قد يكون التدليل عينه منطبقا في حق كل عنصر آخر غير الهواء، ولا يمكن أن يوجد منها واحد قد يكون المنبع الوحيد الذي منه تكون قد خرجت الأخرى كلها. وليس يوجد خلاف هذه العناصر عنصر آخر وسيط، كأن يكون مثلا عنصرا وسطا بين الهواء والماء أو بين الهواء والنار، أثقل من الهواء والنار وأخف من كل الآخر؛ لأن هذا الوسيط حينئذ يكون بمقابلة الأضداد هواء ونارا معا. ولكن ثاني الضدين هو العدم، وبالتبع لا يمكن أن يثبت هذا العنصر الوسيط وحده، كما يقوله بعض الفلاسفة، عن اللامتناهي وعن الحاوي، فيلزم إذن إما أن كل واحد من العناصر المعروفة يمكن أن يكون على السواء هو ذلك الوسيط وإما ألا يمكن أي واحد منها أن يكونه.
3
ولكنه إذا لم يكن أجسام محسوسة سابقة على تلك، فالعناصر التي نعرفها هي كل هذه الموجودة، فيلزم حينئذ إما أن تثبت العناصر إلى الأبد كما هي دون أن يتغير بعضها إلى بعض، وإما أن تتغير على الدوام. يمكن أن يسلم أيضا إمكان تغيرها جميعا أو أن بعضها يمكن أن يتغير وأن الأخرى لا يمكنها ذلك كما قال أفلاطون في طيماوس. ولقد وضح فيما سبق أن العناصر تتغير بالضرورة بعضها إلى بعض، ولكنه قد بين أنها لا تتغير بسرعة على السواء تحت هذا التأثير المتبادل، وأن التغير يحصل أسرع بالنسبة للتي بينها نقطة صلة؛ أعني كيفا مشتركا وأبطأ بالنسبة لتلك التي ليس لها من ذلك. فإذا لم يكن إذن إلا مقابلة واحدة بالأضداد على حسبها تتغير الأجسام، فيلزم بالضرورة حينئذ أن يوجد جسمان؛ لأن الهيولي إنما هي التي تصلح وسطا للضدين غير مدرك وغير منفصل، ولكن لما أنه يوجد بالمعاينة عناصر أكثر فإن أقل ما يمكن أن يوجد من المقابلات إنما هو اثنان، ومتى وجد اثنان فلا يمكن أن يوجد ثلاثة حدود فقط، بل يلزم مطلقا أربعة كما قد تدل عليه المشاهدة. وهذا إنما هو عدد التراكيب اثنين اثنين؛ لأنه ولو أنها ستة في المجموع إلا أن منها اثنين لا يمكن ألبتة أن يكونا؛ لأنهما ضدان أحدهما للآخر. ومع ذلك فقد عولجت هذه المسائل فيما سبق.
4
مع أن العناصر تتغير بعضها إلى بعض، فإن من المحال أن يوجد مبدأ التحول لا في أحد الطرفين ولا في الوسط. وإليك ما يثبته، فأما الطرفان فإنه ليس ممكنا أن تكون كل الأشياء من النار كما أنها لا تكون كلها من الأرض؛ لأن هذا يرجع إلى القول بأن الكل يتولد من النار أو أن الكل يتولد من الأرض. ولكن لا يمكن أن يقال أيضا - كما يريد بعض الفلاسفة - أن الوسط هو المبدأ، وأن الهواء ينقلب إلى نار وإلى ماء، ولا أن الماء ينقلب إلى هواء وإلى أرض؛ لأني أكرر أن الأطراف لا يمكن ألبتة أن يتغير بعضها إلى بعض.
5
على ذلك يلزم إيجاد نقطة وقوف، ولا يمكن من جهة ولا من أخرى السير إلى اللانهاية على خط مستقيم؛ لأنه يترتب عليه وجود مقابلات وأضداد غير متناهية العدد لعنصر واحد أحد. فلنرمز للأرض بحرف أ، وللماء بحرف م، وللهواء بحرف ه، وللنار بحرف ن؛ فإذا تغير ه إلى ن وإلى م فالتقابل يكون بين ه، ن. ولنفرض أن هذين الضدين هما البياض والسواد، ومن جهة أخرى إذا تغير ه إلى م فسيكون تقابل آخر؛ لأن م، ن ليسا متماثلين. ولتكن مقابلة السيولة واليبوسة مرموزا لليبوسة بحرف ي وللسيولة بحرف س؛ فإذا كان حينئذ الأبيض هو الذي يمكث ويبقى، فيكون الماء سائلا وأبيض، فإذا لم يكن أبيض فيكون أسود ما دام أن التغير لا يحصل إلا إلى الأضداد، فيلزم حينئذ بالضرورة أن يكون الماء إما أبيض وإما أسود، ويمكن افتراض أنه في الحالة الأولى، وبالطريقة عينها أيضا ي اليبوسة يكون لحرف ن، وحينئذ ن أعني النار تتغير كذلك إلى ماء؛ لأنهما الضدان، والنار كانت سوداء أولا ثم يابسة بعد ذلك كما كان الماء سائلا أولا ثم أبيض.
6
فبين إذن أن كل العناصر يمكن أن يتغير بعضها إلى بعض، والكيوف الباقية ستوجد في (أ). الأرض كما يوجد فيها نقطتا الاجتماع والارتباط الأسود والسائل ما دام أن هذين الكيفين لم يتركبا معا بعد بأية طريقة كانت.
7
صفحة غير معروفة