إليها في الاستدلال، وجب عليه الرجوع في الأحكام إلى المفتي، ويجب عليه الاجتهاد في تحصيل معرفته، وكونه موصوفا بشرائط المفتي، وتعرف ذلك العامي برؤيته منتصبا للفتوى بمشهد من الخلق، وتعظيمهم له، وإقبالهم عليه، وأخذهم الفتاوى عنه، وانتشار فتياه، إذ مع حصول ذلك يغلب على ظنه أنه موصوف بشرائط المفتي، فيرجع إليه في أحكام دينه، ويأخذ عنه تكليفه، ولا يصح له أن يستفتي من يظنه غير عالم أو غير متدين.
فإن اتحد المفتي تعين الأخذ عنه، ولو تعدد اجتهد المستفتي في طلب المرجح.
ويترجح الأعلم على الأورع (1)، ولو تساويا في العلم وكان أحدهما أورع ترجح، ولو تساويا تخيرا، فإذا استفتى واحدا في مسألة لم يجز استفتاء الآخر في نقيضها، لاستلزامه الجمع بين الحكمين المتنافيين، ويجوز ان يستفتي الآخر في غيرها من المسائل.
وان كان محصلا لبعض العلوم المتوقف عليها الاستدلال أو لجميعها، لكن لا قدرة له على الاستنباط، ولا قوة في نفسه يتمكن بها من رد الفروع إلى اصولها، وجب عليهما الرجوع الى قول المفتي، إذ لا فرق بينهما وبين العامي، في عدم القدرة على تحصيل الحكم بطريق العلم، فساوياه في وجوب الاستفتاء.
وأما لو كان محصلا للعلوم، قادرا على الاستنباط، متمكنا من الاجتهاد لكن لم يجتهد، فهل يصح له الرجوع إلى قول المفتي، أو يتعين عليه الاجتهاد؟
(1) وهو قول المحقق (رحمه الله)، لأن الفتوى تستفاد من العلم لا من الورع، والقدر الذي عنده من الورع يحجزه عن الفتوى بما لا يعلم، فلا اعتبار برجحان ورع الآخر.
معارج الاصول: ص 201.
صفحة ١٥٠