لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام (١٢ - ١٣)
جزء فيه ذكر حال عكرمة
مولى عبد الله بن عباس وما قيل فيه
تخريج
الإمام الحافظ عبد العظيم بن عبد القوي المنذري
ويليه
عقد الجمان في بيان شعب الإيمان
للعلامة محمد مرتضي الزبيدي
اعتنى بهما
نظام محمد صالح يعقوبي
ساهم بطبعه بعض أهل الخير من الحرمين الشريفين ومحبيهم
دار البشائر الإسلامية
صفحة غير معروفة
جَميعُ الحُقُوقِ مَحْفُوظَةٌ
الطّبْعَةُ الأولى
١٤٢١ هـ - ٢٠٠٠ م
دَارُ البَشَائِر الإسْلَامِيَّة للطباعة والنشر والتوزيع
هاتف: ٧٠٢٨٥٧ - فاكس: ٧٠٤٩٦٣/ ٠٠٩٦١١
بيروت - لبنان ص. ب: ٥٩٥٥/ ١٤
e-mail: [email protected]
1 / 2
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
1 / 4
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدّمة المحقّق
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: فهذا جُزءٌ نفيس دبَّجَته يَراعةُ الِإمام الحافظ المُنذري ﵀، كان مدفونًا مخزونًا في خزانةٍ خاصَّةٍ؛ فلم يذكرها أحدٌ ممن ترجم له أو اعتنى بمصنفاته، فوفقني الله تعالى -بمنِّه وفضله- لِإخراجه
والعناية به وخدمته. أسأل الله تعالى أن يجعل عملي فيه -وفي غيره- خالصًا لوجهه الكريم، وينفعني به يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاَّ من أتى الله بقلب سليم.
وصلَّى على سيدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم.
موضوع الجزء:
* هذا جزءٌ أفرده الحافظ المنذري رحمه الله تعالى في ترجمة عكرمة مولى حَبْر الأُمَّةِ سيدنا عبد الله بن عباسٍ ﵄ وأرضاهما.
1 / 5
ويبدو أن حال عكرمة وما قيل فيه جَرْحًا وتعديلًا قد شغل الحفاظ والمحدِّثين؛ ولذا فقد صنَّفَ في الذبِّ عنه جماعة، منهم:
١ - إمام المفسرين مجتهد عصره أبو جعفر محمَّد بن جرير الطبريُّ.
٢ - والِإمام محمَّد بن نصر المروزيُّ.
٣ - وأبو عبد الله بن مَنْدَه.
٤ - وأبو حاتم بن حِبَّان.
٥ - وأبو عمر بن عبد البَرِّ الأندلسي .. وغيرهم (١).
وهذا الجزء تتمة لجهود هؤلاء الجهابذة، وفيه نُقول ونصوص نادرة من هذه المؤلفات النفيسة المفقددة -فيما أعلم- حيثما لم يصل إلينا شيء منها.
فالحمد لله على سلامة هذا الجزء من الضياع ووصوله إلينا!
* وقد ذبَّ الحافظ ابنُ حجر العسقلانيُّ رحمه الله تعالى عن عكرمة ذبًّا حسنًا وقال:
"عكرمة أبو عبد الله مولى ابن عباس، احتج به البخاريُّ وأصحابُ السنن، وتركه مسلمٌ فلم يخرج له، سوى حديث واحد في الحج مقرونًا بسعيد بن جبير، وإنما تركه مسلم لكلام مالك فيه، وقد تعقَّب جماعة من الأئمة ذلك وصنَّفوا في الذبِّ عن عكرمة ... "، وذكر الحفاظ الذين ذكرناهم آنفًا.
ثم قال: "فأما أقوال من وهّاه فمدارها على ثلاثة أشياء: على رميه
_________
(١) ذكر ذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني ﵀ في "مقدمة فتح الباري" (١٩٢)، ط. إبراهيم عطوة عوض.
1 / 6
بالكذب، وعلى الطعن فيه بأنه كان يرى رأي الخوارج، وعلى القدح فيه بأنه كان يقبل جوائز الأُمراءِ. فهذه الأوجه الثلاثة يدور عليها جميع ما طعن به فيه.
