بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي ألزمنا كلمة التقوى. ووفقنا للتمسك بالسبب الأقوى، وشيد لنا ربوع الايمان فما تعفو ولا تقوى، وأيدنا بعصمته فهي أبدا تشتد وتقوى. أحمده حمد معترف باحسانه. مغترف من بحار امتنانه شاكر لما أولاه بحسب الامكان مقر بالتقصير عما يجب من شكر نعمه التي لا تنفد أو تنفد مدة الزمان. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يعتقدها الجنان. وتشهد بها الجوارح والأركان، ويرويها عن القلب واللسان. ويجر بدايع ألفاظها البيان، ويثبتها في صحايف الخلود البنان وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وآله عبده ورسوله ابتعثه وزند الباطل وار، وأسد الكفر ضار، والنفاق قد هدرت شقاشقه، ونعق ناعقه، واستعلت رواعده، واشتعلت بوارقه فلم يزل صلى الله عليه وآله حتى أخمد نيرانه، وزلزل بنيانه، وهد بسيف عليه أركانه وأردى بذي فقاره حماته وشجعانه، واستقر الدين وألقى جرانه وعبدوا طوعا وكرها رحمانه، ونبذ الجاهلي أصنامه وحل اليهودي سبته. وكسر النصراني صلبانه صلى الله عليه وآله الذين اقتفوا آثاره، وأعلوا شعاره وكانوا في حياته وبعده أعوانه على الحق وأنصاره، وعيبة علمه التي أودعها أسراره، صلى الله عليه وآله وعليهم ما لاح نهار مشرق، وأينع غصن مورق ورعد راعد وأبرق مبرق، وشرف وكرم وعظم.
صفحة ٢
وبعد فان الله سبحانه وله الحمد لما هداني إلى الصراط المستقيم، وسلك بي سبيل المنهج القويم، وجعل هواي في آل نبيه لما اختلفت الأهواء، ورأيي فيهم حيث اضطربت الآراء، وولائي لهم إذ تشعب الولاء، ودعائي بهم إذ تفرق الدعاء تلقيت نعمته تعالى بشكر دائم الامداد، وحمد متصل اتصال الآباد، واتخذت هديهم شريعة ومنهاجا، ومذهبهم سلما إلى نيل المطالب ومعراجا، وحبهم علاجا لداء هفواتي إذا اختار كل قوم علاجا، وصرحت بموالاتهم إذا ورى غيري أوداجي فهم صلى الله عليهم عدتي وعتادي، وذخيرتي الباقية في معادي، وأنسى إذا أسلمني طبيبي وانقضى تردد عوادي، وهداتي إذا جار الدليل وحار الهادي، أحد السببين الذين من اعتلق بهما فازت قداحه. وثاني الثقلين الذين من تمسك بهما أسفر عن حمد السرى صباحه محبتهم عصمة في الأولى والعقبى، ومودتهم واجبة بدليل (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) من أطاعهم فقد أطاع الله وراقبه، ومن عصاهم فقد جاهره بالعناد وحاربه، ونصب نفسه درأة لعقابه وعذابه حين ناصبه، جبال العلوم الراسخة وقلل الفخار الشامخة، وغرر الشرف البادية إذا انتسبوا عدوا المصطفى والمرتضى، وإذا فخروا على الأملاك انقادت وأعطت الرضى وإن جادوا بخلوا السحاب الماطر، وأخجلوا العباب الزاخر، وإن شجعوا أرضوا الأسمر الذابل، والأبيض الناضر، وإن قالوا نطقوا بالصواب وأتوا بالحكمة وفصل الخطاب، وعرفوا كيف تؤتى البيوت من الأبواب، وطبقوا المفصل في الابتداء والجواب، وما عسى أن تبلغ المدايح وإلى أين تنتهى الأفكار والقرائح، وكيف تنال الصفات قدر قوم أثنى عليهم القرآن ومدحهم الرحمان، فهم خيرته من العباد وصفوته من الحاضر والباد، بهم تقبل الأعمال وتصلح الأحوال، وتحصل السعادة والكمال
صفحة ٣
