال: ما ثبتت على حال»، ويفهم من ذلك أن هذا التمثال كان يدور على محور، فإذا اتجه إلى جهة علم أن هبوب الريح من الجهة التي تقابلها.
شياطين من خشب
كان المتوكل العباسي شديدا على أهل الذمة، ذكر ابن الأثير في حوادث سنة خمس وثلاثين ومئتين أنه ألزمهم بأمور في ملابسهم ومراكبهم، كلبس الطيالسة العسلية، وشد الزنانير، وركوب السروج بالركب الخشب وغير ذلك، وأغربها إلزامهم بأن يجعلوا على أبواب دورهم صور شياطين من خشب مسمرة.
وقد ذكر ذلك في «محاضرة الأوائل» أيضا، كما ذكره القلقشندي في «صبح الأعشى»، غير أنه لم يذكر صور الشياطين.
وروي أن المتوكل أقصى اليهود والنصارى ولم يستعملهم، وأذلهم وخالف بين زيهم وزي المسلمين، كما جعل على أبوابهم الدهان مثال الشياطين. وهي عبارة صريحة بأن هذه الصور كانت مصورة بالدهان، أي ليست تماثيل من خشب .
ولا يبعد أن يكون بعضها صور بالدهان، وبعضها كان تماثيل على ما يظهر.
كما أن المقتدي بأمر الله أجراهم على هذه العادة، بل علق في أعناقهم الجلاجل، ونصب الصور الخشبية على أبوابهم.
تماثيل طيور مغردة
ذكر النويري في «نهاية الأرب» أن من بين ما بناه المتوكل من القصور قصرا يسمى ب «البرج»، قال: «وكان البرج من أحسنها، كان فيه صور عظيمة من الذهب والفضة، وبركة عظيمة غشي ظاهرها وباطنها بصفائح الفضة، وجعل عليها شجرة من ذهب، عليها طيور تصوت وتصفر سماها «طوبى»، وبلغت نفقة هذا القصر ألف ألف دينار وسبعمائة ألف دينار.»
دلفين على بركة المتوكل
كان مما قاله البحتري من قصيدة يصف بها بركة أنشأها المتوكل، وكان بها تمثال دلفين:
لا يبلغ السمك المحصور غايتها
لبعد ما بين قاصيها ودانيها
يعمن فيها بأوساط مجنحة
كالطير تنقض في جو خوافيها
لهن صحن رحيب في أسافلها
إذا انحططن وبهو في أعاليها
صور إلى صورة الدلفين يؤنسها
منه انزواء بعينيه يوازيها
في مغاور اليمن
لو أتيح لليمن ما أتيح لمصر من الحفر عن آثارها لكشف التنقيب - فيما نرى - عن آثار مدنية هائلة لا تقل عن المدنية المصرية، فقد روت صحف الأخبار بمصر سنة 1340ه أن سيلا عظيما داهم وادي مرخة بقرب مأرب، فكشف عن مغاور بها جثث محنطة، وتماثيل رجال ونساء بسحن يمنية، وتماثيل على صور البقر مكتوب عليها بالحميرية، ونقود من الذهب والفضة وأحجار وفصوص من العقيق حملت إلى أسواق اليمن فاشتراها الهنود.
تمثالا غزالين من ذهب بالكعبة
كان بالكعبة تمثالا غزالين من ذهب، ذكرهما ابن الأثير في تاريخه «الكامل»، فلما ضعف أمر جرهم بمكة وفني غالبهم وأرادت خزاعة إجلاء من بقي منهم، خرج عامر بن الحارث الجرهمي بالغزالين والحجر الأسود يلتمس التوبة، وهو يقول:
لاهم إن جرهما عبادكا
والناس طرف وهم تلادكا
50
وهم قريبا عمروا بلادكا
فلم تقبل توبته، فدفن الغزالين ببئر زمزم وطمسها، وخرج بمن بقي من جرهم إلى أرض جهينة، فجاءهم سيل فذهب بهم أجمعين. ولما حفر «عبد المطلب » بئر زمزم وجدهما فجعلهما صفائح من ذهب، فكان أول ذهب حليت به الكعبة.
وقيل: بقي الغزالان فيها حتى سرقا قبل أن تهدمها قريش، وذلك أنها كانت رضيمة دون القامة، فتجرأ نفر منهم على سرقة كنزها وفيه الغزالان، وكانا في بئر في جوفها، فهدمتها قريش وأعادت بناءها ورفعت سقفها في سنة خمس وثلاثين من مولد النبي، عليه الصلاة والسلام.
صفحة غير معروفة