وهذا أيضا معلوم بأدنى تأمل إن لم يكن معلوما ضرورة لأنا نعلم أنه لا يصح وجود جسم ليس بمتحرك ولا ساكن، وكذلك لا يصح وجود جسمين ليسا مجتمعين ولا مفترقين، فإن هذه الأكوان الأربعة التي هي الحركة والسكون والاجتماع والافتراق لا يصح خلو أي جسم منها لكن الأولين يتعلقان بكل جسم بالنظر إلى ذاته وحده، والأخيرين يتعلقان بكل جسم بالنظر إلى جسم آخر، ولا يعقلا في الجسم الواحد إلا باعتبار أجزائه إلى عند الجوهر الفرد، وأما سائر الأعراض فقد يكون لها هذا الحكم - أعني عدم خلو الجسم عنها كالألوان - وقد لا يكون لها هذا الحكم كالطعوم والروائح، وقد يكون بعضها خاص بالحيوان كالحياة والموت والشهوة والنفرة والألم والأصوات،وقد يكون بعضها خاصا بالإنسان كالضحك والبكاء، وبعضها بالعقلاء فقط كالظنون والأفكار وكلها دالة على حدوث ما قامت به، إلا أنه لما كانت الأربعة الأول وهي الحركة والسكون والاجتماع والافتراق تعم كل الأجسام السماوات والأرض وما فيهما وكان قيامها بالأجسام كلها على سبيل النقيضين الذين يستحيل ارتفاعهما معا واجتماعهما معا كانت هي المتداولة في ألسنة المتكلمين ويعبر عنها بالأكوان الأربعة وإلا فكلها صالحة للاستدلال على حدوث العالم، لكن الأخص لا يدل على حدوث الأعم لعدم تناوله إياه كالضحك والبكاء مثلا، فلا يدلان على حدوث ما سوى الإنسان ونحو ذلك.
الدعوى الرابعة: أن كل ما لم يخل من المحدث ولم يتقدمه في الوجود فهو محدث مثله.
صفحة ٨٨