هم القوم من أصفاهم الود مخلصا تمسك في أخراه بالسبب الأقوى هم القوم فاقوا العالمين مآثرا محاسنها تجلى وآياتها تروى بهم عرف الناس الهدى فهداهم يضل الذي يقلى ويهدى الذي يهوى موالاتهم فرض وحبهم هدى وطاعتهم قربى وودهم تقوى وقد كانت نفسي تنازعني دائما أن أجمع مختصرا أذكر فيه لمعا من أخبارهم وجملة من صفاتهم وآثارهم، وكانت العوايق تمنع من المراد، وعوادي الأيام تضرب دون بلوغ الغرض بالاسداد، والدهر يماطل كما يماطل الغريم وحوادث الاقدار لا تنام ولا تنيم، إلى أن بلغ الكتاب أجله، وأراد الله تقديمه وكان أجله وأظهره في الوقت الذي قدره له، وألهمني إخراجه من القوة إلى الفعل فأثبت مجمله ومفصله فأعملت فيه فكري، وجمعت على ضم شوارده أمرى وسألت الله أن يشد أزرى، ويحط بكرمه وزري، ويشرح لاتمامه صدري فاستجاب الدعاء وتقبله وخفف عنى ثقل الاهتمام وسهله، فنهضت عزيمتي القاعدة، وهبت همتي الراكدة، وقلت لنفسي: هذا أوان الشد فاشتدي. وحين الاعتداء لما ينفع فاعتدى، وزمان وفاء الغريم المماطل، وأبان إبراز الحق من حيز الباطل، ووقت الاهتمام والشروع، وملازمة النهج المشروع، وإثبات المسند والمرفوع، وذكر الأصول والفروع، وضم أطراف المنقول والمسموع وتحلية الاسماع بجواهر المناقب الفايقة، وإبراز الحق في صورته المعجبة الرايقة، واعتمدت في الغالب النقل من كتب الجمهور، ليكون أدعى إلى تلقيه بالقبول، ووفق رأى الجميع متى وجهوا إلى الأصول، ولان الحجة متى قام الخصم بتشييدها والفضيلة متى نهض المخالف بإثباتها وتقييدها، كانت أقوى يدا، وأحسن مرادا، وأصفى موردا، وأورى زنادا وأثبت قواعد وأركانا وأحكم أساسا وبنيانا، وأقل شانيا وأعلى شأنا، والتزم بتصديقها وان أرمضته
صفحة ٤
وحكم بتحقيقها وان أمرضته، وأعطى القيادة وإن كان حرونا، وجرى في سبل الوفاق وإن كن حزونا ووافق بوده لو قدر على الخلاف، وأعطى النصف من نفسه وهو بمعزل عن الانصاف، ولان نشر الفضيلة حسن لا سيما إذا نبه عليها الحسود، وقيام الحجة بشهادة الخصم أوكد وإن تعددت الشهود. ومليحة شهدت لها ضراتها والفضل ما شهدت به الأعداء ونقلت من كتب أصحابنا ما لم يتعرض الجمهور لذكره، فان النبي صلى الله عليه وآله مسألة إجماع، وإنما ذكرت شيئا من أحواله وصفاته تيمنا به صلى الله عليه وآله وتطريزا لديباجة هذا الكتاب باسمه وتزيينا له به صلى الله عليه وآله.
وأما أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام فإنه يوجد من مناقبهم ومزاياهم في كتبهم ما لعله كاف شاف. وأما باقي الأئمة عليهم السلام فلا يكاد جماعة من أعيانهم وعلمائهم يعرفون أسماءهم ولو عرفوها ما عدوها متسقة متوالية فضلا عن غير ذلك هذا مع حرصهم على معرفة نقلة الاخبار والاشعار، وتدوين الكتب الطويلة في ذلك، بل معرفة أجلاف العرب ممن قال بيتا أو أرسل مثلا، بل معرفة المغنين والمغنيات، ومعرفة الابعاد ونسبة الأصوات بل معرفة المخانيث والمجانين والقصاص والمعلمين وغير ذلك مما لو عدد لطال مما لا يوجب أجرا ولا يخلد ذكرا، ويرغبون عن قوم جدهم النبي صلى الله عليه وآله، وأبوهم الوصي وأمهم فاطمة وجدتهم خديجة، وأخوالهم الطيب والطاهر والقاسم، وعمهم جعفر ذو الجناحين وقد شهد القرآن بطهارتهم، وحث الرسول صلى الله عليه وآله على حبهم ومودتهم وقد رأيت أنا في زماني من قضاتهم ومدرسيهم من لا يرى زيارة موسى بن جعفر عليهما السلام، وكانوا إذا زرناه قعدوا ظاهر السور ينتظروننا ويعودوا معنا، هذا مع زيارتهم قبور الفقراء والصوفية، وميلهم إلى البله
صفحة ٥
والمختلين الذين لا يهتدون إلى قول ولا يصلون ولا يتجنبون النجاسات، لكونهم على عقايدهم ومن المعدودين منهم، ومتى نسب أحدهم إلى محبة أهل البيت عليهم السلام أنكر واعتذر، وإذا رأى كتابا يتضمن أخبارهم وفضائلهم عده من الهذر، ومزقه شذر مذر، نعوذ بالله من الأهواء الفاسدة والعقائد المدخولة وتجنبت فيما أثبته الاكثار، واعتمدت الايجاز والاختصار ولو أردت الإطالة وجدت السبيل إليها لا حبا، وانثالت على مفاخرهم، فقمت بها خاطبا، فإنها أغزر من قطر المطر، وأكثر من عدد النجم والشجر، ومن أين يقدر المتصدي لجمعها على الإحاطة بأقطارها، والخوض كما يجب في غمارها وهل ذلك ألا طلب متعذر ومحاولة مستحيل؟!.