فأما البدعة فإن ثبتت عليه فلا تَضُرُّ حديثه لأنه لم يكن داعيةً، مع أنها لم تثبت عليه.
وأما قبول الجوائز فلا يقدح أيضًا إلاَّ عند أهل التشديد، وجمهور أهل العلم على الجواز كما صنَّفَ في ذلك ابنُ عبد البَرِّ.
وأما التكذيب فسَنُبيِّنُ وجوهَ رَدِّه بعد حكايته أقوالهم وأنه لا يلزمُ من شيء منه قَدْحٌ في روايته" (١). اهـ.
ترجمة الِإمام المنذري صاحب الجزء:
اسمه ونسبه:
هو زكي الدين أبو محمَّد عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة بن سعد بن سعيد المنذريُّ، الشامي الأصل، المصري المولد والدار والوفاة.
ولادته ووفاته:
ولد بفسطاط مصر في غرة شعبان سنة ٥٨١ هـ، وتوفي في أول الساعة العاشرة من يوم السبت ٤ ذي القَعْدة سنة ٦٥٦ هـ، وصُلِّي عليه يوم الأحد بعد الظهر في موضع تدريسه بدار الحديث الكاملية، وصُلِّي عليه
_________
(١) "مقدمة فتح الباري" (١٩٢)، وراجع تمام دفاعه عنه لزامًا.
قلت: ودافع عنه أيضًا الِإمام أبو الفتح ابن سيد الناس في "أجوبته"، انظر: "أبو الفتح اليعمري حياته وآثاره وتحقيق أجوبته"، لمحمد الراوندي ٢/ ١١٦ - ١٢٦، ط. المغرب.
1 / 7
مرة أخرى تحت القلعة، ودُفن بسفح المُقَطَّم بمقبرتهم الخاصة بهم.
شيوخه:
سمع من جمع غفير وأجاز له خلق لا يُحصون؛ فممّن سمع منهم: أبي عبد الله الأَرْتاحي، وعمر بن طبرزد، وعلي بن المُفضَّل الحافظ، وأبي اليُمن الكندي، والِإمام موفق الدين بن قُدامة وغيرهم كثير.
منزلته ومكانته:
كان من أعلم عصره بالحديث، عالمًا بصحيحه وسقيمه، ومعلوله وطرقه، متبحرًا في معرفة أحكامه ومعانيه ومُشكله، قيّمًا بمعرف غريبة وإعرابه واختلاف ألفاظه، إمامًا حُجَّةً.
ثناء العلماء عليه:
قال الحافظ عز الدين الحسيني:
"كان عديمَ النظير في علم الحديث على اختلاف فنونه، ثبتًا حُجةً ورعًا مُتحريًا، قرأتُ عليه قطعةً حسنةً من حديثه، وانتفعتُ به كثيرًا".
وقال فيه الذهبي في "سير النبلاء":
"الِإمام العلامة الحافظ المحقق شيخ الإِسلام ... ".
ويكفيه ذلك فخرًا وشرفًا رحمه الله تعالى.
مؤلفاته:
له مؤلفات كثيرة، عمّ نفعها وذل صيتها منها:
أولًا- الحديث:
١ - أربعون حديثًا في الأحكام، وتسمى: "الأربعون الأحكامية" (مطبوع).
1 / 8
٢ - أربعودن حديثًا في اصطناع المعروف بين المسلمين وقضاء حوائجهم (مطبوع).
٣ - أربعودن حديثًا في فضل العلم والقرآدن والذكر والكلام والسلام والمصافحة.
٤ - أربعودن حديثًا في هداية الِإنسان لفضل طاعة الِإمام والعدل والِإحسان.
٥ - الترغيب والترهيب، وهو أشهر مؤلفاته وبه يعرف فيقال: صاحب الترغيب والترهيب (طبع مرارًا).
٦ - جزء المنذري (فيمن غفر الله له ما تقدَّم وما تأخَّر).
٧ - جزء فيه حديث "الطهور شطر الِإيمان".
٨ - الجمع بين الصحيحين.
٩ - زوال الظَّمَا في ذكر من استغاث برسول الله من الشِّدَّةِ والعَما.
١٠ - عمل اليوم والليلة.
