ان نصح النبي صلى الله عليه واله لا ينفع الكفار الذين اراد الله بهم الكفر والغواية وهذا خلاف مذهبكم نقض عليهم (يقال لهم) ان الغواية هنا الخيبة وحرمان الثواب قال الشاعر * فمن يلق خيرا يحمد الناس امره * ومن يغو لا يعدم على الغي لائمه * فكأنه قال ولا ينفعكم نصحي ان كنتم مصرين على الكفر الذي يريد الله معه ان يحرمكم الثواب ويخيبكم منه (وايضا) فقد سمى الله تعالى العقاب غيا قال * (فسوف يلقون غيا) * مريم فيكون المعنى على هذا الوجه ان كان الله يريد ان يعاقبكم بسوء اعمالكم وكفركم فليس ينفعكم نصحي الا بان تفعلوا وتتوبوا (وما قيل) ان الاية تشهد بصحة هذا وان القوم استعجلوا عقاب الله تعالى * (فقالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فاتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين قال إنما ياتيكم به الله ان شاء وما انتم بمعجزين ولا ينفعكم نصحي ان اردت ان انصح لكم ان كان الله يريد ان يغويكم هو ربكم واليه ترجعون) * سوره هود (ووجه آخر) في الاية وهو انه قد كان في قوم نوح طائفة بقوا بالجبر فنبههم بهذا القول على فساد مذاهبهم وقال لهم على طريق الانكار عليهم والتعجب من قولهم ان كان القول كما تقولون من ان الله يفعل فيكم الكفر والفساد فما ينفعكم نصحي فلا تطلبوا منى نصحا وانتم على قولكم لا تنتفعون به (فصل) في معرفة القدرية اعلم انا وجدنا كل فرقة تعرف باسم أو تنعت بنعت فهى ترتضيه ولا تنكره سواء كان مشتقا من فعل فعلته أو قول قالته أو من اسم مقدم لها تبعته ولم نجد في اسماء الفرق كلها اسما ينكره اصحابه ويتبرا منه اهله ولا يعترف أحد به إلا القدرية فاهل العدل يقولون لاهل الجبر انتم القدرية واهل الجبر يقولون لاهل العدل انتم القدرية وإنما تبرا الجميع من هذا الاسم لأن رسول الله صلى الله عليه واله لعن القدرية واخبر انهم مجوس الامة والاخبار بذلك مشتهرة فمنها ما حدثني به أبو القاسم هبة الله ان إبراهيم ابن عمر الصواف بمصر قال حدثنا أبو بكر أحمد بن مروان المالكي قال حدثنا عباس ابن محمد الدورسي قال حدثنا عثمان ابن زفر قال حدثنا أبو معشر عن سعيد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لكل امة مجوس ومجوس هذه الامة القدرية فإن مرضوا فلا تعودوهم وان ماتوا فلا تشهدوهم وان لقيتموهم في طريق فالجاوهم الى ضيقه وهذا القول من رسول الله صلى الله عليه واله دلالة لنا على المعرفة بالقدرية وتمييز لهم من بين الامة لانهم لم ينعتهم بالمجوسية (إلا لموضع المشابهة بينهم وبين المجوس في المقال والاعتقاد وقد علمنا بغير شك ولا ارتياب ان من قول المجوس) ان الله تعالى فاعل لجميع ما سر ولذوا ابهج ومالت إليه الانفس واشتهته الطباع كائنا ما كان حتى انه فاعل الملاهي والاغاني وكلما دخل في هذا
--- [ 50 ]
صفحة ٤٩