وليس يصح في الافهام شئ إذا احتاج النهار إلى دليل ولكني اكتفيت بقليل من كثير، ويسير من غزير، وقطرة من سحاب ونقطة من عباب، وحق لكل قائل أن يسمى نفسه مختصرا وإن أطال، ومقرا بالعي وإن بسط القول وقال، وحذفت الأسانيد واكتفيت بذكر من يرويها من الأعيان تفاديا من طول الكتاب، بحدثنا فلان عن فلان، فان وردت كلمة لغوية أو معنى يحتاج إلى بيان بينته بأخصر ما يمكن، فان هذا ليس بكتاب جدل، فأذكر فيه الخلاف والوفاق، وأحمل كل معنى من الشرح والايضاح ما أطاق، ولكني أشير إلى ذلك إشارة تليق بغرض هذا الكتاب وقصدت به التقرب إلى الله سبحانه وتعالى، وإلى رسوله صلى الله عليه وآله الطاهر وابتغاءا للاجر والثواب، ولأقدمه ذخيرة ليوم العرض والحساب، ولأجعله مؤنسا إذا أفردت من الأحباب والأتراب، وخلوت بعملي وأنا رهن الثرى والتراب، فقد تصديت لاثبات مناقبهم ومفاخرهم على مقدار جهدي لا على قدرهم العالي، ونظمت مزاياهم ما هو أحسن من انتظام اللئالي، وأوضحت من
صفحة ٦
شأنهم ما يردع القالي ويرد الغالي، وأنا أرجو ببركتهم عليهم الصلاة والسلام أن يهدى به الله من اعتنقته الضلالة، ويرشد به من خبط في عشواء الجهالة وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وقائدا لنهجه القويم وصراطه المستقيم، فبه تعالى وتقدس اهتدينا إلى حبهم، وصرنا من حزبهم، واليه تقدست أسماؤه تقربنا بودهم وتمسكنا بعهدهم واقتفينا منهاج رشدهم، وإني لأرجو أن تهب عليه نسمات القبول، ويسرى في الآفاق سرى الصبا والقبول، ويشتهر اشتهار الصباح ويطير صيته في الأقطار وليس بذي جناح، وأن ينفعني به ويحسن ثوابي عليه ويجزل حظي من إنعامه وإحسانه، ويوفر نصيبي من فضله وامتنانه وسميته كتاب (كشف الغمة في معرفة الأئمة).
أبتدئ بعون الله وتوفيقه بذكر النبي صلى الله عليه وآله وأسمائه وسنه ونسبه ومبعثه وشئ من معجزاته ووقت وفاته، وأذكر بعده عليا عليه السلام وفاطمة صلوات الله عليها والأئمة من ولدهما عليهم السلام على النسق والترتيب وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه أنيب.
(ذكر أسمائه صلى الله عليه وآله)
أشهرها محمد وقد نطق به القرآن المجيد، واشتقاقه من الحمد يقال حمدته أحمده إذا أثبت عليه بجليل خصاله، وأحمدته إذا صادفته محمودا، وبناء اسمه يعطى المبالغة في بلوغه غاية المحمدة.
ومن أسمائه أحمد وقد نطق به القرآن أيضا واشتقاقه من الحمد كأحمر من الحمرة، ويجوز أن يكون لغة في الحمد.
قال ابن عباس رضي الله عنه: اسمه في التوراة أحمد الضحوك القتال يركب البعير ويلبس الشملة ويجتزى بالكسرة، سيفه على عاتقه.
صفحة ٧
ومن أسمائه صلى الله عليه وآله الماحي، عن جبير بن مطعم عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن لي أسماء أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي يمحى بي الكفر وقيل تمحى به سيئات من اتبعه، ويجوز أن يمحى به الكفر وسيئات تابعيه، وأنا الحاشر يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب وهو الذي لا نبي بعده، وكل شئ خلف شيئا فهو عاقب، والمقفي وهو بمعنى العاقب لأنه تبع الأنبياء يقال فلان يقفو أثر فلان أي يتبعه.
ومن أسمائه عليه السلام الشاهد لأنه يشهد في القيامة للأنبياء عليهم السلام بالتبليغ على الأمم بأنهم بلغوا قال الله تعالى: (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) أي شاهدا وقال الله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) والبشير من البشارة لأنه يبشر أهل الايمان بالجنة، والنذير لأهل النار بالخزي نعوذ بالله العظيم، والداعي إلى الله لدعائه إلى الله وتوحيده وتمجيده، والسراج المنير لإضاءة الدنيا به ومحو الكفر بأنوار رسالته كما قال العباس عمه رضي الله عنه يمدحه:
وأنت لما ولدت أشرقت الأرض وضاءت بنورك الأفق فنحن في ذلك الضياء وفي النور وسبل الرشاد نخترق ومن أسمائه صلى الله عليه وآله نبي الرحمة قال الله تعالى عز وجل: (وما أرسلناك الا رحمة للعالمين).
وقال صلى الله عليه وآله: إنما أنا رحمة مهداة، والرحمة في كلام العرب العطف والرأفة والاشفاق، وكان بالمؤمنين رحيما كما وصفه الله تعالى، وقال عمه أبو طالب رحمة الله يمدحه:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل
صفحة ٨
ومن أسمائه صلى الله عليه وآله نبي الملحمة ورد في الحديث، والملحمة الحرب، وسمى بذلك لأنه بعث بالذبح.
وروى أنه سجد يوما فأتى بعض الكفار بسلا ناقة فألقاه على ظهره والسلام: بالقصر الجلدة الرقيقة التي يكون فيها الولد من المواشي، فقال:
يا معشر قريش أي جوار هذا والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح، فقام إليه أبو جهل ولاذ به من بينهم وقال: يا محمد ما كنت جهولا، وسمى نبي الملحمة بذلك.
ومن أسمائه صلى الله عليه وآله الضحوك كما تقدم انه ورد في التوراة، وإنما سمى بذلك لأنه كان طيب النفس وقد ورد انه كان فيه دعابة وقال: انى لأمزح ولا أقول إلا حقا، وقال لعجوز الجنة لا تدخلها العجز فبكت فقال إنهن يعدن أبكارا. وروى عنه مثل هذا كثيرا.
وكان يضحك حتى يبدو ناجذه وقد ذكر الله سبحانه لينه ورفقه فقال (فيما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) وكذلك كانت صفته صلى الله عليه وآله على كثرة من ينتابه من جفاة العرب وأجلاف البادية لا يراه أحد ذا ضجر ولا ذا جفاء ولكن لطيفا في المنطق رفيقا في المعاملات لينا عند الجوار كأن وجهه إذا عبست الوجوه دارة القمر عند امتلاء نوره صلى الله عليه وآله.
