الثاني: أن القديم قديم بذاته لا بفاعل لاستلزامه الحدوث فيناقض قدمه، ولا لعلة إن كانت محدثة فكذلك وإن كانت قديمة، فما قيل في قدمه قيل في قدمها وللزوم استغنائه عنها إذ كان قديما مثلها، ولأنه ليس دعوى أن أحدهما هو المؤثر في قدم الآخر بأولى من العكس، فثبت أن القديم قديم بذاته، وأما كون الباقي باق بذاته، فإن كان قديما كالباري فكذلك، ولعل أن الأشعرية ونحوهم ممن أثبت المعاني القديمة لله تعالى والكلام القديم يقولون: إنها باقية بذاتها ولذا يسمونها الدائمة، وسيأتي إبطال هذه المعاني من حيث هي فضلا عن وصفها بقدم أو بقاء فضلا عن كون ذلك القدم والبقاء فيها هو بالذات أم لا، وإن كان الباقي محدثا فمحل نظر هل بقاؤه بذاته أم بفاعل تلك الذوات ؟ إن قيل: بالأول. فيشكل عليه الإجماع أنه لا باقي إلا الله وأن كل شيء سواه تعالى هالك ولزوم استغناء الوجود عن الله تعالى في وجوده فيكون موجودا بذاته وهو محال لأنه يصير بذلك قديما. وإن قيل: بالثاني. فيشكل عليه ما تقدم في الفرع الأول أن البقاء ليس معنى زائدا على ذات الباقي وأن تحصيل الحاصل محال.
صفحة ١٧٣