وكان معنى الفرضية ما بينا من بقاء نظام العالم به ولا يوجد ذلك في الاستكثا منه على قصد التكاثر والتفاخر وإنما ذم الله تعالى الاستكثار إذا كان بهذه فقال عز وجل {وتفاخر بينكم وتكاثر}
ثم ينبني على هذه المسألة مسألة أخرى وهي أنه بعدما اكتسب مالا بد له منه هل الاشتغال بالكسب أفضل أم التفرغ للعبادة قال بعض الفقهاء رحمهم الله الاشتغال بالكسب أفضل وأكثر مشايخنا رحمهم الله على أن التفريغ للعبادة أفضل
وجه القول الأول أن منفعة الاكتساب أعم فإن ما اكتسبه الزارع تصل منفعته إلى الجماعة عادة والذي يشتغل بالعبادة إنما ينفع نفسه لأن بفعله يتحصل النجاة لنفسه ويحصل الثواب لجسمه وما كان أعم نفعا فهو أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم خير الناس من ينفع الناس ولهذا كان الاشتغال بطلب العلم أفضل من التفرغ للعبادة لأن منفعة ذلك أعم ولهذا كانت الإمارة والسلطنة بالعدل أفضل من التخلي للعبادة كما اختاره الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم لأن ذلك أعم نفعا وإلى هذا المعنى أشار النبي صلى الله عليه وسلم في قوله العبادة عشرة أجزاء وقال صلى الله عليه وسلم الجهاد عشرة أجزاء تسعة منها طلب الحلال يعني طلب الحلال للإنفاق على العيال والدليل عليه أنه بالكسب يتمكن من أداء أنواع الطاعات من الجهاد والحج والصدقة وبر الوالدين وصلة الرحم والإحسان إلى الأقارب والأجانب
صفحة ٤٨