ومن أسمائه صلى الله عليه وآله القتال سيفه على عاتقه، سمى بذلك لحرصه على الجهاد ومسارعته إلى القراع، ودؤوبه في ذات الله وعدم إحجامه، ولذلك قال علي عليه السلام: كنا إذا احمر البأس اتقيناه برسول الله لم يكن منا أحد أقرب إلى العدو منه، وذلك مشهور من فعله صلى الله عليه وآله يوم أحد، إذ ذهب القوم في سمع الأرض وبصرها، ويوم حنين إذ ولوا مدبرين وغير ذلك من أيامه
صفحة ٩
صلى الله عليه وآله حتى أذل بإذن الله صناديدهم، وقتل طواغيتهم ودوخهم واصطلم جماهيرهم، وكلفه الله القتال بنفسه فقال: لا تكلف إلا نفسك فسمى القتال.
ومن أسمائه صلى الله عليه وآله المتوكل وهو الذي يكل أموره إلى الله، فإذا أمره الله بشئ نهض به غير هيوب ولا ضرع، واشتقاقه من قولنا رجل وكل، أي ضعيف، وكان صلى الله عليه وآله إذا دهمه أمر عظيم أو نزلت به ملمة راجعا إلى الله عز وجل غير متوكل على حول نفسه وقوتها، صابرا على الضنك والشدة، غير مستريح إلى الدنيا ولذاتها، لا يسحب إليها ذيلا، وهو القائل: ما لي وللدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب أدركه المقيل في أصل شجرة فقال في ظلها ساعة ومضى، وقال عليه السلام: إذا أصبحت آمنا في سربك معافى في بدنك عندك قوت يومك فعلى الدنيا العفا، وقال لبعض نسائه ألم أنهك ان تحبسي شيئا لغد فان الله يأتي برزق كل غد.
ومن أسمائه عليه السلام القثم وله معنيان أحدهما من القثم وهو الاعطاء لأنه كان أجود بالخير من الريح الهابة يعطى فلا يبخل ويمنح فلا يمنع وقال الاعرابي الذي سأله: ان محمدا يعطي عطاء من لا يخاف الفقر، وروي انه أعطى في يوم هوازن من العطايا ما قوم بخمسمائة الف الف وغير ذلك مما لا يحصى، والوجه الاخر: انه من القثم وهو الجمع يقال للرجل الجموع للخير قثوم وقثم كذا حدث به الخليل، فان كان هذا الاسم من هذا فلم تبق منقبة رفيعة ولا خلة جليلة ولا فضيلة نبيلة، إلا وكان لها جامعا، قال ابن فارس والأول أصح وأقرب.
ومن أسمائه صلى الله عليه وآله الفاتح لفتحه أبواب الايمان المنسدة، وإنارته الظلم المسودة، قال الله تعالى في قصة من قال: (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق) أي أحكم، فسمى صلى الله عليه وآله فاتحا لان الله سبحانه حكمه في خلقه يحملهم على المحجة
صفحة ١٠
البيضاء، ويجوز ان يكون من فتحه ما استغلق من العلم، وكذا روى عن علي عليه السلام انه كان يقول في صفته: الفاتح لما استغلق والوجهان متقاربان.
ومن أسمائه: الأمين وهو مأخوذ من الأمانة وأدائها، وصدق الوعد وكانت العرب تسميه بذلك قبل مبعثه، لما شاهدوه من أمانته، وكل من أمنت منه الخلف والكذب فهو أمين، ولهذا وصف به جبرئيل عليه السلام فقال:
(مطاع ثم أمين).
ومن أسمائه عليه السلام الخاتم قال الله تعالى: خاتم النبيين من قولك ختمت الشئ أي تممته وبلغت آخره، وهي خاتمة الشئ وختامه ومنه ختم القرآن وختامه مسك أي آخر ما يستطعمونه عند فراغهم من شربه ريح المسك، فسمى به لأنه آخر النبيين بعثة، وان كان في الفضل أولا، قال صلى الله عليه وآله نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد انهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم.
فاما المصطفى فقد شاركه فيه الأنبياء صلى الله عليه وآله وعليهم أجمعين، ومعنى الاصطفاء الاختيار، وكذلك الصفوة والخيرة إلا ان اسم المصطفى على الاطلاق ليس إلا له صلى الله عليه وآله، لأنا نقول آدم مصطفى، نوح مصطفى، إبراهيم مصطفى، فإذا قلنا المصطفى تعين صلى الله عليه وآله وذلك من أرفع مناقبه وأعلى مراتبه.
ومن أسمائه صلى الله عليه وآله الرسول والنبي الأمي والرسول والنبي قد شاركه فيهما الأنبياء عليهم السلام، والرسول من الرسالة والارسال، والنبي يجوز أن يكون من الانباء وهو الاخبار، ويحتمل أن يكون من نبأ إذا ارتفع، سمى بذلك لعلو مكانه ولأنه خيرة الله من خلقه.
واما الأمي فقال قوم: انه منسوب إلى مكة وهي أم القرى، كما قال تعالى: (بعث في الأميين رسولا) وقال آخرون: أراد الذي لا يكتب،
صفحة ١١
قال ابن فارس: وهذا هو الوجه لأنه أدل على معجزه، فان الله علمه علم الأولين والآخرين، ومن علم الكاينات ما لا يعلمه إلا الله تعالى وهو أمي والدليل عليه قوله تعالى: (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون) وروى عنه نحن أمة أمية لا نقرأ ولا نكتب وقد روى غير ذلك.
