268

خواطر الخيال وإملاء الوجدان

تصانيف

لماذا عانى محمد أفندي كامل حجاج تعريفنا بشعراء الغرب وكتابه؟

شرح لنا ذلك بألطف إشارة في مقدمة هذا الجزء تحت عنوان «كلمة في الإنشاء» بدلالته إيانا على مواضع جهلنا، وإرشاده إيانا إلى ما يجب أن نعلم لنصير كتابا حق الكتاب، كما يفهم المعنى الذي تقتضيه ضرورات هذا العصر عصر المعارف والفنون في أسمى ما ارتقت إليه مدارك الناس.

ولما كان الغرب هو المورد الأعظم لكل ما يجدر بنا أن نرده من حياض تلك المعارف والفنون لم يضن علينا محمد أفندي حجاج في عنوان آخر «كلمة في الترجمة» يهدينا بها الصراط الذي يوفق بين ما تأتيه ذهنية الغرب وما تقبله ذهنية الشرق فيما يرتبط بالأدبيات.

وسرعان ما يتبين المطالع بعد أن يقف على الغرر التي جاء بها في تعريبه أنه قد وفق في النقل ما شاءت البراعة في اللغتين المنقول عنها والمنقول إليها، وما شاء رقي الوجدان عنده مسامتا للوجدان الراقي الذي أوحى إلى أولئك العبقريين الغربيين غرر مبتكراتهم.

ولقد أردت حين قراءتي لقطعة قطعة أو قصيدة قصيدة مما صوره الأديب بقلمه البديع العجيب أن أتبين ما إذا كان أسلوبه الإنشائي ينطبع بطابع الأسلوب الإنشائي المنقول عنه، فوجدت أثر ذلك فيه ولكن بمقدار، إذ لا ينبغي أن ننسى ما بين التعبير بلغتنا العربية الفصحى لغة الكتابة دون التكلم، لغة الفكر المتهيئ لا الفكر المتبادر، لغة الإحساس المصطنع المستعير أدوات أزمنة أخرى للظهور لا الإحساس المتدفق فورا بعوامل ما بين يديه من مؤثرات الحياة العتيدة، وبين التعبير بتلك اللغات الأجنبية التي هي لغات الحياة الحاضرة بكلياتها وجزئياتها.

فيا أيها الصديق الذي أتحفني بهذا الجزء الثاني من كتابه الجليل، بارك الله في يقظتك ونشاطك، وفي ألمعيتك وعظيم خدمتك للغتك، وأي شيء يتوصل به إلى تجويد القول أفضل من حسن الاختيار والتنويع فيما تستنبض له القلوب وتغذى به العقول.

خليل مطران (2) الكاتب القدير الأستاذ مصطفى راشد رستم

كثيرون من أهل اللغة العربية ينكرون على غيرهم من أهل اللغات الأخرى ما ينسبونه هم إلى اللغة العربية من السعة والفصاحة والبلاغة وكثرة وسائل التعبير، وقليلون منهم يعرفون عوامل الجمود والتقهقر التي حاقت بالعربية من جراء التمسك بتلك الفكرة السيئة.

على أنه منذ بدأت تدرس اللغات الغربية في الشرق أخذت شجرة «التمسك باللغة العربية دون غيرها» تهتز بشدة أمام رياح الغرب القوية، وتتساقط أمامها أوراقها وأزهارها حتى كادت تجتث من فوق الأرض، وقد عالج هذا الأمر كثيرون من أهل الموضوع، واهتدت الأغلبية إلى طريقة تشبه طريقة التطعيم النباتي.

ومن الكاتبين من رأى أن يدمج معلوماته الغربية في كتاباته العربية، ومنهم من جعل ينبه عليها في مظانها بلغاتها، ومنه من أنشأ ينقلها إلى العربية إما نقلا حرفيا أو معنويا، ولكل من هؤلاء أدلته على صحة رأيه.

صفحة غير معروفة