فقلت بانفعال وتهدج: ألم أقل ذلك يا سيدي؟ - الخطأ له عذر أما التهاون فلا عذر له.
ثم بقوة: نحن نحمي الدولة التي تحرركم من كافة أنواع العبودية. - وإني من أبنائها المؤمنين. - اعتبر الأيام التي أمضيتها هنا ضيافة، وتذكر دائما أنك عوملت معاملة طيبة، أرجو أن تتذكر ذلك دائما، وأن عشرات الرجال سهروا الليالي في جهد متواصل حتى ثبتت لهم براءتك. - الشكر لله ولكم يا سيدي.
وضحك إسماعيل الشيخ بمرارة عند تلك الذكرى فسألته: وهل قبض على الآخرين لنفس السبب؟ - كان يوجد بيننا اثنان من الإخوان، أما زينب فقد حققوا معها لعلاقتها بي وسرعان ما أفرج عنها، وبسببي أيضا قبض على حلمي حمادة، فلما ثبتت براءتي ثبتت بالتالي براءته.
كانت التجربة قاسية جدا، وبسببها كفر بجهاز من أجهزة الدولة هو المخابرات أما إيمانه بالدولة نفسها، بالثورة، فلم يتطرق إليه الشك أو الفساد وتصور أنها - المخابرات - تمارس أساليبها في خفاء من المسئولين. - فكرت عقب الإفراج عني في أن أرفع شكوى للمسئولين، ولكن حلمي حمادة منعني بقوة. - واضح أنه لم يكن يؤمن بالدولة نفسها؟ - بلى.
وفي أعقاب النكسة اتجه إسماعيل لأول مرة لدراسة تاريخ مصر الحديث: لا أخفي عنك أني أعجبت بقوة المعارضة وحريتها، وبالدور الذي لعبه القضاء المصري، لم يكن العهد شرا خالصا، وكان به عناصر فكرية جديرة بالاستمرار والنمو والازدهار، وكان التنكر لها من أسباب نكستنا. •••
وحدثني بعد ذلك عن اعتقاله الثاني: كنت في زيارة لحلمي حمادة في منزله، غادرته عند منتصف الليل، ألقي القبض علي فور خروجي من البيت، هكذا رجعت إلى حجرة الظلام والفراغ. وتساءل في حيرة عن التهمة التي ستوجه إليه، وطال انتظاره لذلك، وهو يعاني عذابات الجحيم حتى مثل مرة أخرى أمام خالد صفوان. - وقفت صامتا مستفيدا من تجربتي السابقة، متوقعا الشر - رغم ذلك - من جميع الجهات الأصلية، وتفرس خالد في وجهي وقال: يا لك من داهية، حسبناك يوما من الإخوان.
فقلت بنبرة ذات مغزى: وظهرت براءتي! - ولكن ما خفي كان أعظم.
فقلت بإخلاص: إني مؤمن بالثورة، هذه هي الحقيقة الوحيدة.
فقال بسخرية: الجميع مؤمنون بالثورة، في هذه الحجرة يجهر الإقطاعيون والوفديون والشيوعيون بإيمانهم بالثورة!
وحدجني بنظرة قاسية ثم سأل: متى انضممت إلى الشيوعيين؟
صفحة غير معروفة