وكذلك أقول إن الحرية والديمقراطية والشخصية واستقلال المرأة هي جميعها نتيجة المصانع، ولا يمكن وسطا زراعيا أن ينتج هذه النتائج.
ولكن استيعاب هذا البحث يخرج عن موضوعي هنا. •••
والآن، وبعد أن انتهينا من أن المكتبة المصرية أو العربية لا يمكنها أن تخرج الرجل العصري، علينا أن نتقدم بالمقترحات.
وأول ذلك أن تتغير - أو بالأحرى تتطور - حياتنا من الإنتاج الزراعي إلى الإنتاج الصناعي.
إن مصر تحتاج إلى ألف مصنع كل منها يحوي الآلاف من العمال.
ولكن إلى أن نصل إلى هذه الحال، وإلى أن نتغلب على الاستعمار وعلى التاريخ وعلى التقاليد وعلى العادات، نحتاج إلى الاعتماد على الوسائل الثقافية التي تحرك الأذهان إلى الأخذ بالروح المصري.
وعندي أن أسرع الوسائل إلى ذلك أن نترجم الموسوعة البريطانية (وهي 29 أو 30 مجلدا). واعتقادي أن نقلها إلى اللغة العربية جدير بأن يحدث نهضة تشبه الثورة، وتزودنا بهموم واهتمامات جديدة ترفع بلادنا، وتملأ قلوب شبابنا بالطموح والشهامة، كما تذكي عقولنا في معاني الحضارة والقوة، وتحرك عواطفنا نحو الرقي.
وترجمة هذه الموسوعة هي خير ألف مرة من إنشاء هذه المجاميع التي يقال إنها لغوية أو علمية، والتي تنفق عليها الدول العربية مئات الألوف من الجنيهات.
ترجموا لنا هذه الموسوعة، فهي السلاح والعتاد للثقافة العصرية، وهي التي يمكن أن تخرج الرجل العصري؛ لأن المعارف الجديدة التي تحويها عن تسلط الإنسان على المادة، وشروحها المسهبة لوسائل الإنتاج، وفكرة التطور التي تلهم صفحاتها، وآماد التاريخ البشري التي تبسطها قبل أن يكون الإنسان إنسانا إلى أن عرف كيف يخلق المادة، وحلقات الاكتشاف والاختراع التي تتبعها، من الفأس إلى الطائرة فالذرة، كل هذا جدير بأن يحفز القارئ العربي إلى الاجتراء على المستقبل والدخول فيه، وهو ما لم يفعله إلى الآن؛ إذ هو لا يزال قابعا في الماضي، لا يأكل الجديد ويمثله، ولكنه يجتر القديم ويقيئه.
الكتب التي غيرت الأفكار والمجتمعات
صفحة غير معروفة