والقرآن على غير ذلك، جسم وصوت، وذو تأليف وذو نظم، وتوقيع وتقطيع، وخلق قائم بنفسه، مستغن عن غيره، ومسموع في الهواء، ومرئي في الورق، ومفصل وموصل، واجتماع وافتراق، ويحتمل الزيادة والنقصان، والفناء والبقاء، وكل ما احتملته الأجسام، ووصفت به الأجرام. وكل ما كان كذلك فمخلوق في الحقيقة دون المجاز وتوسع أهل اللغة.
فلو كانوا قالوا ذلك لكانوا أصابوا في القياس، ووافقوا أهل الحق، وكانوا مع الجماعة، ولم يضاهوا أهل الخلاف والفرقة، ولم يصموا أنفسهم بقول المشبهة، إذ كان ظاهر قولهم على التشبيه أدل، وبه أشبه.
ولا يجوز أن أذكر موافقتي لهم، ومخالفتي عليهم في صدر هذا الكتاب، لأن التدبير في وضع الكتاب، والسياسة في تعليم الجهال أن يبدأ بالأوضح فالأوضح، والأقرب فالأقرب، وبالأصول قبل الفروع، حتى يكون آخر الكتاب لآخر القياس.
وآخر الكلام لا يفهم - أرشدك الله - ولا يتوهم إلا على ترتيب الأمور، وتقديم الأصول. فإذا رتبنا الأمور، وقدمنا الأصول صارت أواخر المعاني في الفهم كأوائلها، ودقيقها كجليلها.
فصل منه
وقد علمنا أن بعض ما فيه الاختلاف بين من ينتحل الإسلام أعظم فرية، وأشد بلية، وأشنع كفرا، وأكبر إثما من كثير مما أجمعوا على أنه كفر.
صفحة ٢٩١