الأصول المحفوظة، وذلك هو معنى قولهم: «لا بد ان يكون المستدل ذا قدرة على استنباط الحوادث والفروع المتجددة من الاصول».
فينظر فيها بفكره الصائب، ويراعي فيها الاصول، ويردها إلى بعضها بأحد الامارات الشرعية، ويأخذ حكمها منه، فإن تعارضت الأمارات عنده، أو احتمل ردها إلى أصلين، رجع في ذلك إلى أحوال التراجيح المذكورة في الاصول، وجزم بما يترجح بها عنده، فإن لم يظهر له المرجح، أو لم يعرف الأصل الذي يرجع إليه، أو لم يظهر له أمارة سالمة من الإيراد، وقف في الحكم حتى يظهر له الدليل، فإن ذلك هو أقصى تكليفه.
هذا محل الاجتهاد والاستدلال، وكيفية تصرف المجتهد في كيفية أخذ الأحكام عن الأدلة الشرعية، وما كان عليه السلف في اجتهاداتهم واستدلالاتهم، فاسبر تصانيفهم واصولهم تجدها كلها على هذه الطريقة، حذو البعض من البعض، وبناء المتأخر على المتقدم حتى اتصل ذلك بأهل هذا العصر.
بل أقول إن الاستدلال والاجتهاد في وقتنا هذا بالنسبة إلينا أسهل منه بالنسبة إلى من تقدمنا، لأن السلف رحمهم الله قد كفونا مئونة الآلات، وتمهيد الطرق، وتسهيل الأدلة، فإنهم جمعوا الآيات المتعلقة بالأحكام واستخرجوها من كتب التفسير، وأفردوها في كتب منفردة، ورتبوها بترتيب أبواب الفقه، وذكروا ما قاله المفسرون في معانيها، واستنبطوا ما دلت عليه من الأحكام، وفرعوا عليها ما عرفوه بنظرهم من الفروع، كل ذلك تسهيلا لمن تأخر عنهم من الطلاب والسلاك، فلم يبق على من تأخر عنهم غير النظر والمطالعة لما ألفوه.
وكذلك جمعوا الاحاديث من مظان متباعدة، واستخرجوها من اصول متفرقة، وضبطوها في اصول مجتمعة، بعد بيان طرقها، وتعريف أسانيدها، وأسماء رجالها الناقلين لها عن الأئمة (عليهم السلام)، بحيث لم يشذ عنهم
صفحة ١٣٦