حضر الجميع في وقت واحد من أقطار مختلفة متنائية عن بعضها ومن غير سابقة علم بهذا المكان.
ومن الحوادث المنكرة التي لا يقبلها العقل هيام حياة النفوس وبدور بابني زوجهما، ولو اقتصر على واحدة لقلنا: شذوذ محتمل الوقوع، وهذا مما يدل على تجرده من كل ذوق سليم.
ومما ينتقد عليه تشابه بعض القصص ببعضها وتكرار الحوادث فيها مثل: قصص حسن البصري وسيف الملوك وحاسب كريم الدين، إذ نرى في كل منها أن بطل القصة لم يسمع النصح وفتح باب القصر الذي حذر من فتحه، ثم رأى البستان الجميل وبركة الماء والطيور التي حطت في البستان وخلعت ريشها، وظهرت منه فتيات فاتنات وهيام كل بطل بأجمل الفتيات، وهن من بنات ملوك الجن ومواطنهن وراء جبال قاف، ومجازفة المحبين باقتحام الأهوال والسير بين طوائف الجن المختلفة، وخبر اليهودي الذي كان يضع الحسن البصري وسيف الملوك في جلد بغل ويخيط عليه، ثم يأتي الرخ فيحمله ويضعه في قمة جبل الماس، ثم يشق الجلد بسكين ويخرج منه ويقذف الماس لليهودي، وغير ذلك مما هو مكرر بنصه في القصص الثلاث.
ومن هناته ومستهجناته وصفه دخول أبطال قصصه بزوجاتهم بشكل فاحش مخجل كهراء الحشاشين في أقذر المواخير.
ومن أقبح وأبرد حكاياته اثنتان بجانب بعضهما؛ إحداهما امرأة ولعت بقرد والثانية أحبت دبا، وهما من الخيال السمج الوقح، ولولا ضيق المقام لأتينا بشيء كثير من هذه الملاحظات التي لا تخفى على كل من له شيء من الذوق في الفن القصصي.
إنشاء ألف ليلة غث حقير، وفيه جانب عظيم من التعبيرات والألفاظ العامية والسجعات الباردة التي يرصها رصا في كل موضع بالحرف الواحد، وهي تكاد تماثل سجعات «صندوق الدنيا»، وكذلك شعره فإن أغلبه من الشعر الموزون الخلي من المعنى والجمال، وسنعود إليه حينما نصور نفسية الكاتب وشخصيته.
إن ألف ليلة أصله فارسي، وكان صغير الحجم لا يشمل غير القسم الفارسي والهندي والصيني؛ لأن الأقسام الأخرى العربية والمصرية وغيرها أصيفت متأخرة، وهذا رأي كثير من المستشرقين ويثبته تاريخ الحوادث.
ولقد ورد في القسم المصري ذكر الفرمان السلطاني وأبي طبق والجامكية ومصر القديمة وبولاق وباب الشعرية وباب الخرق - الذي أبدل الآن بالخلق - وباب الفتوح، وهذا مما يدل على أن القسم المصري حديث لا يتعدى زمن المماليك.
سلمنا بأن واضع هذا الكتاب أفراد، وأن القسم الأول وضع قبل ألف سنة بكثير؛ لأن ابن النديم حينما تكلم عنه منذ ألف سنة لم يقف على اسم واضعه ولا على التاريخ الذي كتب فيه، وهذا مما يدل أيضا على أنه كتب قبل زمن ابن النديم بزمن بعيد، فالقارئ يدهش حينما يرى أن الكتاب من دفته إلى دفته مكتوب بقلم واحد وأسلوب واحد، وأن القسم القديم نفسه محشو بشعر سخيف حديث العهد.
ولكنني أرجح أن الترجمة وضعت في زمن المماليك، واشترك فيها اثنان: تركي يجيد الفارسية وضعيف في العربية وكانت مهمته الترجمة، والثاني مصري فقيه ومهمته التنميق والتزويق بتلك السجعات السخيفة والأشعار المرذولة وتصنيف القسم العربي الشامل لأخبار الرشيد وغيره والقسم المصري.
صفحة غير معروفة