مقدمة الكتاب
(بسم الله الرحمن الرحيم) الحمد لله الذي ألزمنا كلمة التقوى، ووفقنا للتمسك بالسبب الأقوى، وشيد لنا ربوع الإيمان فما تعفو ولا تقوى، وأيدنا بعصمته فهي أبدا تشتد وتقوى. أحمده حمد معترف بإحسانه، مغترف من بحار امتنانه، شاكر لما أولاه بحسب الإمكان، مقر بالتقصير عما يجب من شكر نعمه التي لا تنفد أو تنفذ مدة الزمان. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة يعتقدها الجنان، وتشهد بها الجوارح والأركان، ويرويها عن القلب واللسان، ويجر بدائع ألفاظها البيان، ويثبتها في صحائف الخلود البنان، وأشهد أن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) عبده ورسوله، ابتعثه وزند الباطل وار، وأسد الكفر ضار، والنفاق قد هدرت شقاشقه، ونعق ناعقه، واستعلت رواعده، واشتعلت بوارقه، فلم يزل (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى أخمد نيرانه، وزلزل بنيانه، وهد بسيف عليه أركانه، وأردى بذي فقاره حماته وشجعانه، واستقر الدين وألقى جرانه، وعبدوا طوعا وكرها رحمانه، ونبذ الجاهلي أصنامه وحل اليهودي سبته، وكسر النصراني صلبانه (صلى الله عليه وآله وسلم) الذين اقتفوا آثاره، وأعلوا شعاره، وكانوا في حياته وبعده أعوانه على الحق وأنصاره، وعيبة علمه التي أودعها أسراره، صلى الله عليه وعليهم ما لاح نهار مشرق، وأينع غصن مورق، ورعد راعد وأبرق مبرق، وشرف وكرم وعظم.
وبعد؛ فإن الله سبحانه وله الحمد لما هداني إلى الصراط المستقيم، وسلك بي سبيل المنهج القويم، وجعل هواي في آل نبيه لما اختلفت الأهواء، ورأيي فيهم حيث اضطربت الآراء، وولائي لهم إذ تشعب الولاء، ودعائي بهم إذ تفرق الدعاء، تلقيت نعمته تعالى بشكر دائم الإمداد، وحمد متصل اتصال الآباد، واتخذت هديهم شريعة ومنهاجا، ومذهبهم سلما إلى نيل المطالب ومعراجا، وحبهم علاجا لداء هفواتي [1] إذ اختار كل قوم علاجا، وصرحت بموالاتهم إذا ورى غيري أوداجى [2]، فهم صلى الله عليهم عدتي وعتادي، وذخيرتي الباقية في معادي، وأنسي إذا أسلمني طبيبي وانقضى
صفحة ٢٧