وأصغى المسيحيون في غلاطية إلى هؤلاء الدعاة، فاستحقوا وعظا وإرشادا شديدي اللهجة، وكتب الرسول إلى أهل رومة بهذا المعنى فقال: «ليس اليهودي هو من كان في الظاهر، ولا الختان ما كان ظاهرا في اللحم، بل إنما اليهودي هو من كان في الباطن، والختان هو ختان القلب بالروح لا بالحرف، ومدحه ليس من الناس بل من الله.»
11
ثم دخل في النصرانية المتهودة يهود آخرون، فأدخلوا آراء غريبة تمت بصلة قوية إلى المذاهب اليهودية الرائجة آنئذ، وإلى الفلسفة الغنوسية اليونانية، ولاقت هذه الآراء أرضا خصبة في وادي الليكوس
Lycus
بين فريجية وليدية وكارية في آسية الصغرى، وفي الأوساط المسيحية في هيرابوليس
Hierapolis ، واللاذقية، وكولوسي
Colossae ؛ فهرع إبفراس
Epaphras «الحبيب» يخبر بولس بذلك في منفاه، فكتب بولس إلى أهل كولوسي يحذرهم «ألا يسلبهم أحد بالفلسفة والغرور بالباطل حسب سنة الناس على مقتضى أركان العالم لا على مقتضى المسيح»، الذي «فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديا»، وهم «مملوءون فيه وهو رأس كل رئاسة وسلطان»، وألا يحكم عليهم أحد «في المأكول أو المشروب، أو من قبيل عيد أو رأس شهر أو سبوت»، وألا يخيبهم أحد في جعالتهم مبدعا مذهب تواضع وعبادة للملائكة، وخائضا في سبل لا يبصرها.
12
وهكذا فإنه يستدل من كلام بولس الرسول أن هؤلاء الدخلاء علموا بحفظ أعياد خصوصية وحفظ رءوس الأشهر وحفظ السبت، وأنهم حرموا بعض المآكل وأوصوا بعبادة الملائكة.
صفحة غير معروفة