كراهية وصداقة وغزل وحب وزواج

محمد عبد النبي ت. 1450 هجري
71

كراهية وصداقة وغزل وحب وزواج

تصانيف

ولتفاجئني أنا بإلقائها هذا الضوء الجديد، الآتي من هموم الحياة اليومية، الذي تلقيه على حياة ألفريدا. كنت قد اعتقدت أن ألفريدا ثرية؛ أو على الأقل ثرية مقارنة ببقية العائلة. كانت تقيم في شقة - لم أرها قط، ولكن بالنسبة إلي كانت تلك على الأقل فكرتي عن حياة في غاية التحضر - وكانت ترتدي ثيابا ليست صناعة منزلية، وأحذيتها لم تكن من نوعية أكسفورد التي تكسي القدم وذات الأربطة مثل التي ترتديها فعليا جميع النساء البالغات اللاتي عرفتهن في حياتي، بل كانت ترتدي صنادل مفتوحة مصنوعة من شرائط لامعة من مادة البلاستيك الجديدة. كان من العسير أن أعرف إن كانت جدتي ما زالت تعيش في الماضي ببساطة، حين كان أمر إصلاح الأسنان المريضة يكلف ثروة ضخمة من مدخرات عمر كامل، أو إن كانت تعرف حقا عن حياة ألفريدا أمورا لم يسعني أن أخمنها قط.

لم تحضر بقية أفراد العائلة بالمرة على مائدة العشاء في منزلنا عند حضور ألفريدا. كانت تذهب لرؤية جدتي، التي كانت خالتها مباشرة. لم تعد جدتي تعيش في بيتها الخاص، ولكن بدلا من ذلك كانت تقيم عند إحدى عمتي، وكانت ألفريدا تقصد المنزل الذي يضم جدتي أيا كان الوقت، ولكنها لا تقصد المنزل الآخر لترى العمة الأخرى التي كانت بنت خالتها أيضا شأن أبي تماما. ولم تكن تتناول وجبتها قط مع أي منهما. في أغلب الأحوال كانت تمر بمنزلنا أولا، لتزورنا لبعض الوقت، ومن ثم تستجمع نفسها، كما لو كان على مضض، لتقوم بالزيارة الأخرى. وحين كانت تعود فيما بعد ونجلس لنأكل، لم يكن يقال أي شيء يحط من قدر عمتي أو زوجيهما، وبالطبع لا يقال أي شيء فيه ازدراء لجدتي. وفي الحقيقة كانت طريقة حديث جدتي عن ألفريدا، وقد شحن صوتها فجأة بالانتباه والاهتمام، بل حتى بلمسة من الخوف (وماذا عن ضغط الدم لديها؟ هل زارت الطبيب مؤخرا؟ وما الذي قاله لها؟) تلك الطريقة هي ما جعلتني أدرك الفرق؛ الفتور والتحفظ غير الودود الذي كانت تتفقد به أحوال الآخرين. ثم يكون هناك تحفظ مشابه في جواب أمي عليها، ووقار إضافي في جواب أبي - وقار كاريكاتوري إن صح القول - مما أظهر كيف أنهم جميعا قد اتفقوا على شيء لا يمكنهم قوله صراحة.

في ذلك اليوم حين دخنت السيجارة قررت ألفريدا أن تشتط إلى ما هو أبعد قليلا، فقالت في وقار: «وكيف حال آزا؟ أما زال كثير الكلام كما كان دائما؟»

هز أبي رأسه في أسى، كما لو كان الأمر أن ثرثرة هذا العم لا بد تثقل كواهلنا جميعا.

قال: «حقيقي، ما زال هكذا.»

ثم انتهزت فرصتي.

قلت: «يبدو أن خنازيره قد أصيبت بالديدان الشريطية. صحيح!»

فيما عدا كلمة «صحيح» كان هذا بالضبط ما كان يقوله عمي، وقد قاله على هذه المائدة ذاتها، مدفوعا بحاجة غامضة لكسر الصمت أو الإدلاء بشيء هام خطر على باله لتوه. وقد قلت ما قلته بنفس غنته المهيبة، ووقاره البريء.

ضحكت ألفريدا ضحكة كبيرة مستحسنة، أظهرت أسنانها المبهجة وقالت: «هذه هي، لقد عرفت كيف تقلده حقا.»

مال أبي على طبقه، كما لو كان يخفي أنه كان يضحك أيضا، ولكن بالطبع لم يكن يخفي ذلك تماما، وراحت أمي تهز رأسها وتعض شفتيها، مبتسمة. شعرت بنصر مبين. لم يطلب مني أن ألزم حدودي، ولم أوبخ لما كان يسمى أحيانا ميلي للتهكم، أو كوني نبيهة. عندما كانوا يستخدمون كلمة «نبيهة» معي، في نطاق الأسرة، قد يقصدون بها الذكاء الذهني، ومن ثم كانت تستخدم بشيء من النقمة - «آه، انظروا، إنها نبيهة بما يكفي ويزيد!» - أو ربما تستخدم بمعنى كوني مغترة بنفسي، ألتمس لفت الانتباه نحوي، وبغيضة، «لا تكوني نبيهة هكذا.»

صفحة غير معروفة