الجواب: إن هذا البعض لا يجد هو ولا غيره أن الإدراك الإحاطة خاصة في اللغة ولا في العرف ولا نسب لابن عباس، بل يوجد على الإحاطة ودونها، فرؤية الله عز وجل ممنوعة على الإحاطة ودون الإحاطة وقد اختار أبو الحسن الأشعري أن الإدراك الرؤية المطلقة، فقوله تعالى: {لا تدركه الابصار} [سورة الأنعام: 103] سالبة كلية دائمة، وللاستغراق والنفي لعموم السلب، وهذا هو الظاهر المتبادر كما لا يخفى، وما يحق له البحث من غير هذا مما هو مشهور مكرر في الكتب يبطل بالأدلة العقلية الراجعة إلى تنزيه الله عز وجل؛ وذلك أن الإدراك مطلقا يوجب الشبه، وقد وافقنا الفلاسفة والمعتزلة على ذلك. والواجب بالذات لا يلاقيه الحادث بوجه من الوجوه. والواجب إما عرضي وإما ذاتي وإما مطلق وإما مقيد. والواجب العرضي كوجوب الممكن الذي تعلق علم الله تعالى بوقوعه فهو في ذاته جائز لاستواء وجوده وعدمه لكن عرض له الوجوب من وعد الله عز وجل به وتعلق علمه بوقوعه. والواجب الذاتي في الحادث كالتحيز للجرم فإنه واجب له ما دام باقيا، فلو قيل: إن الله جرم لتناقض؛ لأن <1/ 42> الألوهية تقتضي عدم التحيز والجرم يقتضي التحيز، والممكن الذي لا ينفع جائز لذاته محال بقضاء الله عز وجل أن لا يقع. ولا تعلق عندنا لعلم الله بما هو محال لذاته، كصفات الخلق لله عز وجل، وصفاته تعالى للخلق، لا من حيث إنه محال، وعلى قول قومنا وأهل عمان: لعلم الله تعلق بالجائز لذاته الذي لا يقع من حيث علم أنه لو وقع وقع على كيفية كذا. وعن قول بعض مثبتي الرؤية كما امتنع أن يكون المرئي لا في جهة يمنع الوهم أن يكون موجودا إلا في جهة والعقل يجوز الجميع والوهم يمنع الجميع.
صفحة ٤٠