كشف المشكل من حديث الصحيحين
محقق
علي حسين البواب
الناشر
دار الوطن
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٨ هجري
مكان النشر
الرياض
أنس بن مَالك أَن النَّبِي ﷺ قَالَ: " اللَّهُمَّ إِنَّك إِن تشأ لَا تعبد فِي الأَرْض " وَعَادَة الروَاة ذكر الْمَعْنى الَّذِي يظنون أَنه الْمَعْنى، وَقد يغلطون فِي الْعبارَات عَنهُ، فَرُبمَا كَانَ حَدِيث عمر مغيرا مِمَّن قد ظن أَنه أَتَى بِالْمَعْنَى.
وعَلى لفظ حَدِيث ابْن عَبَّاس وَأنس يسهل الْجَواب، وَيكون الْمَعْنى: إِنَّك قد جعلت الْأُمُور منوطة بالأسباب، فَإِذا قطعت هَذَا السَّبَب فكأنك قد شِئْت قطع الْعِبَادَة. ويتضمن هَذَا شَيْئَيْنِ: أَحدهمَا: أَنَّك غَنِي عَن الْعِبَادَة وَنحن فُقَرَاء إِلَيْهَا. وَالثَّانِي: أننا نَخَاف هَلَاك الصَّالِحين فَيبقى أهل الْفساد، فيشمت بِنَا من قَالَ: ﴿أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا﴾ [الْبَقَرَة: ٣٠] .
وَإِن نزلنَا على الأشد وتكلمنا على لفظ حَدِيث عمر، فَإِن الْقطع على نفي الْعِبَادَة بِعَدَمِ هَؤُلَاءِ مَحْمُول على أَنه مِمَّا اطلع عَلَيْهِ من الْغَيْب، وَكَانَ مِمَّا اطلع عَلَيْهِ أَن الله تَعَالَى لَا يبْعَث نَبيا بعده، وَلَا يخلق لحفظ قَاعِدَة دينه ونصرته سوى هَؤُلَاءِ، فَأخْبر عَن علم الْحق ﷿ لَا عَن ظن نَفسه، فَكَأَنَّهُ يَقُول: إِذا هلك هَؤُلَاءِ، الناقلون عني وهم جُمْهُور الْمُؤمنِينَ وخيارهم وَلَا نَبِي بعدِي بطلت الْعِبَادَة؛ لِأَن الْعِبَادَة إِنَّمَا تكون بنشر الشَّرِيعَة. ويتضمن هَذَا القَوْل مِنْهُ نوع غيرَة، تقديرها: أغار أَلا تعبد.
وَلَا يجوز أَن يظنّ برَسُول الله مَا هُوَ منزه عَنهُ من الشطح والزلل فِي القَوْل، مَعَ شَهَادَة الْحق ﷿ لَهُ بالعصمة فِي كَلَامه بقوله تَعَالَى: ﴿وَمَا ينْطق عَن الْهوى﴾ [النَّجْم: ٣] وَقَالَ لَهُ عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ: أكتب مَا أسمع مِنْك؟ قَالَ " نعم " قَالَ: فِي السخط وَالرِّضَا؟
1 / 136