ورائي ومدرك فهذه صفات لا تدل على وجوب صفة يتصف بها وإنما نحن متبعون للسمع الوارد بها ولم يرد بها السمع إلا على مجاز اللغة واتساعاتها والمراد بكل صفة منها معنى غير حقيقتها (القول في المريد) اعلم ان المريد في الحقيقة والمعقولة هو القاصد الى أحد الضدين اللذين خطرا بباله الموجب له بقصده وايثاره دون غيره وهذا من صفات المخلوقين التي يستحيل ان يوصف في الحقيقة بها رب العالمين إذ كان سبحانه لا يعترضه الخواطر ولا يفتقر الى ذي ادنى روية وفكر إذ كان هذا على ما بيناه فانما معنى قولنا ان الله تعالى مريد لافعاله انها وقعت وهو عالم بها غير شاغلة ولا هو موجودا لمسبب وجب من غيره مريدا له فصح إذا اردنا ان نخبر بان الله تعالى يفعل لا من سهو ولا غفلة ولا بايجاب من غيره ان تقول هو مريد لفعله ويكون لهذا الوصف استعارة لأن حقيقة كما ذكرناه لا يكون إلا في المحدث (دليل) والذي يدل على صحة قولنا في وصف الله تعالى بالارادة انه سبحانه لو كان مريدا في الحقيقة لم يخل الامر من حالين أما ان يكون مريدا لنفسه لوجب ان يكون مريدا للحسن والقبح كما انه لما كان عالما لنفسه كان عالما بالحسن والقبح وارادة القبيح لا تجوز على الله سبحانه والكلام في هذا ياتي محررا على المجبرة في خلق الافعال فإذا ثبت ان الله عزوجل لا يجوز ان يريد المقبحات علم انه غير مريد لنفسه وان كان مريدا بارادة لم تخل الارادة من حالين أما ان تكون قديمة أو حادثة ويستحيل ان تكون قديمة بما بيناه من انه لا قديم سواه عزوجل والكلام على المجبرة في هذا داخل في باب نفى الصفات التي ادعت المجبرة انها قديمة مع الله تعالى وايضا فلو كان الله سبحانه مريدا فيما لم يزل أما لنفسه وأما بارادة قديمة معه لوجب ان يكون مراده معه فيما لم يزل لانه لا مانع له مما اراده ولا حائل بينه وبينه ولكان ما يوجده من الا فعال لا يختلف اوقاته ويتاخر بعضه عن بعض لأن الارادة للكل حاصلة موجدة في كل وقت وهذا كله موضح انه عزوجل ليس بمريد فيما لم يزل لا لنفسه ولا لارادة قديمة معه وإذا بطل هذا لم يبق إلا ان يكون مريدا بعد ان لم يكن مريدا بارادة محدثه وهذا ايضا يستحيل لان الارادة لا تكون إلا عرضا والعرض يفتقر الى محل والله تعالى غير محل من للاعراض ولا يجوز ان يكون ارادته حالة في غيره كما لا يجوز ان يكون عالما بعلم يحل في غيره وقادرا بقدرة تحل في
--- [ 26 ]
صفحة ٢٥