تفسير قوله تعالى: { تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء
وتعز من تشاء وتذل من تشاء{
وسألته عن قول الله سبحانه: { تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء } [آل عمران: 26]؟
والملك هاهنا الذي يؤتيه من يشاء فهو جبايات الدنيا وأموالها. والذين يشاء أن يؤتيه إياهم فهم الأنبياء ثم الأئمة من بعدهم. والذين يشاء أن ينزعه منهم فهم أعداؤه من جبابرة أرضه.
ومعنى { تؤتي الملك{ : فهو الحكم بالملك لهم صلوات الله عليهم. فمن حكم الله له بالنبوة أو بالإمامة حكما، وأوجب له الطاعة على الأمة باستحقاقه لذلك الموضع إيجابا، فقد آتاه الملك؛ لأن الملك هو الأمر والنهي، والجبايات والأموال التي تقبض التي بها قوام العساكر، واتخاذ الخيل والرجال والسلاح من جميع أداة الملك. فمن أجاز الله له قبض جبايات الأرض وإقامة أحكامها وحدودها، وأوجب له الطاعة على أهلها فقد آتاه الملك حقا. أولئك هم السابقون بالخيرات صلوات الله عليهم. ومن لم يحكم له بشيء من ذلك، ولم يجز له ولم يطلق يده، ولم يوجب له الطاعة على أحد من خلقه، فقد نزع الله ملك أرضه منه، وأبعده عنه. أولئك أعداؤه وجبابرة أرضه، الحاكمون بغير حكمه، المغتصبون لما جعل سبحانه لأوليائه، المنفذين لما حكم به في خلقه وبلاده، أولئك يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا. فسبحان من لم يقض بشيء من ذلك لأعدائه، ولم يؤثر غير أوليائه. وفي نفي الحكم منه لشيء من ذلك لأعدائه ما يقول لنبيئه إبراهيم عليه السلام: { لا ينال عهدي الظالمين } [البقرة:124]، والعهد فهو العقد بالإمامة والحكم لهم بالطاعة. ومعنى: { لا ينال عهدي{ فهو لا يبلغهم ولا يجيزهم.
صفحة ٦٢٩