كشف الأسرار شرح أصول البزدوي
الناشر
شركة الصحافة العثمانية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
مطبعة سنده ١٣٠٨ هـ - ١٨٩٠ م
مكان النشر
إسطنبول
تصانيف
أصول الفقه
فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عِنْدَنَا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ النَّظْمَ رُكْنًا لَازِمًا فِي حَقِّ جَوَازِ الصَّلَاةِ خَاصَّةً عَلَى مَا يُعْرَفُ فِي مَوْضِعِهِ.
ــ
[كشف الأسرار]
فَلَا يَجِبُ فِيهِ رِعَايَةُ الْأَدَبِ، وَالْمُرَادُ مِنْ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ جُمْهُورُهُمْ وَمُعْظَمُهُمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ اسْمٌ لِلْمَعْنَى دُونَ النَّظْمِ، وَزَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِدَلِيلِ جَوَازِ الْقِرَاءَةِ بِالْفَارِسِيَّةِ عِنْدَهُ فِي الصَّلَاةِ بِغَيْرِ عُذْرٍ مَعَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فِيهَا فَرْضٌ مَقْطُوعٌ بِهِ فَرَدَّ الشَّيْخُ ﵀ ذَلِكَ، وَأَشَارَ إلَى فَسَادِهِ بِقَوْلِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ عِنْدَنَا أَيْ الْمُخْتَارُ عِنْدِي أَنَّ مَذْهَبَهُ مِثْلُ مَذْهَبِ الْعَامَّةِ فِي أَنَّهُ اسْمٌ لِلنَّظْمِ وَالْمَعْنَى جَمِيعًا.
وَأَجَابَ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الزَّاعِمُ بِقَوْلِهِ، إلَّا أَنَّهُ أَيْ لَكِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ، لَمْ يَجْعَلْ النَّظْمَ رُكْنًا لَازِمًا؛ لِأَنَّهُ قَالَ مَبْنَى النَّظْمِ عَلَى التَّوْسِعَةِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ خُصُوصًا فِي حَالَةِ الصَّلَاةِ إذْ هِيَ حَالَةُ الْمُنَاجَاةِ، وَكَذَا مَبْنَى فَرْضِيَّةِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى التَّيْسِيرِ قَالَ تَعَالَى ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾ [المزمل: ٢٠]، وَلِهَذَا تَسْقُطُ عَنْ الْمُقْتَدِي بِتَحَمُّلِ الْإِمَامِ عِنْدَنَا وَبِخَوْفِ فَوْتِ الرَّكْعَةِ عِنْدَ مُخَالِفِنَا بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَرْكَانِ فَيَجُوزُ أَنْ يُكْتَفَى فِيهِ بِالرُّكْنِ الْأَصْلِيّ وَهُوَ الْمَعْنَى، يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ نَزَلَ أَوَّلًا بِلُغَةِ قُرَيْشٍ؛ لِأَنَّهَا أَفْصَحُ اللُّغَاتِ فَلَمَّا تَعَسَّرَ تِلَاوَتُهُ بِتِلْكَ اللُّغَةِ عَلَى سَائِرِ الْعَرَبِ نَزَلَ التَّخْفِيفُ بِسُؤَالِ الرَّسُولِ ﷺ وَأَذِنَ فِي تِلَاوَتِهِ بِسَائِرِ لُغَاتِ الْعَرَبِ وَسَقَطَ وُجُوبُ رِعَايَةِ تِلْكَ اللُّغَةِ أَصْلًا وَاتَّسَعَ الْأَمْرُ حَتَّى جَازَ لِكُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ أَنْ يَقْرَءُوا بِلُغَتِهِمْ وَلُغَةِ غَيْرِهِمْ وَإِلَيْهِ أَشَارَ النَّبِيُّ ﷺ بِقَوْلِهِ «أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ كُلُّهَا كَافٍ شَافٍ» فَلَمَّا جَازَ لِلْعَرَبِيِّ تَرْكُ لُغَتِهِ إلَى لُغَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْعَرَبِ حَتَّى جَازَ لِلْقُرَشِيِّ أَنْ يَقْرَأَ بِلُغَةِ تَيْمٍ مَثَلًا مَعَ كَمَالِ قُدْرَتِهِ عَلَى لُغَةِ نَفْسِهِ جَازَ لِغَيْرِ الْعَرَبِيِّ أَيْضًا تَرْكُ لُغَةِ الْعَرَبِ مَعَ قُصُورِ قُدْرَتِهِ عَنْهَا وَالِاكْتِفَاءُ بِالْمَعْنَى الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ، فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ سُقُوطَ لُزُومِ النَّظْم عِنْدِهِ رُخْصَةُ إسْقَاطٍ كَمَسْحِ الْخُفِّ وَالسَّلَمِ وَسُقُوطِ شَطْرِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ اللُّزُومُ أَصْلًا فَاسْتَوَى فِيهِ حَالُ الْعَجْزِ وَالْقُدْرَةِ.
وَفِي قَوْلِهِ خَاصَّةً تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْأَحْكَامِ مِنْ وُجُوبِ الِاعْتِقَادِ حَتَّى يَكْفُرَ كَوْنُ مَنْ أَنْكَرَ النَّظْمَ مُنَزَّلًا
١ -
وَحُرْمَةَ كِتَابَةِ الْمُصْحَفِ بِالْفَارِسِيَّةِ وَحُرْمَةَ الْمُدَاوَمَةِ وَالِاعْتِيَادِ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِالْفَارِسِيَّةِ النَّظْمُ لَازِمٌ كَالْمَعْنَى، وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ وُجُوبُ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ بِالْقِرَاءَةِ بِالْفَارِسِيَّةِ وَحُرْمَةُ مَسِّ مُصْحَفٍ كُتِبَ بِالْفَارِسِيَّةِ عَلَى غَيْرِ الْمُتَطَهِّرِ وَحُرْمَةُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِالْفَارِسِيَّةِ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ عَلَى اخْتِيَارِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ مِنْهُمْ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ ﵀؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا فِيهَا رِوَايَةٌ مَنْصُوصَةٌ وَمَا ذَكَرْنَا جَوَابُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَالشَّيْخُ ﵀ بَنَى عَلَى أَصْلِهِمْ لَا عَلَى مُخْتَارِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَإِنَّمَا بَنَوْهُ عَلَى أَنَّ النَّظْمَ إنْ فَاتَ فَالْمَعْنَى الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ قَائِمٌ فَيَثْبُتُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ احْتِيَاطًا لَا عَلَى أَنَّ النَّظْمَ لَيْسَ بِلَازِمٍ لِلْقُرْآنِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهَا اخْتِلَافًا بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ طَرِيقُ ثُبُوتِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ مَا ذَكَرْنَا لَمْ يَسْتَقِمْ هَذَا الْجَوَابُ عَلَى قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ النَّظْمَ عِنْدَهُمَا كَالْمَعْنَى، وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: جَوَازُ الصَّلَاةِ حُكْمٌ يَخْتَصُّ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَيَتَعَلَّقُ بِالْمُنَزَّلِ عَلَى الرَّسُولِ ﷺ قِيَاسًا عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي حَقِّ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ يَعْنِي حُرْمَةَ التِّلَاوَةِ تَتَعَلَّقُ بِالنَّظْمِ وَالْمَعْنَى حَتَّى لَوْ قَرَأَ الْجُنُبُ أَوْ الْحَائِضُ بِالْفَارِسِيَّةِ جَازَ.
وَأُجِيبَ أَيْضًا عَنْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ بِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ السَّجْدَةَ مِنْ أَرْكَانِ
1 / 24