برغم كثرة الروايات التي تتناول حركات اليمامة والقتال في عقرباء، نجد الغموض ظاهرا في معرفة قوة الفريقين؛ فالطبري يذكر نقلا عن سيف بن عمر أن القوة المحاربة لدى قبائل بني حنيفة بلغت أربعين ألفا. ولما ذكر أخبار السنة الحادية عشرة الهجرية نقل عن ذلك الراوي نفسه، وزعم أن القوة المحاربة بلغت عشرة آلاف، أما ابن حبيش فيذكر في رواية نقلها عن الواقدي مفادها أن قوة المسلمين بلغت أربعة آلاف، وقوة بني حنيفة أيضا بلغت هذا المقدار ذاته، وفي رواية تسند إلى سيف بن عمر يزعم الراوي أن عدد القتلى من بني حنيفة بلغ عشرين ألفا.
أما المؤرخ الفارسي ميرخوندي فيزعم أن عدد القتلى في تلك الموقعة بلغ سبعين ألفا، والذين قتلوا في حديقة الموت بعد المعركة سبعين ألفا. ولعلك أدركت أنه يصعب الوصول إلى عدد يقرب من الحقيقة بين هذه الروايات التي تقدر قوة الحنفيين بين أربعة آلاف وأربعين ألفا، وعدد القتلى منهم بين عشرين ألفا إلى مائة وأربعين ألفا.
ولكن الثابت أن مسيلمة جمع أعظم قوة لمقابلة جيش المسلمين، ووضعها على الحد الفاصل بين بلاد حنيفة وبلاد بني تميم، وترك القرى العامرة وراءه، وكان من مصلحة الحنفيين أن يجتمعوا تحت لواء رئيسهم للدفاع عن حيهم الذي تركوه وراء ظهورهم، ويظهر من مجرى المعركة أن عدد القتلى في قوة الحنفيين كان كبيرا.
لقد قدرنا جيش بني حنيفة عند البحث في قوات الفريقين بخمسة عشر ألف مقاتل - بمعنى أن الحد الأقصى للقوة التي يستطيع الحنفيون سوقها لا يتجاوز العدد المذكور. والذي يلوح لنا أن القوة التي جمعها مسيلمة في عقرباء تبلغ عشرة آلاف مقاتل. (25) قوة المسلمين
يروي الواقدي أن جيش خالد بلغ أربعة آلاف مقاتل في معركة عقرباء، وفي رواية أخرى تسند إلى عيسى بن سهل أن الجيش الذي تولى قيادته خالد لما خرج من المدينة كان يقوده أربعة آلاف مقاتل، وهذا الجيش حارب في اليمامة، والذي لا ريب فيه أن قوة جيش المسلمين بلغت أربعة آلاف مقاتل لما تركت الربذة، وتقدمت نحو بزاخة وانضمت إليه قوات من بني طيء قبل المعركة، ثم زاد هذا الجيش إسلام قبائل بني أسد وغطفان، ولعل قوته بلغت أكثر من خمسة آلاف لما نزل في البطاح، ومن الثابت أن جماعات من بني تميم انضمت إليه قبل أن يتوجه نحو اليمامة. وتروي لنا الأخبار أن الخليفة أبا بكر أمد الجيش بقوات من المدينة لما كان محتشدا في البطاح، وأن خالدا سبق هذا الإصرار من المدينة، وانتظر وروده من البطاح فجميع هذه الأخبار تدل على أن جيش المسلمين تضاعفت قوته بانضمام القبائل ووصول النجدة إليه قبل أن يتحرك من البطاح نحو اليمامة، وكان من البديهي أن تلتحق به القبائل متى اتصل بها خبر خيرات اليمامة ووفرة المغنم فيها. ويلوح لي أن قوة الجيش بلغت أكثر من ستة آلاف مقاتل قبل حركته في البطاح. (26) الموقف قبل الحركة
لبى خالد أمر الخليفة فذهب إلى المدينة ليدافع عن عمله في قضية مالك بن نويرة، وفي رواية لسيف بن عمر أن أبا بكر أرسل عكرمة بن أبي جهل إلى اليمامة لما كان خالد يحارب المرتدين في بزاخة وأمده بقوة أخرى بقيادة شرحبيل بن حسنة، والرواية تزعم أن عكرمة بدأ القتال قبل وصول شرحبيل فنكب، فأقام شرحبيل في الطريق؛ حيث أدركه الخبر. وهذه الرواية تؤيد زعم سيف في أن الخليفة قسم جيش المسلمين في ذي القصة إلى إحدى عشرة فرقة، وعين قائدا لكل منها فوجهها إلى مناطق المرتدين، وقد سبق أن بينا فساد هذا الزعم. وفي رواية أخرى أن شرحبيل بن حسنة الذي تلقى أمرا من الخليفة بأن ينتظر ورود خالد ولا يتحرك، بادر إلى قتال مسيلمة قبل قدوم خالد فنكب وانسحب، وإذا صحت هذه الروايات يلوح لنا أن عكرمة بن أبي جهل كان يراقب اليمامة بقوة ساترة من المسلمين لما وقف خالد في البطاح، فوقعت مناوشات بينه وبين الحنفيين حبطت مساعيه فيها فانسحب، أما شرحبيل بن حسنة فإنه تولى قيادة جيش المسلمين عند ذهاب خالد إلى المدينة، فبدلا من أن ينتظر ورود خالد أسرع إلى مقاتلة الحنفيين فانكسر.
ولما قدم خالد البطاح كان جيش المسلمين مرابطا فيها، وكانت قبائل بني تميم عرضت الولاء إلا البعض منها فالتجأ إلى اليمامة، وكان بنو طيء وبنو أسد وبنو غطفان وبعض بني تميم أمدوا جيش المسلمين بالمقاتلين.
أما مسيلمة فإنه جهز عددا كبيرا من بني حنيفة وتقدم شمالا يريد مقابلة جيش خالد، وتدل الأخبار على أن بعض الحنفيين كان يخابر المسلمين سرا، ويطلع خالدا على موقف مسيلمة، ومن الروايات ما يؤيد أن الحنفيين الذين حافظوا على إسلامهم تحفزوا للشغب على مسيلمة. (27) الطريق الذي سلكه خالد
هناك طريقان للتقدم من البطاح نحو اليمامة؛ طريق شرقي وطريق غربي، أما الطريق الشرقي فيتجه شرقا أولا، ثم يمتد إلى سفح جبل طويق الغربي متوجها إلى الجنوب الشرقي مارا بالأرض الجبلية، وهو الطريق الذي يصل بريدة بالزلفى، ثم يمتد إلى المجمعة، ومنها إلى الحوطة فثادق فسدوس، أما الطريق الغربي فيتوجه نحو الجنوب الشرقي فيمتد بين نفود السد ونفود الشقيقة إلى أن يصل إلى الشقرة عاصمة الوشم، ومنها يمتد موازيا لسفوح جبل طويق الغربية فينعطف نحو الشرق ويتسلق الجبال ويمر بثنية اليمامة؛ حيث ينبع وادي حنيفة في غربي عيينة فينتهي في عقرباء ويدخل اليمامة.
والذي يلوح لنا أن خالدا سلك الطريق الغربي لاجتيازه أرضا سهلة تجعل المدينة في ظهره، أما الطريق الشرقي فيخترق أرضا جبلية وعرة، وقد تعرقل عليه المسير إذا أراد أهلها المقاومة، فضلا عن أنه طويل.
صفحة غير معروفة