كأن الروس لم تكفهم تلك الهزيمة المخجلة التي لقيها جيش القيصر في أسترلتز، وكأن الألمانيين رأوا أن ما بقي لهم بعد فضيحة جينا إنما هو كثير على أنفسهم، فعرضوا أنفسهم مرة أخرى لنابليون فأرسل عليهم هذا من عساكره ما بدد شملهم في الطرفين، وقتل من الروس ستين ألفا من الرجال في واقعة فريد لاند التي حدثت في منتصف شهر يونية سنة 1807، فاضطر القيصر إسكندر أن يعقد صلحا في تلست، وهي مدينة واقعة على نهر نيامن. أما إسبانيا فقد فقدت البقية الباقية لها من الرعاية عند نابليون. (22) حرب الجزيرة 1808 إلى 1813
لم ترد البرتغال أن تتبع نظام نابليون في أوربا، فأرسل نابليون إليهم قائده (جونوت) فاحتلها وطرد بيت براجانزا المكوكي منها، فهاجروا إلى البرازيل، وعاد الجيش الفرنسي بعد ذلك إلى إسبانيا فسل عرشها من مالكها البربوني ليتبوأه يوسف بونابارت ملك نابولي، فلما خلا عرش نابولي منه رقى نابليون نسيبه دوق برج ملكا لها.
اضطرب الإسبانيون لذلك فاستغاثوا بالإنجليز، فجاءوهم ونشبت بينهم وبين الفرنسيين مواقع لم يغلب الإنجليز فيها إلا في واقعة (فيتوريا ) سنة 1813، وكان يرأسهم في تلك الموقعة (ولنجتن) القائد الإنجليزي المعروف. لم يحضر نابليون هذه الوقائع، بل إنما كان قواده القائمين بها، ولم يزر إسبانيا إلا في السنة الأولى من نشوب الحرب؛ قال وهو ذاهب إليها: «إني ذاهب لأنظف أرض الجزيرة من تلك الثعالب الإنجليزية التي غشيتها.»
قضى نابليون ثلاثة أشهر غلب فيها الإسبانيين في واقعة طليطلة (توليدو)، ودخل مادريد عاصمة الإسبان فاتحا منتصرا، ثم غادرها بعد ثلاثة أشهر حين بلغه أن جيشا نمساويا قد تحرك يريد محاربته. (23) الحرب النمساوية سنة 1809
في هذه السنة جمع النمساويون نصف مليون من الجنود يريدون أن يمسحوا بها العار الذي لحق بهم بعد واقعتي مارنجو وأسترلتز، واضطربت البلاد اضطرابا لهذا العمل، فقام الأرشدوق شارل ودعا الأمة الألمانية للقيام في وجه نابليون وتكسير ذلك النير الفرنسي الثقيل، فاخترق نابليون إليهم نهر الرين وقهر شارل المذكور في باڤاريا، وضرب ڤينا، وسار بأعلامه يخفق في شوارع تلك المدينة العظيمة، تدق طبوله وتعزف بوقاته عزف المنتصر القدير، كل ذلك في تسعة أيام (3 أبريل إلى 12)، ثم اخترق نابليون بعد ذلك نهر الدانوب وحارب في واقعة لم تكن نهائية، ذلك بأن النمساويين كسروا الكبري من ورائه بأن ألقوا كتلا كبيرة من الخشب في النهر، فاضطر نابليون أن يحمي جيشه في جزيرة مدة ستة أشهر. (23-1) واقعة واجرام 5 يولية 1809
كان اليوم يوما عبوسا قمطريرا أرعدت السماء فيه إرعادا أسكت أصوات المدافع، ووقف الناس ولدانا شيبا فوق سطوح المنازل في ڤينا وقد ملك الرعب قلوبهم حتى يكاد يتدفق الاصفرار منها وهم ينظرون إلى ملتحم الجيشين. وقف أربعمائة ألف من الأرواح في حومة الوغى حتى إذا انتصف النهار سقط قلب الجيش النمساوي وتشتت، فلما رأى الإمبراطور النمساوي ذلك، وكان يشاهد تلك المناظر المفزعة من جبل بجوارها، فقد رشده فحول بصره عن مشهد الدماء والهزيمة وغادر مكانه إلى حيث أراد.
نابليون في واقعة واجرام.
بذلك انفضت الموقعة العظيمة، ثم عقد صلح يعرف بمعاهدة شونبرون التي نال فيها نابليون أرضا عليها مليونان من النفوس . (24) ثاني زواج لنابليون سنة 1810
لم يكن نابليون من هذا النصر ليريد أن يقضي على النمسا وعائلة هابسبرج الحاكمة، بل شاء لها البقاء وشاء لنفسه أن يتصل بها؛ رغبة منه في أن يكون نسبه متصلا ببيت ملكي، فطلق امرأته الأولى جوزفين زوجته المخلصة؛ لأنها لم تكن من بيت إمبراطوري، ولم تكن تلد، ثم تزوج بماري لويز ابنة إمبراطور النمسا على أمل أن تلد له ولدا. وقد حقق الله أمله؛ فإنه لم تمض سنة على زواجهما حتى ولدت له في مارس 1811 ولدا سماه ملك روما، ولكن لم يقدر الله لهذا الملك أن يقبض على صولجان الملك؛ فإنه عند سقوط أبيه أخذه بيت هابسبرج وظل فيه حتى مات في سنة 1832. (25) القبض على البابا سنة 1811
قبل زواج نابليون بسنة حدثت حادثة في روما من أغرب ما روى التاريخ؛ وذلك أن نابليون لما ضم إلى سلطته الواسعة أملاك البابا، وكانت قبل ذلك مستقلة، أصدر البابا منشورا قضى بحرمان نابليون من الكنيسة، فلم يهتم نابليون بهذا القرار الصارم الذي كان أفظع ما في يد الباباوات من آلات الانتقام، وأتى بما هو أنكى وأشد؛ فإنه أرسل إلى روما بعضا من رجال الجندرمة تسلقوا جدران سراي البابا وأخذوه منها في الليل أسيرا إلى فرنسا، فأبقاه نابليون في فونتنبلو. (26) ذروة مجد نابليون 1811
صفحة غير معروفة