١١ - مختصر سنن أبي داود (وهو المطبوع مع شرح ابن قيم الجوزية).
١٢ - مختصر صحيح مسلم (طبعه الشيخ ناصرالدين الألباني ﵀.
١٣ - الموافقات (ذكره الذهبي في السير وقال: إنه في مجلدة).
ثانيًا- الفقه:
١٤ - الخلافيات ومذاهب السلف.
١٥ - شرح التنبيه (لأبي إسحاق الشيرازي)، وهو في ١١ مجلدًا (لم أقف على شيء من نُسخه).
1 / 9
ثالثًا- التاريخ:
١٦ - الِإعلام بأخبار شيخ البخاري محمَّد بن سلام.
١٧ - تاريخ من دخل مصر.
١٨ - ترجمة أبي بكر الطرطوشي.
١٩ - التكملة لوفيات النقلة (مطبوع بتحقيق د. بشار عواد معروف).
٢٠ - المعجم المترجم.
راجع في تفصيل ذلك كله في:
١ - المنذريُّ وكتابه التكملة لوفيات النقلة، للدكتور بشار عواد معروف، مطبعة الآداب بالنجف، ١٣٨٨ هـ / ١٩٦٨ م.
٢ - مقدمة المحقق بشار عواد معروف لكتاب التكملة لوفيات النقلة، مؤسسة الرسالة، ١٤٥١ هـ / ١٩٨١ م، ١/ ١ - ٤٧.
٣ - سير أعلام النبلاء، للحافظ الذهبي، ٢٣/ ٣١٩ - ٣٢٤ (ترجمة ٢٢٢).
ومنها (١) لخصنا هذه الترجمة بتصرف واختصار.
وصف النسخة وعملي فيها:
* اعتمدت في إخراج هذا الجزء على نسخة مصورة عن أصل مخطوط في مكتبة خاصَّة. وهذا الجزء ضمن مجموع نفيس كله بخط أحد العلماء والنساخ المشهورين من القرن العاشر الهجري. ولم يأذن صاحب الأصل بذكر تفاصيلها أكثر من هذا الذي ذكرت فالتزمتُ بما وعدتُ.
_________
(١) أي من هذه الكتب الثلاثة.
1 / 10
* وقد قسمت الجزء إلى فقرات مرقَّمة ليسهل العزو إلى الفقرة ووضعت عناوين بين معقوفتين زيادةً في الِإيضاح، وعزوت معظم الأقوال إلى المصادر المتوفرة، ولم أتكلف لتيسر ذلك لمن أراد المراجعة
والمقابلة، وأذكر هنا أهم هذه المصادر:
١ - الكامل في ضعفاء الرجال، لابن عدي الجرجاني، ٥/ ١٩٥٥ - ١٩١٥، ط. دار الفكر.
٢ - "الضعفاء" لأبي جعفر العُقيلي، ٣/ ٣٧٣ - ٣٧٦، (ط. د. عبد المعطي قلعجي).
٣ - تهذيب الكمال، للحافظ جمال الدين المِزّي، ٢٠/ ٢٦٤ - ٢٩٢، رقم (٤٠٠٩)، (ط. مؤسسة الرسالة الأولى).
وصلَّى الله على سيدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
قاله وكتبه خادم العلم بالبحرين
نظام محمد صالح يعقوبي
1 / 11
لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام (١٢)
جزء فيه ذكر حال عكرمة
مولى عبد الله بن عباس وما قيل فيه
تخريج
الإمام الحافظ عبد العظيم بن عبد القوي المنذري (٥٨١ - ٦٥٦ هـ)
رواية
أبي القاسم عبيد الله بن الحافظ أبي عبد الله محمد بن عثمان بن علي بن سليمان
الزرزاري عنه
اعتنى به
نظام محمد صالح يعقوبي
دار البشائر الإسلامية
صفحة غير معروفة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
صلَّى الله على سيدنا محمَّد وآله وصحبه وسلَّم
أخبرنا الشيخ الِإمام أبو القاسم عُبيد الله بن الشيخ أبي عبد الله محمَّد بن الِإمام أبي محمَّد عثمان بن علي بن سليمان الزرزاري بقراءتي عليه، قال: أخبرنا الحافظ أبو محمَّد عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله المنذريُّ بقراءة والدي عليه، قال:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلواته على سيِّد المرسلين، محمَّد وأهله وأصحابه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد: فقد جمعتُ في هذا الجُزء ما تَيَسَّر لي جَمْعُهُ من حَال أبي عبد الله عكرمة مولى عبد الله بن عباس ﵃، وأقوال المتقدِّمين والمتأخِّرين فيه، مستعيذًا بالله من الخطأ والزلل، ومستعينًا به
إنه ما شاء فعل!
