قال سيبويه: «واعلم أن هذه الواو إذا كانت مضمومة فأنت بالخيار إن شئت تركتها على حالها، وإن شئت أبدلت الهمزة مكانها؛ وذلك نحو قولهم في «ولد»: «ألد»، وفي «وجوه»: «أوجه»، وإنما كرهوا الواو حيث صارت فيها ضمة كما يكرهون الواوين، فيهمزون نحو: «قئول» و«مئون»، وأما الذين لم يهمزوا فتركوا الحرف على أصله كما يقولون: «قئول» فلا يهمزون، وإذا التقت واوان في أول الكلمة لم يكن بد من همز الأولى؛ وذلك «كالأواقي» في جمع «واقية» وأصلها «وواقي» لأنها فواعل، إلا أنهم كرهوا اجتماع الواوين فقلبوا الأولى همزة، وقد أبدلت الهمزة من الياء الزائدة في نحو قولهم: «حرباء» و«علباء»، وأما إبدال الهمزة من الهاء ففي قولهم: «ماء» وأصله «موه» لقولهم في الجمع: «أمواه»، وفي قولهم: «آل» وأصله «أهل» أبدلت الهاء همزة، فتوالت همزتان، فأبدلوا الثانية ألفا، كما أبدلوها في «آخر» و«آمن» ثم خصوه بأشرف المواضع التي يستعمل فيها «أهل»، ولم يستعملوه في كل موضع يستعمل فيه «أهل»، وأما إبدالها من العين فقد وقع في «أباب» بحر أي: في عبابه، وهو شاذ، وقال ابن جني: «هو من أب إذا تهيأ، وذلك أن البحر يتهيأ لما يزخر به؛ فلهذا كانت الهمزة أصلا غير بدل من العين، وإن قلت إنها بدل منها فهو وجه وليس بالقوي، ومن أراد استيفاء هذه المباحث وما شاكلها فلينظر في كتابه المسمى: ب «سر الصناعة».»
ولنرجع إلى إبدال الهمزة من الألف؛ فإنه أهم في هذا الموضع من غيره، فنقول: قد همز بعضهم «الضالين» و«شابة» و«دابة»؛ وعلة ذلك أنهم كرهوا اجتماع الساكنين، فحركوا الألف لالتقائهما فانقلبت همزة؛ لأن الألف حرف ضعيف واسع المخرج لا يتحمل الحركة، فإذا اضطروا إلى تحريكه قلبوه إلى أقرب الحروف إليه وهو الهمزة، وذكر بعض العلماء: أن أصل «اطمأن» «اطمان» مثل: «ادهام»، لكنهم همزوا على غير قياس فرارا من الساكنين، وقيل أصله: «طأمن» لكن أخرت في «اطمأن» على غير قياس بدليل قولهم: «طأمن» ظهره إذا خفضه، وجاء الشعر «ادهأم» بالهمزة في «إدهام» بالألف، وقد قلب بعض العرب كل ألف وقعت في آخر الكلمة همزة في الوقف، قال ابن جني: «حكى سيبويه في الوقف هذه «حبلأ» يريد «حبلى»، ورأيت «رجلا»، والهمزة في «رجلأ» إنما هي بدل من الألف التي عوض من التنوين في الوقف، ولا ينبغي أن تحمل على أنها بدل من النون لقرب ما بين الهمزة والألف، وبعد ما بينها وبين النون، ولأن «حبلى» لا تنوين فيها، وإنما الهمزة فيها بدل من الألف البتة فكذلك همزة «رأيت رجلأ»، وحكي أيضا: «هو يضربهأ» وهذا كله في الوقف فإذا وصلت قلت: «هو يضربها» يا هذا ورأيت حبلى أمس.»
تنبيه:
قال بعض علماء اللغة: لا توجد الهمزة في الكلام العجم إلا في الابتداء، وهذا القول صحيح لوروده في مورد الإجمال، وهو سائغ إذا اقتضاه الحال، وإن أريد نوع من التفصيل قيل إن مهموز العين يوجد في السريانية غير أنه فيها قليل، وفي العبرانية وهو فيها أقل مما في السريانية، وأما مهموز اللام فلا يكاد يوجد فيها، وأكثر ما هو مهموز اللام في العربية هو ناقص في السريانية نحو: «قرأ» و«برأ».
والمشهور عند السريانيين كما ذكر بعضهم تخفيف الهمزة، فإن كانت متحركة وكان ما قبلها ساكنا نقلت حركتها إلى ما قبلها ثم حذفت هي، وإن كانت ساكنة قلبت حرف مد يجانس حركة ما قبلها. وبهذا تعلم أن المختص باللغة العربية هي الهمزة الساكنة، نحو همزة: «رأس» و«بؤس» و«بئس»، واقرأ عند من يحققها دون من يقلبها حرف مد كالسريان.
هذا، ولما كان العرب أكثر الأمم تفننا في الهمز وهو حرف فيه ثقل؛ حاولوا الخلاص منه فتفننوا في تخفيفه، وأكثرهم محاولة لذلك أهل الحجاز لا سيما قريش؛ ولذلك كان أكثر ما يرد في القراءات من تخفيف الهمزة إنما جاء من طرقهم كابن كثير من رواية ابن فليح، وكنافع من رواية ورش، وكأبي عمرو فإن مادة قراءته عن أهل الحجاز، وأما ما يروى من أنه قيل للنبي - عليه السلام - يا نبيء الله فقال: «إنا معشر قريش لا ننبر.» فهو منكر، قال علماء اللغة: «النبر همز الحرف.»
وطرق التخفيف عندهم أربعة:
النقل:
وهو نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها ثم حذفها نحو: «قد افلح» بفتح الدال، وبه قرأ نافع من طريق ورش.
والإبدال:
صفحة غير معروفة