ومن أسمائه (يا أيها المزمل يا أيها المدثر) ومعناهما واحد، يقال زمله في ثوبه أي لفه، وتزمل بثيابه أي تدثر.
والكريم في قوله تعالى: (انه لقول رسول كريم) وسماه نورا في قوله تعالى (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين).
ومن أسمائه نعمة في قوله: (يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها) وعبدا في قوله تعالى: (نزل الفرقان على عبده) وقال صلى الله عليه وآله لا تدعني إلا بيا عبده لأنه أشرف أسمائي ورؤوفا ورحيما في قوله تعالى: (بالمؤمنين رؤوف رحيم) وسماه عبد الله في قوله تعالى: (وأنه لما قام عبد الله يدعوه) وسماه طه ويس ومنذرا في قوله تعالى: (إنما أنت منذر ومذكر) في قوله: إنما أنت مذكر).
ونبي التوبة وروى البيهقي في كتاب دلائل النبوة باسناده عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ان الله خلق الخلق - الخلائق - قسمين فجعلني في خيرهما قسما وذلك قوله تعالى: (وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال) فانا من أصحاب اليمين وأنا من خير أصحاب اليمين ثم جعل القسمين أثلاثا فجعلني في خيرها ثلثا فذلك قوله: وأصحاب الميمنة وأصحاب المشئمة والسابقون السابقون فانا من السابقين وانا خير السابقين، ثم جعل الا ثلاث قبايل فجعلني في خيرها قبيلة وذلك قوله تعالى: (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا (فانا أتقى ولد آدم وأكرمهم على الله ولا فخر، ثم جعل القبائل بيوتا فجعلني في خيرها بيتا
صفحة ١٢
وذلك قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) فانا وأهل بيتي مطهرون من الذنوب، وقد رواه ابن الأخضر الجنابذي وذكره في كتابه معالم العترة النبوية، وقال عمه أبو طالب رضي الله عنه:
وشق له من اسمه كي يجله فذو العرش محمود وهذا محمد وقيل إنه لحسان من قصيدة أولها:
ألم تر ان الله أرسل عبده وبرهانه والله أعلى وأمجد ومن صفاته صلى الله عليه وآله التي وردت في الحديث راكب الجمل، ومحرم الميتة وخاتم النبوة، وحامل الهراوة - وهي العصا الضخمة - والجمع الهراوى بفتح الواو مثال المطايا، ورسول الرحمة، وقيل إن اسمه في التوراة بمادماد وصاحب الملحمة وكنيته أبو الأرامل، واسمه في الإنجيل الفارقليط، وقال صلى الله عليه وآله انا الأول والآخر. الأول لأنه أول في النبوة وآخر في البعثة، وكنيته أبو القاسم وروى أنس انه لما ولد له إبراهيم من مارية القبطية أتاه جبرئيل عليه السلام فقال: السلام عليك أبا إبراهيم أو يا أبا إبراهيم صلى الله عليه وآله.
(ذكر مولده صلى الله عليه وآله)
نقلت من كتاب تاريخ المواليد ووفاة أهل البيت (ع) رواية الشيخ الأديب أبى محمد عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن الخشاب عن شيوخه، والنسخة التي نقلت منها بخط الشيخ علي بن محمد بن محمد بن وضاح الشهراباني رحمه الله وكان من أعيان الحنابلة في زماني رأيته وأجاز لي وتوفى في ثاني صفر سنة اثنتين وسبعين وستمائة، عن أبي جعفر الباقر محمد بن علي عليهما السلام، قال قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وهو ابن ثلاث وستين سنة في سنة عشر
صفحة ١٣
من الهجرة، فكان مقامه بمكة أربعين سنة ثم نزل عليه الوحي في تمام الأربعين وكان بمكة ثلاث عشره سنة، ثم هاجر إلى المدينة وهو ابن ثلاث وخمسين سنة فأقام بالمدينة عشر سنين وقبض صلى الله عليه وآله في شهر ربيع الأول يوم الاثنين لليلتين خلتا منه.
قال أبو على الفضل بن الحسن الطبرسي رحمه الله ولد صلى الله عليه وآله بمكة شرفها الله تعالى يوم الجمعة عند طلوع الشمس السابع عشر من ربيع الأول عام الفيل.
وفي رواية العامة ولد عليه السلام يوم الاثنين، ثم اختلفوا فمن قائل لليلتين من ربيع الأول، ومن قائل لعشر خلون منه. وقيل لاثنتي عشرة ليلة، وذلك لأربع وثلاثين سنة وثمانية أشهر مضت من ملك كسرى أنو شيروان ابن قباذ قاتل مزدك والزنادقة، وهو الذي عنى رسول الله صلى الله عليه وآله فيما يزعمون (ولدت في زمن الملك العادل أو الصالح) ولثماني سنين وثمانية أشهر من ملك عمرو بن هند ملك العرب، وقيل بعد قدوم الفيل بشهرين وستة أيام، وروى لثماني عشرة ليلة منه، قال وفيه بعث وفيه عرج به وفيه هاجر وفيه مات رواه جابر بن عبد الله الأنصاري، ورواه البغوي. وقيل لعشر خلون منه وقيل لثمان بقين منه رواه ابن الجوزي والحافظ أبو محمد بن حزم، وقيل لثمان خلون من ربيع الأول.
