معنى الإقامة: هي ذكر مخصوص لاستنهاض الحاضرين للصلاة.
دليل مشروعيتهما:
ثبتت مشروعية النداء للصلاة بالكتاب والسنة.
ففي الكتاب قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة﴾ (١) .
وقوله جلّ شأنه: ﴿وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوًا ولعبًا﴾ (٢) .
وأما السنة فحديث مالك بن الحويرث ﵁ أن النبي ﷺ قال: (فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمّكم أكبركم) (٣) .
وقد أذن جبريل ﵊ يوم الإسراء وأقام الصلاة، ولكن رسول الله ﷺ لم يعمّم ذلك، ثم شرع الأذان في السنة الأولى للهجرة، وكان المسلمون يصلّون بالمناداة في الطريق: الصلاة.. الصلاة.. ثم تشاور الصحابة رضوان الله عليهم في علامة يعرفون بها وقت الصلاة مع النبي ﷺ، وجاء ذلك فيما روي عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه ﵁ قال: (لما أمر رسول الله ﷺ بالناقوس يعمل ليُضرب به للناس لجمع الصلاة، طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسًا في يده، فقلت: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة. قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت له: بلى. قال: فقال تقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، قال: ثم استأخر عني غير بعيد ثم قال: وتقول إذا أقمت الصلاة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله.
فلما أصبحت أتيت رسول الله ﷺ فأخبرته بما رأيت فقال: إنها لرؤيا حق إن شاء الله، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذّن به فإنه أندى صوتًا منك، فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به. قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته، فخرج يجر رداءه ويقول: والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأى، فقال رسول الله ﷺ: فلله الحمد) (٤) .
وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل الأذان والمؤذّن، (وإن كانت الإمامة أفضل من الأذان) (٥) منها ما رواه أبو هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف والأول ثم لم يجدوا إلا أن يَسْتَهِموا عليه لاستَهَموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العَتْمةِ والصبح لأتوهما ولو حبوًا) (٦)، وعن ابن عباس ﵄ أن النبي ﷺ قال: (من أذّن سبع سنين محتسبًا كتبت له براءة من النار) (٧) . وعن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين) (٨) .
حكم الأذان والإقامة:
هما سنتان مؤكدتان في قوة الواجب، لقول الإمام محمد: لو اجتمع أهل بلدة على ترك الأذان قاتلتهم، ولو تركه واحد لضربته وحبسته.
وهما سنة للجماعة والمنفرد، لأنهما من شعار الإسلام سواء كان في المسجد أو في البيت أو في فلاة، فإنه يصلي خلفه جند من جنود الله، فعن سلمان الفارسي ﵁ قال: قال النبي ﷺ: (ما من رجل يكون بأرض فيء، فيؤذن بحضرة الصلاة ويقيم الصلاة فيصلي، إلا صفَّ خلفه من الملائكة ما لا يرى قطراه يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده ويؤمنون على دعائه) (١) . وعن عقبة بن عامر ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (يعجب ربكم من راعي غنم في رأس شظية بجبل يؤذن بالصلاة ويصلي، فيقول الله ﷿: انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة، يخاف مني، قد غفرت لعبدي، وأدخلته الجنة) (٢) .
وهما سنة للصلاة، لا للوقت، وللفرائض ومنها الجمعة. أما النوافل فلا يؤذن لها.
كما يسن لقضاء الفوائت مطلقًا، لما روى عبد الله بن مسعود ﵁ قال: (إن المشركين شغلوا رسول الله ﷺ عن أربه صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله، فأمر بلالًا فأذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء) (٣) .
ولا يسن للنساء الأذان والإقامة، بل هما مكروهان، لأن حالهن مبني على الستر ولا يكون الأذان إلا برفع الصوت.
ألفاظ الأذان والإقامة:
-١ - التكبير في أول الأذان أربعًا، مع جزم راء أكبر في الأذان والإقامة.
-٢ - أن يأتي بالشهادتين كل واحدة مرتين ويفصل بينهما بسكتة ولا يرجع (١) فيهما.
-٣ - أن يزيد المؤذن بعد قوله: "حي على الفلاح" في الفجر: "الصلاة خير من النوم"، لما روي عن أبي محذورة ﵁ قال: (كنت أؤذن لرسول الله ﷺ، وكنت أقول في أذان الفجر الأول: حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله) (٢) .
-٤ - والإقامة مثل الأذان إلا أنه يزيد فيها بعد قوله: "حي على الفلاح": "قد قامت الصلاة" يكررها مرتين.
شروط الأذان والإقامة:
-١ - دخول الوقت، لأنه إعلام بالوقت فلا يصح قبله. أما الإقامة فلابد فيها من إرادة الصلاة فعلًا.
-٢ - أن يكونا بالعربية إن كان هناك من يحسنها، ويصح للأعجمي أن يؤذن لنفسه بلغته إن لم يحسن العربية حتى يتعلمها.
-٣ - الموالاة والترتيب.
-٤ - إن يسمع نفسه إن كان منفردًا، وأن يسمع بعض الجماعة إن كان في جماعة.
-٥ - أن يكون المؤذن رجلًا مسلمًا عاقلًا، فلا يصح أذان المجنون ولا الكافر.
سنن الأذان والإقامة:
-١ - أن يكون المؤذن صالحًا، أمينًا في الدين، عالمًا بالسنة وأوقات الصلاة، لما روى ابن عباس ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: (لِيؤذّن لكم خيارُكم وليؤمكم قراؤكم) (١) .
-٢ - أن يكون على طهارة، لأنه ذِكْر ومتصل بالصلاة، ولما روي عن أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: (لا يؤذِّن إلا متوضئ) (٢) .
