ثم سردت لنا نادرة للشيخ يوسف المنيلاوي تماثل نوادر عبد الحي، مع أننا لم نسمع في حياتنا أنه أخلف وعده واستخف بالجموع التي تنتظره.
ومن تعصبها الجسيم الملموس حادثة المسرح الذي شاهدت فيه تمثيل روميو وجولييت وقالت: إنه لشركة سورية مسيحية، وإن الذي كان يغني وله الدور المهم سوري مسيحي، وإن اثنين من الممثلين قطعا التمثيل نحو عشر دقائق ليحاولا أن يغمدا الخنجر فلم يفلحا، ثم خرجت عجوز من المسرح وبعد اللتيا والتي وقفت لإغماده، وإن كل المشاهدين كانوا ينظرون إلى السقف أو إلى أرجلهم أو وراءهم بأعين كبيرة لأغراض أخرى، وإن الحاضرين كانوا يحيون أنين «جولييت» بالضحك؛ كل هذا الهراء ملفق؛ لأن هذه الرواية كانت تمثل قديما عند الشيخ سلامة حجازي ثم انتقلت بعد موته إلى مسرح عكاشة.
ومعروف أن الشيخ سلامة ترك شركة إسكندر فرح وإخوته من ثلاثين سنة تقريبا؛ أي قبل مجيء الكاتبة إلى مصر بثمان سنوات، وفي عهد زيارتها لمصر كان الشيخ سلامة وحده صاحب المسرح، فأين إذن هذه الشركة السورية المسيحية الموهومة والممثل السوري الأول؟ وهل يعقل الصبيان أن كل هذه الجموع لم يوجد فيها فرد ينظر إلى المسرح، فلم إذن جشموا أنفسهم السهر والانتقال من أنحاء القاهرة وضواحيها البعيدة وأنفقوا ثمن التذاكر وأجر الانتقال؟
ولنفرض جدلا أن في هذا الافتراء أثر من الحقيقة يصدق على بعض أفراد يعدون على أصابع اليد، فهل هذا خير أم ما يقترفه الباريسيون في أكبر التياترات، والذي وصفه «فكتور مارجيريت» في رواية «المتفتية
la Garconne » أو «الغلامية» إن أردت مما أخجل أن أذكره للقراء.
نسائل أنفسنا: ما الذي استفاده هذا الجمع المحتشد من هذه المحاضرة السخيفة؟ وما الذي استفادته الكاتبة من هذه السياحات والرحل في بلاد الشرق؟ وهل أنفقت الآن الدنانير لتشتري بها بعض الفكاهات، وتنظر إلى عادات العامة من السوقة لتسجل عليهم بعض نكات تضحك منها من يستمعونها؟ إنها إذن لصفقة خاسرة.
لقد كانت هذه المحاضرة البذيئة كمبرد سطا على شهرة هذه الكاتبة المموهة بالعسجد الخلاب، فقضى على هذه القشرة وأظهر للعقلاء ما اختبأ تحتها من حديد أسود، وهذا شأن المرأة في العالم لا تنبغ في شيء، وإن حصلت على بعض شيء من الفضل بالممارسة وطول المزاولة، فلا يزال عقلها ضيقا لا يتعدى الدائرة التي اشتغلت بها.
ولو كان عندها شيء من الكياسة وحسن التفكير لشغلتها عيوب أمتها عن عيوب غيرها من الأمم، وإن هذا الشرق الذي تعيره بالكسل والنوبة العصبية والوحشية وغيرها لأرقى أخلاقا وأشرف عواطف، كما أنه يبرأ من المدنية الأوروبية المزيفة!
هل جهلت أن أمتها فاقت في الشهوات والملذات الحيوانية والتفنن في الموبقات عهد الرومان؟ أما قرأت ما كتبه «إيميل زولا» و«بربو» و«فكتور مارجريت» والدكتور «بلز» في المجلد الثالث من كتاب المعالجة الطبيعية صحيفة 752 مما تقشعر له أبدان الشياطين؟
أتناست أن لغتنا العامية التي حكمت عليها حكمين متناقضين في وقت واحد من أنها وحشية وموسيقية أرق وأفصح من لغات أمتها العامية مثل: «الشارابيا» و«الجاسكون» و«البروفنسال» وغيرها، مما لو قورنت برطانة زنوج أفريقيا وحمر أمريكا لفضلنا هذه الأخيرة وعددناها أرقى وألطف منها؟ أتجاهلت أهل بريطانيا الفرنسية المتاخمة لبلدها «هونفلور» وما هم عليه من الخرافات والسذاجة التي لم تفارقهم إلى الآن ولا تتفق مع القرن العشرين؟
صفحة غير معروفة