الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه ، نعم، يقع الالتباس في هذا الموضع في كتب اللغة التي جعلت الباب معقودا لآخر الكلمة كالصحاح؛ فإن أواخر الكلم كثيرا ما توجد فيها الألف اللينة، غير أن صاحب «الصحاح» قد رفع اللبس بقوله: باب الألف المهموزة.
في الألف اللينة
واعلم أن الألف اللينة لا تكون أصلا في الأسماء المتمكنة والأفعال، وإنما تكون فيهما زائدة كألف «قتال» و«قاتل»، أو منقلبة عن واو أو ياء كألف «قال» و«باع» و«غزا» و«رمى»، وأما الحروف ك «ما» و«لا» والأسماء المتشابهة لها ك «ذا» و«مهما»، والأسماء المعربة ك «الدانق» فالألف فيها أصلية، وقد عرفت أن أرباب اللغة لا يعتبرون الحرف الزائد، وأما الحرف المنقلب عن غيره فيعتبرون الحرف الذي انقلب عنه؛ فيذكرون «غزا » في «غزو» و«رمى» في «رمي»، وقد عقد صاحب «الصحاح» للألف اللينة بابا على حدة جعله في آخر الكتاب إتماما للمقصود، قال فيه: باب الألف اللينة. لأن الألف على ضربين: لينة ومتحركة؛ فاللينة تسمى ألفا، والمتحركة تسمى همزة، وقد ذكرنا الهمزة وذكرنا أيضا ما كانت الألف فيه منقلبة من الواو والياء، وهذا الباب مبني على ألفات غير منقلبات من شيء فلهذا أفردناه. فإن قلت: إن الجمهور قد جعلوا الباب معقودا لأول الكلمة والفصل لثانيها فكان يمكنهم أن يجعلوا في كل باب فصلا للألف اللينة، فلم لم يفعلوا ذلك؟ قلت: تركوا ذلك لقلة الكلمات التي ثانيها ألف لينة أصلية، وأما الأسماء المعربة ك «دانق» و«آب» ونحو ذلك فذكروها في أشبه المواضع بها؛ وهي المواضع التي يظن أن الباحث يتحراها فيها، فذكروا دانق في «دنق» وآب في «أوب» واستبرق في «برق» وقس عليه غيره، واختلف في الهمزة والألف فقيل: هما متحدتان بالذات غير أن في الهمزة شدة رفعتها للحلق، فالفرق بينهما كالفرق ما بين النون الساكنة والمتحركة فإنهما متحدتان مع أن بينهما فرقا، وهي أن النون الساكنة تخرج من الخيشوم بدليل أنك لو أمسكت بأنفك ثم نطقت بها لوجدتها مختلفة بخلاف النون المتحركة، وإن كان فيها بعض غنة تخرج من الأنف، وقيل هما مختلفتان بدليل اختلاف المخرج؛ فإن الهمزة من الحلق والألف من الجوف، وعلى الحالين فلا ينبغي أن يخلط بينهما كما فعل بعض اللغويين حين أراد ذكر معناهما، بل يجب ذكر كل واحدة منهما على حدة.
الهمزة وما يتعلق بها من المباحث
وقد أفاض العلماء في أمر الهمزة، وما ذكروه فيها يبلغ سفرا ضخما؛ لكثرة ما لها من الأحوال، ولقد أحببنا أن نورد هنا أقل ما يمكن إيراده في مثل هذا المقام؛ فنقول: إن الهمزة قد تكون من حروف المعاني، وقد تكون من حروف المباني؛ فإذا كانت من حروف المعاني فقد تكون للنداء إذا كان المنادى قريبا، كقول امرئ القيس:
أفاطم، مهلا بعض هذا التدلل
وإن كنت قد أزمعت صرما فأجملي
وقد تكون للاستفهام، ومعناه طلب الفهم، نحو: «أزيد قائم؟» و«أرأيت عمرا؟» ويجوز مدها إذا جاء بعدها همزة، نحو:
أأنت فعلت هذا ، قال ذو الرمة:
أيا ظبية الوعساء بين جلاجل
صفحة غير معروفة