[اسمه ونسبه ونشأته]:
هو أبو عبد الله عكرمة مولى عبد الله بن عباس، القُرشي، القاسمي، مولاهم، المدنيُّ.
1 / 15
أَصْلُهُ بَرْبَرِيٌّ من أهل المغرب، كان لحصين بن أبي الحر العنبري؛ فوهَبَهُ لابن عباس حين وَلِيَ البصرةَ لعليّ بن أبي طالبٍ ﵁.
واجتهد ابنُ عباس في تعليمه القرآن والسنن، وسَمَّاه بأسماءِ العرب؛ وهكذا كان يفعلُ في تسمية مواليه. والعكرمة: الأُنثى من الحَمام.
[روايته عن الصحابة، وهل هي مرسلة أو متصلة؟]:
حَدَّث عن عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عُمر، وعبد الله بن عَمرُو بن العاص، وأبي هُريرة، وأبي سعيد الخُدْري، والحسن بن عليّ، وعائشة.
وروى عن غير واحدٍ من الصحابة مرسلًا.
١ - قال أبو زرعة الرازيُّ: عكرمة عن أبي بكر الصدِّيق، مرسل.
وقال أيضًا: عكرمة عن علي، مرسل (١).
٢ - وقال أبو حاتم الرازيُّ: عكرمة لم يسمع من سعد بن أبي وقّاص.
وقال أيضًا: عكرمة لم يسمع من عائشة. هكذا حكى عبد الرحمن بن أبي حاتم، عن أبيه في كتاب "المراسيل" أن عكرمة لم يسمع من عائشة (٢).
_________
(١) "المراسيل" ١٥٨.
(٢) "المراسيل" ١٥٨.
1 / 16
وقال في كتاب "الجرح والتعديل" (١): قيل لأبي: سمع من عائشة؟ فقال: نعم.
٣ - وقيل ليحيى بن معين: عكرمة عن عائشة، سمع منها؟ قال: لا أدري.
٤ - وذكر البخاريُ وأبو داود السجستاني وغيرهما، أنَّ عكرمة سمع من عائشة.
وأخرج البخاري في صحيحه من حديث عكرمة عن عائشة ثلاثة أحاديث.
وأخرج حديثه عن عائشة أيضًا أبو داود السجستاني، وأبو عيسى الترمذيُّ، وأبو عبد الرحمن النسائي، وأبو عبد الله محمَّد بن يزيد بن ماجه القزويني، في كتبهم. ويشبه أن يكون أبو حاتم الرازي تحقَّق سماعَه من عائشة فأثبته بعد أن كان نفاه.
٥ - وروى عن عكرمة من التابعين: محمَّد بن مسلم الزهريُّ، ويحيى بن سعيد الأنصاريُّ، وعَمرو بن دينار، وعامر بن شراحيل الشَّعْبيُّ، وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، وسليمان بن أبي سليمان الشيباني، وأبو الشعثاء جابر بن زيد، وإسماعيل بن أبي خالد، وعاصم بن سليمان، وأبو الزبير محمَّد بن مسلم المكي، وقتادة بن دعامة، وحميد بن أبي حميد الطويل، ويحيى بن أبي كثير، وسليمان بن مهران الأعمش، ويزيد بن أبي حبيب، وجماعة كثيرة من
_________
(١) "الجرح والتعديل" ٧/ الترجمة ٣٢.
1 / 17
التابعين وغيرهم من أهل الأمصار (١).
[احتجاج العلماء بحديثه]:
٦ - واحتج البخاريُّ بحديثه في صحيحه، وأخرجَ حديثه أيضًا أبو داود السجستاني، وأبو عيسى الترمذيُّ، وأبو عبد الرحمن النسائي، وأبو (٢) عبد الله بن ماجه القزويني، في كتبهم. وصحَّح الترمذي حديثه.
