كشف الستور في نهي النساء عن زيارة القبور

حماد الأنصاري ت. 1418 هجري
16

كشف الستور في نهي النساء عن زيارة القبور

الناشر

الجامعة الإسلامية

رقم الإصدار

السنة ١٣ / العدد-٥٢

سنة النشر

١٤٠١ هـ/١٩٨١م

مكان النشر

المدينة المنورة

تصانيف

قلت: وَقد لَاحَ لَك مِمَّا تقدم أَن عدد جَانب الْمَنْع أَكثر وَالِاسْتِدْلَال بهَا أظهر وبالله التَّوْفِيق. وَالْجَوَاب عَن حَدِيثهَا فِي زيارتها لأَخِيهَا عبد الرَّحْمَن هُوَ كَمَا قَالَ الْحَافِظ بن الْقيم فِي تَهْذِيب السّنَن: "إِن الْمَحْفُوظ فِي هَذَا الحَدِيث حَدِيث التِّرْمِذِيّ مَعَ مَا فِيهِ، وَعَائِشَة إِنَّمَا قدمت مَكَّة لِلْحَجِّ فمرت على قبر أَخِيهَا فِي طريقها فوقفت عَلَيْهِ وَهَذَا لَا بَأْس بِهِ، إِنَّمَا الْكَلَام فِي قَصدهَا الْخُرُوج لزيارة الْقُبُور وَلَو قدر أَنَّهَا عدلت إِلَيْهِ وقصدت زيارته فَهِيَ قد قَالَت: "لَو شهدتك لما زرتك" وَهَذَا يدل بالصراحة أَن من المستقر الْمَعْلُوم عِنْدهَا أَن النِّسَاء لَا يشرع لَهُنَّ زِيَارَة الْقُبُور وَإِلَّا لم يكن فِي قَوْلهَا ذَلِك معنى" اهـ. وَأما رِوَايَة الْحَاكِم الَّتِي فِيهَا أَن عَائِشَة قَالَت لمن سَأَلَهَا نهى عَنْهَا ثمَّ أَمر بزيارتها فقد قَالَ الإِمَام تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية: "لَا حجَّة فِي حَدِيث عَائِشَة هَذَا، فَإِن المحتج عَلَيْهَا احْتج بِالنَّهْي الْعَام فَدفعت ذَلِك بِأَن النَّهْي مَنْسُوخ وَهُوَ كَمَا قَالَت رضى الله عَنْهَا وَلم يذكر لَهَا المحتج النَّهْي الْمُخْتَص بِالنسَاء الَّذِي فِيهِ لعنهن على الزِّيَارَة يبين ذَلِك قَوْلهَا قد أَمر بزيارتها فَهَذَا يبين أَنه أَمر بهَا أمرا يَقْتَضِي الِاسْتِحْبَاب، والاستحباب إِنَّمَا هُوَ ثَابت للرِّجَال خَاصَّة وَلَكِن عَائِشَة بيّنت أَن أمره الثَّانِي نسخ نَهْيه الأول فَلم يصلح أَن يحْتَج بِهِ، وَهُوَ أَن النِّسَاء على أصل الْإِبَاحَة، وَلَو كَانَت عَائِشَة تعتقد أَن النِّسَاء مأمورات بزيارة الْقُبُور لكَانَتْ تفعل ذَلِك كَمَا يَفْعَله الرجل وَلم تقل لأَخِيهَا لما زرتك". وَقَالَ ابْن الْقيم ﵀ فِي هَذِه الرِّوَايَة: إِنَّهَا من رِوَايَة بسطَام بن مُسلم، وَلَا صَحَّ فَإِن عَائِشَة ﵂ تأولت مَا تَأَول غَيرهَا من دُخُول النِّسَاء فِي الْإِذْن، وَالْحجّة فِي قَول الْمَعْصُوم لَا فِي تَأْوِيل الرَّاوِي، وَتَأْويل الرَّاوِي إِنَّمَا يكون مَقْبُولًا حَيْثُ لَا يُعَارضهُ مَا هُوَ أقوى مِنْهُ وَهَذَا الحَدِيث قد عَارضه أَحَادِيث منع زِيَارَة النِّسَاء للقبور" اهـ. (تَنْبِيه): قَول ابْن الْقيم رَحمَه الله تَعَالَى إِن هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة بسطَام ابْن مُسلم وَلَو صَحَّ قد يفهم مِنْهُ أَن هَذَا الحَدِيث ضَعِيف من جِهَة بسطَام هَذَا وَلَيْسَ الْأَمر كَمَا يظنّ بل بسطَام بن مُسلم ثِقَة كَمَا قَالَ الْحَافِظ فِي التَّقْرِيب: "بسطَام بن مُسلم بن نمير العوذي بِفَتْح الْمُهْملَة وبسكون الْوَاو، بَصرِي ثِقَة من السَّابِعَة" اهـ. وَقَالَ أَحْمد: "صَالح الحَدِيث لَيْسَ بِهِ بَأْس"، وَقَالَ ابْن معِين وَأَبُو زرْعَة: "ثِقَة" وَالله أعلم. وَأما مَا رَوَاهُ الْحَاكِم أَن فَاطِمَة بنت مُحَمَّد ﷺ كَانَت تزور قبر عَمها حَمْزَة كل جُمُعَة الحَدِيث. فَهُوَ حَدِيث ضَعِيف مُنكر كَمَا قَالَه الذَّهَبِيّ فِي تلخيصه وتضعيفه

1 / 44