وأما قولهم: إن معنا العامة، والعباد، والفقهاء، وأصحاب الحديث، وليس معهم إلا أصحاب الأهواء، ومن يأخذ دينه من أول الرجال، فأي صاحب هو - يرحمك الله - أبعد من الجماعة من الرافضة، وهم في هذا المعنى أشقاؤهم وأولياؤهم، لأن ما خالفوهم فيه صغير في جنب ما وافقوهم عليه، والذين سموهم أصحاب أهواء هم المتكلمون، والمصلحون والمستصلحون، والمميزون. وأصحاب الحديث والعوام هم الذين يقلدون ولا يحصلون، ولا يتخيرون، والتقليد مرغوب عنه في حجة العقل، منهي عنه في القرآن، قد عكسوا الأمور كما ترى، ونقضوا العادات. وذلك أنا لا نشك أن من نظر وبحث، وقابل ووازن، أحق بالتبين، وأولى بالحجة.
وأما قولهم: منا النساك والعباد، فعباد الخوارج وحدهم أكثر عددا من عبادهم، على قلة عدد الخوارج في جنب عددهم، على أنهم أصحاب نية، وأطيب طعمة، وأبعد من التكسب، وأصدق ورعا، وأقل رياء، وأدوم طريقة، وأبذل للمهجة، وأقل جمعا ومنعا، وأظهر زهدا وجهدا. ولعل عبادة عمرو بن عبيد تفي بعبادة عامة عبادهم.
صفحة ٢٩٨