٧ - وأمَّا مسلم بن الحجَّاج فلم يحتجَّ بحديثه، وأخرج له مقرونًا بسعيد بن جُبير، وطاوس بن كيسان.
٨ - وقال البخاريُّ: ليس أحد من أصحابنا إلاَّ احتجَّ بعكرمة.
وحكى البخاريُّ عن عمرو -وهو ابن دينار- قال: أعطاني جابر بن زيد صحيفةً فيها مسائلُ، قال: سَلْ عكرمة! فَجَعَلْتُ كأني أتباطأ (٣)؛ فانتزعها من يدي، وقال: هذا عكرمة مولى ابن عباس، هذا أعلم الناس!
٩ - وقال أبو عبد الرحمن النسائيُّ في كتاب "التمييز":
عكرمة مولى ابن عباس، ثقةٌ. وقال عثمان بن سعيد الدارميُّ (٤):
سألتُ يحيى بن معين، قلتُ: عكرمةُ أَحَبَّ إليكَ عن ابن عباسٍ أو عُبيد الله بن عبد الله؟ فقال: كلاهماة ولم يختر (٥). قلتُ: فعكرمةُ
_________
(١) راجع تفصيل الرواة عنه في "تهذيب الكمال" للحافظ المزي ﵀، ٢٠/ ٢٦٥ - ٢٦٩، من الطبعة الأولى.
(٢) الأصل: أبي.
(٣) الأصل: أتباطئ.
(٤) تاريخه، الترجمة ٣٥٧. نقلًا عن هامش "تهذيب الكمال"، ٢٠/ ٢٨٨.
(٥) في "تهذيب الكمال": يُخيِّر.
1 / 18
أو سعيد بن جُبير؟ فقال: ثقة وثقة؛ ولم يختر (١).
١٠ - وقال يحيى بن معين: حدّثني من سمع حمَّاد بن زيد يقول: سَمِعْتُ أَيُّوب -وسُئِلَ عن عكرمة كيف هو؟ - قال: لو لم يكن عندي ثقةً لم أكْتُبْ عنه.
١١ - وقال عبد الرحمن بن [أبي] حاتم: سألت أبي عن عكرمة مولى ابن عباس؟ فقال: هو ثقة. قلت: يُحْتَجُّ بحديثه؟ قال: نعم إذا روى عن الثقات؛ والذي أنكر عليه يحيى بن سعيد ومالك فلسبب رأيه. قلت لأبي: فموالي ابن عباس؟ فقال: كُريبٌ، وسُمَيع، وشعبة، وعكرمة؛ وعكرمةُ أعلاهم.
١٢ - وذكر المروذي قال: قلتُ لأحمد بن حنبل: يُحْتجُّ بحديث عكرمة؟ قال: نعم يُحْتَجُّ به. وقال أحمد بن زهير: عكرمةُ أثبتُ الناس فيما يروي، ولم يحدث عَمَّن دونه أو مثلَه، حديثُه أكثرُه عن الصحابة.
١٣ - وقال ابن أبي ذئب: كان عكرمة مولى ابن عباس ثقةً.
وقال أبو جعفر محمَّد بن جرير الطبري: وكان عكرمة لا يدفعه أحد نعلمه عن التقدُّم في العلم بالفقه والقرآن وتأويله وكثرة الروايات (٢) للآثار.
١٤ - وقال الحافظ أبو أحمد عبد الله بن عديّ الجرجانيُّ: وعكرمة مولى ابن عباس لم أُخرِّج ها هنا من حديثه شيئًا؛ لأنَّ الثقات إذا رَوَوْا عنه فهو مستقيم الحديث، إلاَّ أن يروي عنه ضعيف فيكون قد أُتي من
_________
(١) في "تهذيب الكمال": يُخيِّر.
(٢) في "مقدمة الفتح"؛ الرواية (١٩٦).
1 / 19
قِبل الضعيف، لا مِن قِبَلِهِ. ولم يمتنع الأئمة من الرواية [عنه] (١).
