بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر
أخبرنا شيخنا وسيدنا الشيخ الإمام العالم الحافظ ضياء الدين أبو عبد الله، محمد بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي، من لفظه في يوم الجمعة رابع عشر شهر ربيع الآخر، سنة تسع عشرة وستمائة، قال:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد خاتم النبيين، وعلى آله المنتجبين.
اللهم ألهمنا للرشاد، ووفقنا للسداد، وأعذنا من الفساد، وأعنا على ما يقربنا إليك يا رب العباد، بمنك وطولك يا رافع السبع الشداد بغير عماد.
أما بعد:
فإني ذاكر ما قاله بعض الأئمة في الإمام أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني رحمه الله؛ مما يوهم السامع أنه جرح في حقه.
صفحة ١٩
وأنا -إن شاء الله تعالى- مبين بعون الله وتوفيقه أن ذلك ليس بجرح.
فمن ذلك:
صفحة ٢٠
1- ما ذكره أبو عبد الله الحاكم النيسابوري في كتاب ((علوم)
الحديث))
قال:
((وجدت أبا علي سيء الرأي في أبي القاسم اللخمي؛ فسألته عن السبب فيه؛ فقال:
اجتمعنا على باب أبي خليفة؛ فذكرت طرق: ((أن أسجد على سبعة أعضاء))؛ فقلت له: تحفظ عن شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة الزراد، عن طاوس، عن ابن عباس؟
فقال: بلى! غندر وابن أبي عدي.
فقلت: من عنهما؟
فقال: حدثناه عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، عنهما.
صفحة ٢١
فاتهمته إذ ذاك.
ثم قال أبو علي: ما حدث به غير عثمان بن عمر؛ فحدثني أبو علي، قال: أخبرنا ابن سلمة الأصبهاني، أخبرنا صالح بن محمد بن يحيى بن سعيد، أخبرنا عثمان بن عمر، أخبرنا شعبة، عن عبد الملك، عن طاوس، عن ابن عباس)).
هذا ما ذكره الحاكم.
فأقول -وبالله التوفيق بمنه وكرمه-:
إن أبا القاسم الطبراني -رحمه الله- سبق وهمه في ذلك -أي: رواية عمرو بن دينار عن طاوس- لما ذكره من حفظه، ولم يفرق بين رواية عمرو بن دينار وبين رواية عبد الله بن ميسرة؛ فوهم كما وهم غيره في غير شيء.
والدليل على صحة ذلك، أنه -رحمه الله- روى في ((أحاديث شعبة)) الذي جمعه، حديث عمرو بن دينار، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، عن محمد بن جعفر، غندر عن شعبة، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، الحديث.
صفحة ٢٢
وروى حديث عبد الملك بن ميسرة، عن عبد الله بن أحمد بن أسيد الأصبهاني، عن صالح بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان، عن عثمان بن عمر، عن شعبة، عبد الملك بن ميسرة، عن طاوس؛ كرواية أبي علي؛ ففرق بين الروايتين؛ وذلك أنه أورد كل رواية كما كان في كتابه لما رجع إليه؛ فدل ذلك على أن ذلك كان وهما لا تعمدا؛ إذ لو كان تعمدا لأثبته في جمعه وتأليفه.
ولو كان يتهم كل من وهم في حديث أو حديثين؛ لكان هذا لا يكاد يسلم منه أحد؛ فإن الأئمة المتقدمين -رحمة الله عليهم- قد وهموا وجمعت أوهامهم. وذلك مما لا يخفى، فلو ذهبنا نعد من أخذ عليه الوهم منهم؛ لكثر ذلك!
وقد ذكر عن جماعة من الأئمة أنهم كانوا إذا ذكروا شيئا من ذلك؛ فقيل لهم، رجعوا إلى كتبهم؛ فإذا وجدوه بخلاف ما قالوه رجعوا عنه؛ فاستدللنا بما روى الطبراني -رحمه الله- في كتابه على الصواب أنه رجع عن ما قاله وتوهمه بحضرة أبي علي، والله أعلم بالصواب.
صفحة ٢٣
2- ذكر ما روي عن أبي عبد الله بن منده الحافظ في ((تاريخه)) في
ذكر الطبراني
قال أبو عبد الله -رحمه الله-:
وسليمان بن أحمد بن أيوب بن مطر، أبو القاسم الطبراني، نزل أصبهان ومات بها.
حدث عن أبي زرعة الثقفي، وابن أبي مريم، وبشر بن موسى، أحد الحفاظ المذكورين. مولده: سنة ستين -يعني ومائتين-، ومات: سنة إحدى وستين -يعني وثلاثمائة-.
عاش مائة سنة وجاوزها.
وحدث عن أحمد بن عبد الرحيم البرقي، ولم تحتمل سنه؛ وتوفي أحمد بن عبد الرحيم سنة ست وستين بمصر)).
قلت:
صفحة ٢٤
فالعجب من الإمام أبي عبد الله -رحمه الله، مع جلالة قدره وإمامته وتقدمه- كيف لم ينعم النظر فيما قاله؟!؛ حتى لزمه الوهم فيما قاله من وجهين:
فقد قال الإمام أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الحافظ: أخطأ أبو عبد الله علي الطبراني في قوله: إنه روى عن أحمد بن عبد الرحيم البرقي؛ فإنه لم يرو عنه، وإنما روى عن أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي، وهو شيخ آخر.
قال: وأخطأ في قوله: وجاوزها أيضا؛ لأنه لم يجاوزها، بل مات سنة ستين.
صفحة ٢٥
3- وما ذكر عن الإمام أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه الحافظ
روي عن أبي العباس أحمد بن محمد بن بشرويه، قال:
سمعت أبا بكر، ابن مردويه، يقول:
((دخلت بغداد فطلبت حديث إدريس بن جعفر العطار، عن يزيد بن هارون، وروح؛ فلم أجد إلا أحاديث معدودة، وقد روى الطبراني، عن إدريس، عن يزيد كثيرا)).
وروي عن ابن بشرويه أيضا:
((سمعت أبا بكر أحمد بن الفضل الباطرقاني يقول:
ما رأيت الشيخ أبا بكر أحمد بن موسى بن مردويه الحافظ لعن أحدا قط إذ عابه إلا يوما. دخلت معه بيت الطبراني أبي القاسم بعد وفاة [الطبراني عند] ابنه أبي ذر لبيع كتب أبيه؛ فرأى أجزاء لا أوائل لها؛ فاغتم لذلك. ولعنه))!
قال الراوي: ((فاستفهمت الشيخ مرارا، وقلت: تلفظ بهذه الكلمة أحمد بن الفضل؟ قال: تلفظ بها. ثم قال: هو أو أبو بكر بن مردويه أعلم؟.
صفحة ٢٦
فقال ابن بشرويه: كان ابن مردويه سيء الرأي في الطبراني (¬1) .
صفحة ٢٧