أقول: ان اختلافهم في يوم ولادته سهل إذ لم يكونوا عارفين به وبما يكون منه، وكانوا أميين لا يعرفون ضبط مواليد أبنائهم، فأما اختلافهم في موته فعجيب ولا عجب من هذا مع اختلافهم في الأذان والإقامة، بل اختلافهم في موته أعجب فان الاذان ربما ادعى كل قوم انهم رووا فيه رواية، فاما يوم موته صلى الله عليه وآله فيجب أن يكون معينا معلوما.
صفحة ١٤
(ذكر نسبه صلى الله عليه وآله)
هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب واسمه شيبة الحمد، ابن هاشم واسمه عمرو، بن عبد مناف واسمه المغيرة، ابن قصي واسمه زيد، ابن كلاب ابن مرة بن كعب بن لوى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش، ابن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وروى أنه قال: إذا بلغ نسبي إلى عدنان فأمسكوا.
أقول: انى أمسك عند عدنان كما أمر صلى الله عليه وآله واتصال نسبه بآدم أبى البشر عليه السلام كثير موجود في كتب التواريخ والأنساب والله أعلم.
وأمه صلى الله عليه وآله آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة، وأرضعته حتى شب حليمة بنت عبد الله بن الحارث السعدية من بنى سعد بن بكر بن هوازن وأرضعته ثويبة مولاة أبى لهب قبل قدوم حليمة أياما بلبن ابنها مسروح، وتوفيت ثويبة مسلمة سنة سبع من الهجرة، ومات ابنها قبلها، وكانت ثويبة قد أرضعت قبله عمه حمزة رضي الله عنه فلهذا قال صلى الله عليه وآله وقد حودث في التزويج بابنة حمزة انها ابنة أخي من الرضاعة، وكان حمزة أسن منه بأربع سنين.
(ذكر مده حياته صلى الله عليه وآله)
عاش كما ذكرنا ثلاثا وستين سنة، منها مع أبيه سنتان وأربعة أشهر، ومع جده عبد المطلب ثماني سنين، ثم كفله عمه أبو طالب بعد وفاة عبد المطلب، فكان يكرمه ويحميه وينصره بيده ولسانه أيام حياته، وقيل إن أباه مات وهو حمل. وقيل مات وعمره سبعة أشهر، وماتت أمه وعمره ست سنين.
صفحة ١٥
وروى مسلم في صحيحه انه صلى الله عليه وآله قال: استأذنت ربى في زيارة قبر أمي فأذن لي، فزوروا القبور تذكر كم الموت.
وتزوج خديجة وهو ابن خمس وعشرين سنة، وتوفى عمه أبو طالب وعمره ست وأربعون سنة وثمانية أشهر وأربعة وعشرين يوما، وتوفيت خديجة عليها السلام بعده بثلاثة أيام فسمى صلى الله عليه وآله ذلك العام عام الحزن.
وروى هشام بن عروة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما زالت قريش كاعة عنى حتى مات أبو طالب (يقال كع يكع كعوعا، وحكى يونس يكع بالضم قال سيبويه: والكسر أجود فهو كع وكاع إذا كان جبانا ضعيفا.) وأقام بمكة بعد البعثة ثلاث عشرة سنة، ثم هاجر إلى المدينة بعد أن استتر في الغار ثلاثة أيام، وقيل ستة أيام ودخل المدينة يوم الاثنين الحادي عشر من ربيع الأول وبقى بها عشر سنين، ثم قبض لليلتين بقيتا من صفر سنة إحدى عشرة للهجرة.
عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام قال لما حضر النبي صلى الله عليه وآله جعل يغمى عليه، فقالت فاطمة وا كرباه لكربك يا أبتاه ففتح عينيه وقال لا كرب على أبيك بعد اليوم وقال عليه السلام والمسلمون مجتمعون حوله: أيها الناس انه لا نبي بعدي ولا سنة بعد سنتي، فمن ادعى ذلك فدعواه وباغيه في النار، أيها الناس أحيوا القصاص وأحيوا الحق لصاحب الحق، ولا تفرقوا واسلموا وسلموا كتب الله لأغلبن انا ورسلي ان الله قوى عزيز.
ومن كتاب أبى إسحاق الثعلبي قال: دخل أبو بكر على النبي صلى الله عليه وآله وهو قد ثقل فقال: يا رسول الله متى الاجل؟ قال: قد حضر، قال أبو بكر:
الله المستعان على ذلك، فإلى ما المنقلب؟ قال: إلى سدرة المنتهى وجنة المأوى
صفحة ١٦
والى الرفيق الأعلى والكأس الأوفى والعيش المهنى، قال أبو بكر: فمن يلي غسلك؟ قال: رجال أهل بيتي الأدنى فالأدنى قال ففيم نكفنك؟ قال في ثيابي (بثيابي خ ل) هذه التي على أو في حلة يمانية خز أو في بياض مصر قال كيف الصلاة عليك؟ فارتجت الأرض بالبكاء فقال لهم النبي: مهلا عفا الله عنكم إذا غسلت وكفنت فضعوني على سريري في بيتي هذا على شفير قبري، ثم اخرجوا عنى ساعة فان الله تبارك وتعالى أول من يصلى على ثم يأذن للملائكة في الصلاة على، فأول من ينزل جبرئيل ثم إسرافيل ثم ميكائيل ثم ملك الموت عليهم السلام في جنود كثيرة من الملائكة بأجمعها، ثم ادخلوا على زمرة زمرة فصلوا على وسلموا تسليما ولا تؤذوني بتزكية ولا رنة وليبدأ بالصلاة على الأدنى فالأدنى من أهل بيتي، ثم النساء ثم الصبيان زمرا، قال أبو بكر: فمن يدخل قبرك؟ قال: الأدنى فالأدنى من أهل بيتي مع ملائكة لا ترونهم، قوموا فاودعوني إلي من وراءكم، فقلت للحرث بن مرة: من حدثك بهذا الحديث؟ قال: عبد الله بن مسعود.