وأصحاب الصِّحاح أدخلوا حديثه -إذا روى عنه ثقة- في صحاحهم، وهو أشهرُ من أن أحتاجَ إلى [أن] (٢) أُخرج شيئًا من حديثه، وهو لا بأس به (٣).
١٥ - وقال أبو عبد الله محمَّد بن إسحاق بن منده الأصبهاني: وأما حال عكرمة مولى ابن عباس ﵀ في نَفْسِهِ، فَقَدْ عَدَّلَهُ أئمةٌ من نُبلاء التابعين ومَنْ بَعْدَهم، وحَدَّثوا عنه، واحتجّوا بمفاريده في الصفات والسنن والأحكام.
روى عنه زُهاء ستمائة رجل من أئمة البلدان فيهم زيادة على سبعين رجلًا من خيار التابعين ورفعائهم، وهذه منزلةٌ لا تكاد توجد (٤) لكبير أحد من التابعين إلاَّ لعكرمة مولى ابن عباس رحمة الله عليه.
على أَنَّ من جَرَحَهُ من الأئمة لم يمسكوا (٥) عن الرواية عنه ولم يستغنوا عن حديثه. مثل: يحيى بن سعيد الأنصاريُّ، ومالك بن أنس وأمثالهما ﵏.
وكُلٌّ يتلقَّى حديثه بالقَبول ويحتج به، قرنًا بعد قرن، وإمامًا بعد إمام إلى وقت الأئمة الأربعة الذين أخرجوا الصحيح وميَّزوا ثابت الحديث من
_________
(١) زيادة يقتضيها السياق، وهي ثابتة في "الكامل".
(٢) زيادة يقتضيها السياق، وهي ثابتة في "الكامل".
(٣) "الكامل" لابن عدي، ٥/ ١٩١٠، ط. دار الفكر.
(٤) الأصل: تجد، وما أثبته موافق لما في "مقدمة الفتح"، (١٩٦).
(٥) الأصل: يمكسوا!
1 / 20
سقيمه، وخَطَئِهِ من صوابه، وخَرَّجوا رواتَهُ: أبو عبد الله محمَّد بن إسماعيل البخاريُّ، وأبو الحسين مسلم بن الحجَّاج النيسابوري، وأبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، وأبو عبد الرحمن بن شعيب النسائي، رحمة الله عليهم أجمعين؛ فأجمعوا على إخراج حديثه واحتجوا به. على أن مسلم بن الحجَّاج كان أسْوَأَهم رأْيًا فيه؛ فَأَخرَج عنه ما يقرنه في كتابه الصحيح وعَدَّله بعد ما جَرَحَهُ (١).
١٦ - وقال رجل لِأَيُّوبَ: أكان عكرمةُ يُتَّهمُ؟ فسكت هُنَيْهَةً فقال: أَمَّا أنا فلا أَتَّهِمُهُ. وقال أحمد بن عبد الله بن صالح: عكرمة مولى ابن عباس ثقة.
وقال أبو عبد الله محمَّد بن نصر المروزيُّ: قد أَجْمَعَ عامَّةُ أهل العلم على الاحتجاج بحديث عكرمة، واتفق على ذلك رؤساء أهل العلم بالحديث من أهل عصرنا، منهم: أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور، ويحيى بن معين؛ ولقد سألتُ إسحاق بن راهويه عن الاحتجاج بحديثه؟ فقال لي: عكرمةُ عندنا إمام الدنيا، وتَعَجَّبَ من سؤالي إيَّاه.
قال: وحدَّثنا غير واحد: أنهم شهدوا يحيى بن معين -وسأَلهُ بعض التابعين (٢) عن الاحتجاج بحديث عكرمة- فَأَظْهَرَ التعجب (٣)!
[الرواة عنه]:
١٧ - وقال أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار: روى
_________
(١) نقل العبارة بالمعنى عنه الحافظ ابن حجر في "مقدمة الفتح" (١٩٦ - ١٩٧).
(٢) في "مقدمة الفتح": الناس.
(٣) "مقدمة الفتح"، (١٩٦).
1 / 21
عن عكرمة مائةٌ وثلاثون -أو قال: قريبٌ من مائة وثلاثين رَجُلًا- من وجُوه البلدان، من مكيٍّ، ومدنيٍّ، وكوفيٍّ، وبصري ومن سائر البلدان، كلهم روى عنه ﵁ ورَضي به.
