أما الباقي من بني طيء فظل على الحياد بسعي عدي بن حاتم، وأما قبائل بني عامر بن صعصعة، وهي في الشمال الشرقي من جبل شمر، فكانت تراقب مجرى القتال، وتنتظر عاقبة المعركة لترى رأيها بعد ذلك.
أما بنو تميم فلم يوحدوا كلمتهم؛ بل كانوا منقسمين على بعضهم. وبينما كانت القبائل المرتدة على هذا النحو من تفرق الشمل واختلاف المقصد كان خالد بن الوليد على رأس جيش متجانس صقلته الغزوات والحروب، وحنكته التجارب متأهبا للحركة عند أول أمر يصدره قائده.
وكان هذا الجيش قليل العدد، غير أن كفاية قائده ضمنت له الفوز، وكلما أحرز فوزا ازدادت قوته بانضمام المحايدين إليه؛ لأن الغلبة كانت تأتي لهم، وقد تم ذلك فعلا، ويزعم بعض المؤرخين أن قوة جيش خالد كانت تبلغ ثلاثة آلاف مقاتل حين تقدم نحو طليحة، فلما تقدم نحو مسيلمة أصبحت عشرين ألفا. (14) الحركات
يقول ابن حبيش نقلا عن الواقدي: إن جيش خالد بدأ بالحركات من ذي القصة في اليوم السابع والعشرين من الشهر، وهذا الشهر إما جمادى الآخرة وإما رجب؛ لأن الرسول توفي في شهر ربيع الأول، وإن جيش أسامة قضى في حملته شهرين، وأجل حركته في الجرف مدة من الزمن. والمعلوم أن معظم قوة أسامة ألفت جيش خالد، فتكون المدة التي انقضت من وفاة الرسول إلى حين حركة خالد من ذي القصة ثلاثة أشهر على أقل تقدير.
فزمن الحركة إما أن يقع في منتصف شهر سبتمبر وإما في منتصف شهر أكتوبر من سنة 632 ميلادية.
واستعرض أبو بكر جيش المسلمين في ذي القصة وخطب في رجاله وأبان لهم الطريقة المثلى التي يجب أن يسيروا عليها، ولفت نظر خالد إلى خطورة الاستطلاع وأخذ الحيطة عند الهجوم على أهل اليمامة، وأن يجري الحركات على التعاقب؛ فلا يبدأ بحركة ما لم يظفر بالتي سبقتها، وأن يستعمل الرمح في مكافحة الرمح، والسيف في مكافحة السيف، ثم طلب منه مراعاة المهاجرين والأنصار والرفق بمن معه.
وكانت قوة الجيش تتفاوت بين أربعة آلاف وخمسة آلاف، وكان عدد الأنصار منه يربي على الخمسمائة، وكانت قوة جيش طليحة في بزاخة تزيد على خمسة آلاف، ومعظمها من بني أسد، والباقي من غطفان، وكان عيينة بن حصن على رأس هذا الباقي.
وكانت فرقتا جديلة وغوث من طيء في أكناف جبل سلمى متأهبتين للالتحاق بطليحة في بزاخة وتبلغ قوتهما زهاء ألف مقاتل. وكان بنو تميم على ما نعلم مشغولا بعضهم ببعض؛ فمنهم من التحق بسجاح، ومنهم من خالفها.
أما بنو حنيفة فكانوا في ديارهم باليمامة معتصمين بجبالهم ومعتزين بنبيهم مسيلمة يراقبون الحوادث في نجد. (15) خطة خالد بن الوليد
إن الطريق الأقصر الذي ينتهي بجيش المسلمين إلى بزاخة هو الطريق الذي يخترق وادي الرمة، وبزاخة واقعة في المنطقة حيث تكون أحياء طيء وأسد قد قرب بعضها من بعض، فكل حركة من ذي القصة على هذا الطريق الأقصر تشجع قبائل طيء على الالتحاق بطليحة في بزاخة، ومن عادة القبائل أنه إذا لم يهدد الخطر حيها توا تتركه وتسرع إلى نجدة الأحياء الأخرى متى أغار عليها الأعداء. كذلك درس خالد الموقف، وقرر أن يسلك طريقا يهدد به بلاد طيء، فإما أن يلجأ أهلها إلى الحياد، وإما أن يستميلهم إلى جانبه، وإذا ما تقدم رأسا نحو بزاخة يكون قد ترك بلاد طيء إلى جانبه الأيمن، وخاطر بالهجوم على بزاخة، أما إذا ضمن حياد طيء أو استمالتهم إلى جانبه فيكون قد هيأ أسباب الفوز على طليحة.
صفحة غير معروفة