وعن علي عليه السلام قال: كان جبرئيل ينزل على النبي صلى الله عليه وآله في مرضه الذي قبض فيه في كل يوم وفي كل ليلة فيقول: السلام عليك ان ربك يقرؤك السلام ويقول: كيف تجدك وهو أعلم بك ولكنه أراد أن يزيدك كرامة وشرفا إلى ما أعطاك على الخلق، وأراد أن تكون عيادة المريض سنة في أمتك، فيقول له النبي صلى الله عليه وآله ان كان وجعا يا جبرئيل أجدني وجعا، فقال له جبرئيل عليه السلام: اعلم يا محمد ان الله لم يشدد عليك وما من أحد من خلقه أكرم عليه منك، ولكنه أحب أن يسمع صوتك ودعاءك حتى تلقاه مستوجبا للدرجة والثواب الذي أعد الله لك، والكرامة والفضيلة على الخلق، وان قال له النبي صلى الله عليه وآله أجدني مريحا في عافية، قال له فاحمد الله على ذلك فإنه يحب
صفحة ١٧
ان تحمده وتشكره ليزيدك إلى ما أعطاك خيرا فإنه يحب ان يحمد ويزيد من شكره قال: وانه نزل عليه في الوقت الذي كان ينزل فيه فعرفنا حسه، فقال علي عليه السلام: فخرج من كان في البيت غيري، فقال له جبرئيل: يا محمد ان ربك يقرؤك السلام ويسألك وهو أعلم بك كيف تجدك؟ فقال له النبي صلى الله عليه وآله أجدني ميتا قال له جبرئيل: يا محمد أبشر فان الله أنما أراد ان يبلغك بما تجد ما أعد لك من الكرامة، قال له النبي صلى الله عليه وآله: ان ملك الموت استأذن على فأذنت له، فدخل واستنظرته مجيئك، فقال له جبرئيل: يا محمد ان ربك إليك مشتاق فما استأذن ملك الموت على أحد قبلك، ولا يستأذن على أحد بعدك، فقال له النبي صلى الله عليه وآله: لا تبرح يا جبرئيل حتى يعود، ثم أذن للنساء فدخلن عليه، فقال لابنته: أدنى منى يا فاطمة، فأكبت عليه فناجاها فرفعت رأسها وعيناها تهملان دموعا فقال لها: أدنى منى فدنت منه فأكبت عليه فناجاها فرفعت رأسها وهي تضحك فتعجبنا لما رأينا فسألناها فأخبرتنا انه نعى إليها نفسه فبكت ، فقال لها: يا بنية لا تجزعي فإني سألت الله أن يجعلك أول أهل بيتي لحاقا بي فأخبرني انه قد استجاب لي فضحكت. قال: ثم دعا النبي صلى الله عليه وآله الحسن والحسين عليهما السلام فقبلهما وجعل يترشفهما وعيناه تهملان.
وروى عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال: أتى جبرئيل عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله يعوده، فقال: السلام عليك يا محمد هذا آخر يوم أهبط فيه إلى الدنيا.
وعن عطاء بن يسار ان رسول الله صلى الله عليه وآله لما حضر أتاه جبرئيل فقال:
يا محمد الان أصعد إلى السماء ولا أنزل إلى الأرض أبدا.
وعن أبي جعفر عليه السلام قال: لما حضرت النبي صلى الله عليه وآله الوفاة استأذن عليه رجل فخرج إليه علي عليه السلام فقال: ما حاجتك؟ قال أريد الدخول على
صفحة ١٨
رسول الله صلى الله عليه وآله فقال على: لست تصل إليه فما حاجتك؟ فقال الرجل: انه لا بد من الدخول عليه، فدخل على فاستأذن النبي (ص) فأذن له فدخل فجلس عند رأس رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم قال: يا نبي الله انى رسول الله إليك، قال:
وأي رسل الله أنت؟ قال: انا ملك الموت أرسلني إليك أخيرك بين لقائه والرجوع إلى الدنيا. فقال له النبي صلى الله عليه وآله: فأمهلني حتى ينزل جبرئيل فأستشيره ونزل جبرئيل فقال يا رسول الله الآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى، لقاء الله خير لك فقال (ص): لقاء ربى خير لي فامض لما أمرت به، فقال جبرئيل لملك الموت: لا تعجل حتى أعرج إلى السماء وأهبط قال ملك الموت لقد صارت نفسه في موضع لا أقدر على تأخيرها، فعند ذلك قال جبرئيل: يا محمد هذا آخر هبوطي إلى الدنيا إنما كنت أنت حاجتي فيها.
واختلف أهل بيته وأصحابه في دفنه فقال علي عليه السلام: ان الله لم يقبض روح نبيه إلا في أطهر البقاع، وينبغي أن يدفن حيث قبض فاخذوا بقوله .