١٨ - وقال الحافظ أبو عبد الله محمَّد بن عبد الله النيسابوري في "تاريخ نيسابور": وقد حَدَّث عكرمة بالحرَمين، ومصر، واليمن، والشام، والعراق، وخراسان، فأمَّا أهل الحرمين من التابعين وغيرهم فقد أكثروا الرواية عنه، وعدَّد جماعة.
[الموازنة بينه وبين تلاميذ ابن عباس الآخرين]:
١٩ - وسُئل أبو حاتم الرازي عن عكرمة وسعيد بن جُبير، أيُّهما أعلمُ بالتفسير؟ فقال: أصحاب ابن عباس عيالٌ على عكرمة. وقال الشَّعْبيُّ: ما بَقيَ أحدٌ أعلم بكتاب الله من عكرمة.
[توثيقه وسعة علمه]:
٢٥ - وقال حبيب بن الشهيد: كنت [عند] (١) عمرو بن دينار، فقال: واللَّهِ ما رَأيْتُ مِثْلَ عكرمة قطُّ! فقال لي أَيُّوبُ -وهو إلى جنبي وأَسَرَّ إلي فقال-: واللَّهِ لو رأى محمدًا -يعني ابن سيرين (٢) - ما حَلَفَ على هذا!
٢١ - وقال يحيى بن أيوبَ: قال لي ابنُ جُرَيْجِ: قدمَ عليكم مصر -يعني عكرمة-؟ قال، قلتُ: نعم! قال: فكتبتم عنه؟ قال، قلتُ: لا! قال: ذهبَ عنكم ثُلُثَا العلم.
_________
(١) زيادة يقتضيها السياق.
(٢) استدركها الناسخ بهامش الأصل.
1 / 22
٢٢ - وقال عليّ بن المديني: كان عكرمة من أهل العلمِ. وقال أيوب: كُنتُ أريد أن أَرْحلَ إلى عكرمة إلى أفق من الآفاق؛ فإني لفي سوقِ البصرةِ، إذا رَجُل على حمار له؛ فقيل لي: عكرمة! واجتمع الناس عليه.
قال: فقمتُ إليه فما قَدَرْتُ على شيءٍ أسأل عنه، ذهبت المسائل مني! فَقُمْتُ إلى جنب حماره؛ فجعل الناس يسألونه وأنا أحفظ.
٢٣ - وقال عبد الصمد [بن] (١) معقل: قدم عكرمةُ الجَنَدَ فأهدى إليه طاوس نجيبًا بستين دينارًا! فقيل لطاوس: ما يصنع هذا بنجيب بستين دينارًا؟ فقال: أترون لا أشتري علمَ ابن عباسٍ لعبد الله بن طاوس بستين دينارًا (٢)؟!
٢٤ - وقال عثمان بن حكيم: جاء عكرمة إلى أمامة بن سَهْل بن حنيف وأنا جالس عنده؛ فقال: يا أبا أمامة! أسمعت ابن عباس يقول: ما حدَّثكم عكرمة عني من شيء فَصَدَّقُوهُ فإنَّه لا يكذبُ عليَّ؟ قال: نعم (٣).
٢٥ - وقال قتادةُ: أعلمُ الناس بالحلال والحرام الحسن، وأعلم الناس بالمناسك عطاء، وأعلمُ الناس بالتفسير عكرمةُ (٤).
وقال قتادة أيضًا: كانَ أعلمَ التابعين أربعةٌ: كان عطاء بن أبي رباح أَعْلَمَهُم بالمناسك، وكان عكرمة مولى ابن عباس أعلمَهم بسيرة
_________
(١) سقطت من الأصل.
(٢) "الضُّعفاء" للعقيلي، ٣/ ٣٧٦.
(٣) "تهذيب الكمال"، ٢٠/ ٢٧١، وعزاه محققه بشار عواد إلى "تاريخ الدوري" ٢/ ٤١٣.
(٤) "تهذيب الكمال"، ٢٠/ ٢٧٢، وعزاه محققه إلى "المعرفة والتاريخ" ١/ ٧٠١ - ٧٠٢.
1 / 23