وأما قولهم: إن للقرآن قلبا وسناما ولسانا وشفتين، وأنه يقدس ويشفع ويمحل، فإن هذا كله قد يجوز أن يكون مثلا، ويجوز أن يجعله الله كذلك إذا كان جسما، والله على ذلك قادر، وهو له غير معجز، ومنه غير مستحيل. وكل فعل لا يكون عيبا، ولا ظلما ولا بخلا ولا كذبا، ولا خطاء في التدبير، فهو جائز، والتعجب منه غير جائز.
فصل منه
وما أكثر من يجيب في المسائل، ويؤلف الكتب على قدر ما يسنح له في وهمه، وعلى قدر ما يتصور له في حاله تلك، لا يعمل على أصل، أو لا يشعر بالذي انبنى عليه ذلك الأصل، وإن كان ممن يعمل على أصل.
وإنما صار علماؤنا إلى ما صاروا إليه لأنهم لا يقفون من القول في خلق القرآن على جواب مهذب، ومذهب مصفى، وعلى قول مفروغ منه، وعلى جوابات بأعيانها. فقد رددوا فيها النظر، وامتحنوها بأغلظ المحن، وقلبوها أكثر التقليب، وتبطنوا معانيها بأبلغ التفكير، وتعرفوا كل ما فيها، واعتصروا جميع قواها، وسهلوا سبلها، وذللوا العبارة عنها، احتقارا منهم لمن خالفهم، واتكالا على طول السلامة منهم، وثقة بطول الظفر بهم.
ومن تمام أمر صاحب الحق أن لا يتكل على عجز الخصم، وأن لا يعجب بظهوره على من لا حظ له في العلم.
صفحة ٢٩٩