قال بعض الأشاعرة: الخلاف في أهل الفترة إنما هو بالنظر إلى عقائد التوحيد، وأما علم تكليفهم بالفروع فمحل اتفاق، وهو مناسب لقولي: إنهم مكلفون بالتوحيد إذا لم يسمعوا؛ لأن معهم دلالة وهي المعجزات التكوينية، وعرب الجاهلية إن لم تصلهم دعوة إسماعيل عليه السلام فقد وصلتهم دعوة موسى أو غيره من أنبياء بني إسرائيل ومن لم تصله هلك بجهل التوحيد، والمعتزلة تعتبر العقل قبل ورود الشرع، فما حكم به فهو حكم الله تعالى وضعه في العقل، فالعقل يقضي بإباحة الضروري الذي تدعو الحاجة إليه دعاء تاما، كالتنفس وبتحريم الاختيار المشتمل على فساد فعله كالظلم وبوجوب المشتمل على فساد تركه كالعدل وبندب المشتمل على مصلحة فعله كالإحسان وبكراهة المشتمل على مصلحة تركه وبإباحة الذي لم يشتمل على صلاح أو فساد وإن لم يقض العقل في الاختياري لعدم إدراكه كأكل حيوان مخصوص أو <1/ 31> الفاكهة قبل العلم بالإباحة فبعض قال بالمنع لأن العقل تصرف في ملك الله تعالى بغير إذنه، والعالم كله أعراضه وأجسامه ملك لله تعالى، وبعض قال بالإباحة لأنه تعالى خلق العبد محتاجا فله ما احتاج إليه حتى يمنعه من شيء، وقال بعض بالوقوف لتعارض الدليلين، وهذه أقوال ثلاثة للأشعرية أيضا كالمعتزلة، ومن كلام المعتزلة ما أدركه العقل فهو الشرع عند من لم يسمع، وما لم يدركه فهو محطوط عنه، والله أعلم.
------------------------
صفحة ٣٠