فكذب رشدي مرة أخرى قائلا: لم يجد الدكتور ضرورة للمصحة!
فلاح الأمل في نظرة الكهل الواجم وقال: لعلها إصابة تافهة يا رشدي! - أجل .. أجل .. هذا ما أكده لي! - عسى ألا تطول إجازتك!
فعاد القلق يساوره، وقال بصوت منخفض: ولكني لن أطلب إجازة!
فانزعج الرجل وقال بإنكار: فكيف يتم استشفاؤك؟! .. إياك وأن تستهتر بالمرض مهما قيل عن بساطة الإصابة وحسبك استهتارا يا رشدي! - معاذ الله أن أستهين بحياتي يا أخي، وسترى بنفسك منذ اليوم أني سآخذ نفسي بالراحة المطلقة فيما عدا أوقات العمل، وسأعوض ما أبذله من قواي لعملي بالغذاء المختار والأدوية المقوية، أما طلب إجازة مرضية فمخاطرة بوظيفتي وبمستقبلي! - ألا تغالي في تقديرك؟! - كلا يا أخي، فإذا عرف طبيب المصرف مرضي استحال علي العودة إلى العمل قبل الشفاء التام، وقد يقتضى ذلك زمنا طويلا لا آمن معه أن أفصل من وظيفتي! بل الفصل محتوم في تلك الحال نظرا لما منحته من إجازات مرضية هنا وفي أسيوط من قبل.
فتجهم وجه الكهل واشتد عليه الضيق، ثم قال بتألم: رباه، الصحة فوق الوظيفة، كيف يتاح لك الشفاء وأنت جاهد في عملك؟!
فقال رشدي برجاء وانفعال: لقد استأذنت الدكتور في ذلك فأذن لي، وهو أدرى. وسيتم الشفاء بإذن الله بغير ضياع مستقبلي، وبغير «فضيحة».
فاشتد التأثر بأحمد وقال مستنكرا: فضيحة! .. ليس في الأمر فضيحة، هذا بلاء من الله، وكل إنسان عرضة للأمراض إلا من أمر الله له بالسلامة، ولكني أخاف. - لا تخف، وادع لي ربك، وستجد مني ما يطمئن خاطرك!
فسكت أحمد مغلوبا على أمره، وتنهد الشاب بارتياح وراح يحدث أخاه بما سوف يتخذ من تدابير الوقاية، فقال له: إنه سيحضر حامض فنيك لتطهير الحمام والحوض كل صباح، وإنه سيقتني أواني خاصة لطعامه وشرابه متعللا بأنها هدية من شخص عزيز، وأنصت الرجل إليه بانتباه، ولأول مرة خامره الخوف والقلق، وخشي العدوى، وكان بطبعه هيابا موسوسا، أما رشدي فكان يتحفز لضراعة جديدة لا تقل خطرا في نظره عما سواها إن لم تزد فقال: وهناك يا أخي أمر عظيم الأهمية أرجو أن ترعاه بالعناية التي أرعاه بها، وهو أن يبقى ما دار بيننا سرا دفينا.
فدهش أحمد، وذكر ما قاله منذ لحظات من أنه سيقتني أواني خاصة متعللا بأنها هدية، فغمغم قائلا: ووالدانا؟!
فقال رشدي بحزم: لا ينبغي أن يعلما بشيء، فلا داعي لإزعاجهما، ثم إن فزع أمي كفيل بافتضاح السر!
صفحة غير معروفة