وروى الجمهور موته في الاثنين ثاني عشر ربيع الأول، قالوا ولد يوم الاثنين وبعث يوم الاثنين ودخل المدينة يوم الاثنين وقبض يوم الاثنين كما ذكرناه آنفا، ودفن يوم الأربعاء، ودخل إليه العباس وعلي والفضل بن العباس وقيل وقثم أيضا وقالت بنو زهرة: نحن أخواله فأدخلوا منا واحدا فأدخلوا عبد الرحمان بن عوف ويقال دخل أسامة بن زيد، وقال المغيرة بن شعبة: أنا أقربكم عهدا به وذلك أنه ألقى خاتمه في القبر ونزل ليستخرجه ولحده أبو طلحة وألقى القطيفة تحته شقران. (1 *) قال صاحب كتاب التنوير ذو النسبين بين دحية والحسين: لا شك انه هامش (* 1) شقران بضم الشين المعجمة وسكون القاف ثم الراء وبعدها الألف والنون: هو مولى رسول الله (ص) واسمه صالح شهد بدرا وهو مملوك ثم أعتق، مات في خلافة عثمان. (*)
صفحة ١٩
توفى يوم الاثنين واختلف أصحاب السير والتواريخ فقال ابن إسحاق لاثنتي عشرة ليلة وهذا باطل بيقين، وأصول العلم المجمع عليها أهل الكتاب والسنة مخالف له لأنه قد ثبت ان الوقفة بعرفات في حجة الوداع كانت يوم الجمعة، فيكون أول ذي الحجة الخميس فيكون أول المحرم الجمعة أو السبت، فان كان الجمعة فصفر اما السبت أو الاحد، وان كان السبت فصفر اما الاحد أو الاثنين، فان كان أول صفر السبت فأول ربيع الأول الاحد أو الاثنين، فان كان الاحد فأول ربيع الأول أما الاثنين أو الثلاثاء، فان كان الاثنين فأول ربيع اما الثلاثاء أو الأربعاء، وكيف ما دارت الحال على هذا الحساب لا يكون الاثنين ثاني عشر. وذكر القاضي أبو بكر في كتاب البرهان انه صلى الله عليه وآله وسلم توفى لليلتين خلتا من ربيع الأول، وكذا ذكر الطبري عن ابن الكلبي وأبى مخنف وهذا لا يبعد إن كانت الأشهر الثلاثة التي قبله نواقص فتدبره.
وذكر الخوارزمي انه توفى صلى الله عليه وآله يوم الاثنين أول ربيع الأول وهذا أقرب مما ذكره الطبري، والذي تلخص انه يجوز ان يكون موته في أول الشهر أو ثانيه أو ثالث عشره أو رابع عشره أو خامس عشره، لاجماع المسلمين ان وقفة عرفة في حجة الوداع كانت يوم الجمعة. انتهى كلام ذي النسبين.
(ذكر آياته ومعجزاته الخارقة للعوايد)
منها ما ظهر قبل مولده ومنها ما ظهر بعد ذلك، فمن ذلك ما روى أن أمه لما حملت به سمعت قائلا يقول: انك قد حملت بسيد هذه الأمة وعلامة ذلك انك ترين عند وضعه نورا تضئ له قصور الشام، وقيل قصور بصرى فإذا سقط إلى الأرض فقولي أعيذك بالواحد من شر كل حاسد وسميه محمدا
صفحة ٢٠
فان اسمه في التوراة أحمد، يحمده أهل السماوات والأرض، واسمه في القرآن محمد، قال: فسمته بذلك.
وروى ابن خالويه في كتاب الآل ان آمنة بنت وهب أم النبي (ص) رأت في منامها انه يقال لها إنك قد حملت بخير البرية وسيد العالمين فإذا ولدته فسميه محمدا فان اسمه في التوراة حامد، وفي الإنجيل أحمد، وعلقي عليه هذه التميمة - التميمة التعويذ - قالت: فانتبهت وعند رأسي صحيفة من ذهب مكتوب فيها (أعيذه بالواحد من شر كل حاسد، وكل خلق مارد، من قائم وقاعد، عن القبيل (السبيل خ ل) عاند، على الفساد جاهد، يأخذ بالمراصد، من طرق الموارد، أنهاهم عنه بالله الأعلى، وأحوطه باليد العليا، والكف التي لا ترى، يد الله فوق أيديهم، وحجاب الله دون عاديتهم، لا يطوره ولا يضره في مقعد ولا مقام، ولا مسير ولا منام، أول الليل وآخر الأيام).
وارتجس ايوان كسرى يوم ولادته - الرجس بالفتح: الصوت الشديد من الرعد ومن هدير البعير ورجت السماء بالفتح ترج إذا رعدت وتمخضت وارتجت مثله - وسقطت منه أربع عشرة شرفة، وخمدت نيران فارس ولم تخمد قبل ذلك منذ الف سنة، وغاضت بحيرة ساوة ورؤيا المؤبذان (* 1) وانفاذ عمرو بن بقيلة إلى شق وسطيح الكاهنين وإخبارهما بقرب أيامه له وظهوره قصة مشهورة قد نقلها الرواة وتداولها الأخباريون، ورأى بعض اليهود في ليلة ولادته صلى الله عليه وآله النجوم وانقضاضها، فقال: في هذه الليلة ولد نبي فانا نجد في كتبنا أن الشياطين تمنع من استراق السمع وترجم بالنجوم لذلك، وسأل هل ولد في هذه الليلة لأحد؟ فقيل: نعم لعبد الله بن عبد المطلب فقال:
أرونيه فأخرج إليه في قماطه فرأى عينيه وكشف عن كتفيه فرأى شامة هامش (* 1) المؤبذان (كلمة فارسية): حاكم المجوس وكاهنهم. (*)
صفحة ٢١