مدونة أحكام الوقف الفقهية

مجموعة من المؤلفين ت. غير معلوم
47

مدونة أحكام الوقف الفقهية

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٣٩ هـ - ٢٠١٧ م

تصانيف

ومن أعظم الأوقاف التي شهدها العصر العباسي؛ ما قامت به زوجة الخليفة هارون الرشيد "زبيدة" بوقفها العين زبيدة، التي أسهمت في حلِّ مشكلة المياه في مكة المكرمة، بعد ما حجَّت عام ١٨٦ هـ/٨٠٢ م ورأت ما يعانيه أهل مكة والحجيج من المشاق في الحصول على ماء الشرب، فدعت خازن أموالها وأمرته أن يدعو المهندسين والعمال ليبدأ الحفر، وليشق الطريق للماء في كل خفض ورفع، وسهل وجبل، مسافة اثني عشر ميلًا، حتى يصل الماء إلى مكة المكرمة، ولما أظهر الخازن شيئًا من التردُّد إشفاقًا من كثرة النفقات على هذا المشروع؛ خاطبته بحزم قائلة: "اعمل، ولو كلفك ضربة الفأس دينارًا"، وعمل العمال والمهندسون إلى أن تمَّ المشروع، بعد أن بلغت تكلفته مليونًا وسبعمائة ألف دينار، ووصل الماء زلالًا إلى عرفة ومزدلفة، وأصبح قريبًا من منى، فيما يُعرف ببئر زبيدة (^١). وقد أثنى الرحالة والمؤرخون على فعل زبيدة، فقال المسعودي: إن أحسن ما فعلته أم جعفر في أيام الرشيد بناء دور السبيل بمكة المكرمة، واتخاذ المصانع بها، وما أحدثته من دور للتسبيل بالثغر الشامي وطرطوس، وما وقفته على ذلك من وقوف (^٢)، وهذا ما أكده أيضًا الخطيب البغدادي حين قال: كانت معروفة بالخير والإفضال على أهل العلم، والبر للفقراء والمساكين، ولها آثار كثيرة في طريق مكة من مصانع حفرتها، وبرك أحدثتها، وكذا بمكة والمدينة (^٣). وامتدح الرحالة الأندلسي ابن جبير "السيدة زبيدة" وما قامت به من خدمات للحجاج عند حديثه عن طريق مكة التي سلكها حاجًا عام ٥٧٩ هـ/١٠٨٦ م، ومما قاله: "وهذه المصانع والبرك والآبار والمنازل التي من بغداد إلى مكة هي من آثار زبيدة ابنة جعفر، انتدبت لذلك مدة حياتها، فأبقت في هذا الطريق مرابع ومنافع تعم وفد

(^١) انظر: وفيات الأعيان، ابن خلكان، تحقيق: إحسان عباس، بيروت، دار صادر، ١٩٧١ م، ٢/ ١٣٤. والماء في الفكر الإسلامي والأدب العربي، محمد بن عبد العزيز بنعبد الله، ٤/ ١٤١. (^٢) انظر: مروج الذهب ومعادن الجوهر، المسعودي، مطبعة البهية، ١٣٤٦ هـ، ٢/ ٥١٦. (^٣) انظر: الماء في الفكر الإسلامي والأدب العربي، محمد بن عبد العزيز بنعبد الله، ٤/ ١٣٦.

1 / 62