-٣ - أن يكون واقفًا، لحديث عبد الله بن عمر ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: (يا بلال قم فناد بالصلاة) (٣) .
-٤ - أن يتوجه المؤذن نحو القبلة، فإذا بلغ الحيعلتين التفت عن يمينه فقال: "حي على الصلاة"، ثم التفت عن يساره فقال: "حي على الفلاح"، من غير أن يُحوِّل صدره عن القبلة ولا قدميه عن مكانهما، لحديث أبي جُحيفة ﵁ قال: (رأيت بلالًا يؤذّن ويدور ويُتبع فاه ههنا وههنا، وإصبعاه في أذنيه) (٤) .
-٥ - أن يجعل إصبعيه في أذنيه في الأذان دون الإقامة للحديث المتقدم.
-٦ - أن يترسَّل (٥) في الأذان، ويسرع في الإقامة، لحديث جابر بن عبد الله ﵄ أن رسول الله ﷺ قال لبلال: (يا بلال إذا أذَّنْت فترسَّل في أذانك، وإذا أقمت فاحدُر) (٦) .
-٧ - أن يكون المؤذن حسن الصوت عاليه، لأنه أبعث على الإجابة بدليل الحديث المتقدم: (فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتًا منك) .
-٨ - أن يفصل بين الأذان والإقامة، إذ يكره وصلهما، كي يتحضر المصلون.
-٩ - التثويب بعد الأذان لتأكيد الإعلام، بأن يقول: يا مصلين: الصلاة. الصلاة.
مكروهات الأذان والإقامة:
-١ - يكره التلحين والتمطيط في الأذان.
-٢ - كره أذان الجُنُب وإقامته، والكراهة هنا تحريمية.
-٣ - يكره أذان المُحْدِث لما في الأذان من الدعاء والذكر.
-٤ - يكره أذان الصبي (١)، وقال جمهور العلماء: لا يجوز أصلًا.
-٥ - يكره أذان المرأة والفاسق.
-٦ - يكره الكلام أثناء الأذان ولو بِرَدِّ السلام.
-٧ - يكره الأذان والإقامة للظهر يوم الجمعة لمن فاتته وللمعذور أيضًا.
-٨ - يكره خروج المؤذن أو أحد المصلين من المسجد بعد الأذان حتى تنتهي الصلاة إلا أن يخرج لحاجة، لما روي عن أبي الشعثاء قال: "كنا قعودًا في المسجد مع أبي هريرة، فأذّن المؤذن فقام رجل من المسجد يمشي فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد فقال أبو هريرة: "أما هذا فقد عصى أبا القاسم ﷺ " (٢) . أما لو خرج بعد الصلاة ولو منفردًا فلا كراهة.
-٩ - يكره أخذ الأجرة على الأذان، إلا أن المتأخرين من علمائنا أجازوه مطلقًا لعدم وجود متطوعين وحفظًا للشعائر، وروي عن عثمان بن أبي العاص ﵁ قال: (إن آخر ما عهد إليّ رسول الله ﷺ أن أتخذ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا) (٣) .
حكم إجابة المؤذن وما يسن فيها:
الأكثر من فقهاء الحنفية على أن إجابة المؤذن قولًا وفعلًا سنة، وقال بعضهم واجب استنادًا إلى الحديث الذي رواه عبد الله بن عمرو بن العاص ﵄ أنه سمع النبي ﷺ يقول: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليَّ، فإنه من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا، ثم سِلُوا الله ﷿ لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلاّ لعبد من عباد الله تعالى، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلّت عليه الشفاعة) (١) .
ويسن:
-١ - أن يجيب المؤذن كل من سمعه سواء كان جنبًا أو طاهرًا، واستثنى الحائض والنفساء لعجزهما عن الإجابة بالفعل.
-٢ - أن يمسك سامع الأذان عن القراءة والذكر، وإن كان قاعدًا قام أو مستلقيًا جلس.
-٣ - أن يقول السامع في الإجابة كما يقول المؤذن إلا عند قوله: "حيّ على الفلاح"، فيقول: "لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم"، لما روي عن عمر ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهد أن محمدًا رسول الله قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، ثم قال: حيّ على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حيّ على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: الله أكبر الله أكبر قال: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله قال: لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة) (٢) . وأن يقول عندما يقول المؤذن في الفجر "الصلاة خير من النوم": "صدقت وبررت وبالحق نطقت". وعند الإقامة يقول: "أقامها الله وأدامها وجعلنا من صالحي أهلها"، فعن أبي أمامة ﵁ أو عن بعض أصحاب النبي ﷺ أن بلالًا أخذ في الإقامة فلما أن قال: قد قامت الصلاة قال النبي ﷺ: (أقامها الله وأدامها) (٣) .
-٤ - أن يجيب المؤذن بكلمات الإجابة كلها مرتبة سواء سمع كل الأذان أو بعضه. ولو سمع من عدة مساجد أجاب الأقرب إلى منزله. ويمكن أن يتدارك الإجابة إن كان في شغل.
-٥ - أن يصلي ويسلم على النبي ﷺ بعد الإجابة ثم يقول: "اللهم ربَّ هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت سيدنا محمدًا الوسيلة والفضيلة (٤)، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته"، لما روى جابر بن عبد الله ﵄ أن رسول الله ﷺ قال: (من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدًا الوسيلة والفضيلة، ابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته حلَّت له شفاعتي) (٥) .
ويدعو بعدها بما شاء من حوائج الدنيا والآخرة، لحديث أنس بن مالك ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (الدعاء لا يردّ بين الأذان والإقامة) (٦) .
وعن أم سلمة ﵂ قالت: (علمني رسول الله ﷺ أن أقول عند أذان المغرب: اللهم هذا إقبال ليلك، وإدبار نهارك، وأصوات دعاتك، فاغفر لي) (٧) .