وكان إدريس عليه السلام يخيط ويقول في كل غرزة: الحمد لله وسبحان الله، وهو أول من خاط فجاء إبليس في صورة آدمي وفي يده قشرة بيضة فقال لا يقدر الله أن يجعل الدنيا في هذه القشرة. فقال: الله عز وجل قادر أن يجعلها في سم هذه الإبرة ونخس إحدى عينيه بها فصار أعور. والمراد قادر أن يصغر الدنيا حتى تكون في سم هذه الإبرة ويوسع سمها حتى يحيط بها، وأما مع إبقاء كل على ما كان فالإحاطة مستحيلة، وتوهم ابن حزم من ذلك أن الله عز وجل يوصف بالقدرة على إحاطة القشرة والإبرة مع بقاء ضيقها على الدنيا مع سعتها وهذا مستحيل. فقال يجوز تعلق القدرة بوقوع المستحيل وهو خطأ. ذكر ابن حزم هذه البدعة في كتاب الملل والنحل، وهو كتاب يرد فيه على اليهود والنصارى والمجوس والفلاسفة والمعتزلة وغيرهم، وأكثر فيه الرد على الأشاعرة والماتريدية، وله كتاب في الفقه ينتصر فيه للظاهرية ويشنع فيه <1/ 48> على الأئمة الأربعة ولا سيما مالك، وليس نفي قدرة الله عز وجل عن الحال ونفي علمه عما لا يتصف بعلمه ونحو ذلك نقصا أو قصورا تعالى الله عز وجل عن ذلك، بل ذلك مدح وعكسه ذم تعالى الله عنه، فنقول لا يعلم الله وقوع المحال ولا يعلم وقوع الصاحبة والولد والشريك، ولا يعلم ثبوت ذلك وإلا انقلب العلم جهلا؛ لأن الاعتقاد بثبوت المحال جهل، وليس ذلك إخراجا عن بعض متعلقات العلم عن علمه بل اعتقاد أن ذلك لا يتصف بالعلم، ونفي تسمية الجهل علما واعتقاد ما لا يجوز استحالته جهلا والعلم يتعلق بكل أمر على الوجه اللائق وكف تعلقه بوجه غير لائق تنزيها له لا تنقيص وكمال لا محال.
صفحة ٤٥