والسؤال الوارد الآن: ألم يصحب الخلل الاقتصادي خللا في المجالات الأخرى الهامة على رأسها الأمن القومي في مواجهة إسرائيل؟
ألم تصاحب الشروط التجارية المجحفة لمصر اقتصاديا شروط أخرى سياسية أدت إلى الخلل الحادث اليوم بين مصر وإسرائيل بالنسبة لواقع التسلح الاستراتيجي في الشرق الأوسط؟
أصبحت جريدة الأهرام تكشف عن هذا الخلل أخيرا «لكن في انفصال عن الخلل الاقتصادي.»
في الأهرام 12 أغسطس يظهر أخيرا مقال تحت عنوان: تقارير المخابرات الأمريكية وواقع التسلح الاستراتيجي في الشرق الأوسط، بقلم محمد عبد السلام ، يكشف فيه عن الخلل الذي حدث بين إسرائيل ومصر عسكريا، وفي الوقت الذي وقعت فيه مصر على عدد من الاتفاقيات أو معاهدات حظر أو منع انتشار الأسلحة النووية (في 26 فبراير 1981) ومعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية (في 14 أكتوبر 1996) وسبق ذلك الموافقة على حظر تطوير الأسلحة البيولوجية أو إنتاجها (في 10 أبريل 1972).
صدقت مصر على كل هذه المعاهدات تحت ضغط أمريكا التي لم تضغط على إسرائيل، وبالتالي لم توقع إسرائيل على هذه المعاهدات مما أدى إلى خلل وعدم توازن بين قوة إسرائيل النووية وقوة مصر النووية؛ بل لأن مصر دولة محورية في العالم العربي والأفريقي، فقد أثرت مصر على هذا العالم الذي وقع مثل مصر على هذه المعاهدات المجحفة، وتزايدت ترسانة إسرائيل النووية خلال الأعوام الأخيرة، بل أصبحت تملك طرازا جديدا من صواريخ جيركو تم تطويرها وتحميلها برءوس نووية أكبر، بل إضافة على البرنامج الإسرائيلي العلني «أرو» بالمشاركة الأمريكية والذي أصبح في السنين الأخيرة أخطبوط متعدد الأذرع (حسب المقال في الأهرام).
أما الخلل الإعلامي والثقافي فهو معروف وأكثر ظهورا من الخلل الاقتصادي أو العسكري أو غيرها من المجالات الحساسة المحظور نشرها في معظم الأحيان.
وهل نتكلم عن سلبيات الاتفاقات الثقافية المجحفة في الجات وغيرها، والتي أدت مثلا إلى انتشار الأفلام الأمريكية على حساب الأفلام المصرية؟
هل نقول إن التبعية الإعلامية والثقافية لا تنفصل عن التبعية الاقتصادية وغيرها من المجالات الحيوية في البلاد، ألم تجف حلوقنا منذ ربع قرن ونحن نقول ذلك، حتى في المقالات عن قضية المرأة، ألم نربط الفقر المتزايد والقيود المتزايدة على النساء تحت اسم الدين والأخلاق؟ ألم يكن الإرهاب الديني وقهر النساء جزءا لا ينفصل عن الإرهاب الاقتصادي والإعلامي، وما أكثر من يتكلمون اليوم عن ظاهرة تأنيث الفقر كأنما هي ظاهرة منفصلة في التاريخ وهابطة فجأة من السماء؛ وليست نتيجة منطقية لما سمي الانفتاح الاقتصادي والذي أصبح يسمى اليوم الإصلاح الاقتصادي.
إن هذا الفصل بين المجالات هو الذي يؤدي إلى التجهيل بما يحدث لنا، ويعيش الشعب المصري نهبا لموارده المادية والمعنوية في آن واحد، بالإضافة إلى إخفاء الحقائق وعدم إظهارها في وقتها بل بعد فوات الأوان.
والسؤال: من المسئولون عن ذلك؟ في الماضي والحاضر، ذلك أن الماضي لا ينفصل عن الحاضر ولا ينفصل عن المستقبل.
صفحة غير معروفة